2006/10/31

السقوط الصامت للصغار

في 21.10.2006 كتبت عن مسرحية "المرأة التي كانت تسحل رجلا بحبل".. وهي مونولوج متخيل للجندية الامريكي التي شاركت في جريمة تعذيب سجناء ابوغريب.
~
قبل ايام زارني مؤلف المسرحية السويسري في دربونتي ووضع تعليقا ،معلنا انه لايستطيع قراءة العربية(عنوان مقالي فقط كان بالفرنسية وهو عنوان المسرحية)، ويطلب مني فيه ان اتصل به لنتواصل بالنقاش .. تم الاتصال.. نقاش لطيف.. ترجمت له فحوى النص العربي الذي كتبته عن مسرحيته في دربونتي : "محاولة التحليل فيه لايجاد سببية لعنف انكلاند ، البحث عن الانسانية المخفية لشخص يتصرف بلاانسانية يجعل منه نصا خطير.. نص لايدين ولا يحاول ايجاد الاعذار ولكنه يحاول ان يفهم .. هل يمكن ان نقف هكذا موقف من موضوع بهذه الخطورة؟" .. يومها ارقني هذا الموقف خصوصا عندما حاولت ان اكتب بالعربية عن المسرحية.. بحثت عن وجهة نظر المؤلف الفلسفية ووجدتها في جملة من حوار له مع احدى الصحف السويسرية على الانترنيت.. هذه الجملة تقول : "عندما نسحب من الجلاد انسانيته فأننا نسحب حصته من المسؤولية".. ازالت هذه الجملة شيئا من انزعاجي.

نقاشنا عبر البريد الالكتروني ايضا دار حول نفس الموضوع .. انشر هنا اخر تبادل بيننا تم اليوم وانشره بالفرنسية، بعد موافقته بالطبع .. كلماته المنشورة هنا هي رد على كلماتي .. قلت له في الايام الاولى لنقاشنا وجع العراق .. وقال لي محاولته وضع كلمات على صور بلا كلمات .. اصبح مقتنعا ان مسرحيته لم تأخذ بعين الاعتبار بما يكفي وجع العراق.. اليوم قال لي انه سيكتب مسرحية متممة لمسرحيته هذه.. اسعدني ذلك كثيرا.. احساس مدهش ان ترى قدرة كلماتك على تغير الاشياء.

ولكنني قلت له ان ذلك لن يكون سهلا .. ذلك ان الادب ، الفن ، التاريخ عندما يسجل ، يكرسون اهمية اقل "للضحية" قياسا لما يكرسوه للجلاد.. قلت له وهذا عنوان كلماتي للنص الفرنسي المنشور هنا " ان سقوط " الكبار" يعمل ضجة اكبر " من "سقوط الصغار".. لم يتفق معي بخصوص ان الفن والتاريخ لايهتمان بقضايا " الصغار".. وهو محق نسبيا بخصوص الفن اما التاريخ فلا اظن.

قلت له : "ما هو سر جاذبية شكسبير المسرحية ؟ انهم " كبار يسقطون".. اعجبه هذا التعبير.. اتفق معي على ان وسائل الاعلام تعمل ضجة كبيرة لموت 100 جندي امريكي في هذا الشهر ، وتمر بضبابية امام موت 10000 عراقي.. قال " هناك حاجة لايجاد قيمة متساوية لكل قتيل ولكل جريح وبالتالي مساواة قيمة الحياة وهذا فقط ما يضمن الاحترام المتبادل".. اعجبتني كثيرا تلك الجملة.. اعتقد انني بترجمتي السريعة المختصرة هذه لحوارنا لم اعطِ كلماته حقها .. هذه جملته الاخيرة :

" عندما سأتكلم واتقمص شخصية عراقي " ناجٍ" من ابو غريب كتتمه لمسرحيتي هذه، فأنني سأراه من منظور العودة، عودة لحادثة التعذيب ، عودته للضوء وعودة "للصغار" . وسوف احتفظ ، بموافقتك ، بفكرة : سقوط الصغار ( السقوط الصامت للصغار)". ـ كعنوان للمسرحية.

شكرا ايف

2006/10/30

En attendant « la chute des petits »…parole-s d’un dramaturge

Bonsoir Karim

L'histoire, l'art s'intéressent ils vraiment qu'au grands ??? Je n'en suis pas si sûr, mais la question demande à être débattue, réfléchie.

Il y a un cinéaste américain formidable, Franck Capra qui raconte souvent la vie des petits ( La vie est belle - Vous ne l'emportez pas avec vous), qui raconte la victoire de la simplicité et de la solidarité.

Des grands qui chutent... magnifique formule !
Mais c'est aussi une critique, un regard sur le pouvoir. Quand on s'occupe des grands qui chutent, c'est peut-être aussi une manière de leurs faire un croche-pieds...

Mais, bon, c'est vrai que nous sommes plus interpellés par 100 morts américains que 10'000 mort Irakiens, c'est vrais que les médias nous les servent (les 100) avec fracas et laissent dans le flou et le silence 10'000 qui ne nous apparaissent que comme des inconnus... Vous avez raison et il faut rompre cette manière de voir, il y a nécessité de retrouver ( c'est étrange à dire) une valeur égale pour chaque mort, chaque blessé... donc par déduction : une égalité de la valeur de la vie, seule garante d'un respect mutuel. Je ne crois pas différente la douleur d'une famille irakienne, devant la perte de l'un des siens, ni plus forte que celle d'une famille américaine qui voit son fils, son frère, son mari revenir dans une sac en plastique.

Quand j'envisage de parler et de m'identifier à un Irakien "échappé" d'Abou Grhaïb en continuation de la femme qui... je le voyais sous l'angle du retour, du retour sur l'événement, du retour à la/une lumière... et maintenant d'un retour vers du plus petit. Si vous êtes d'accord, je garderais l'idée de : La chute des petits. ( La chute silencieuse des petits ? )

à tout bientôt
amicalement

Yves Robert

La chute des "grands" fait plus de bruit

Bonjour Yves

Je suis content d'entendre que "la femme qui tenait un homme en laisse" aura une suite.

Le « point de vue Irakien » c'est ça. Courage car c’est pas évident de « traiter » ou « maltraiter » artistiquement « la victime ». Croyez-moi j’ai posé cette question en regardant votre pièce. C’est pas évident. Généralement la littérateur, l’art, les médias s'intéressent moins à la victime qu' au bourreau. Pourquoi à votre avis ?

Pourquoi la nouvelle de100 soldats américains morts en Irak pour le mois d’octobre fait sensation dans les salles de rédactions alors que les centaines des irakiens qui tombent chaque jour relève de banal. Pourquoi le moindre geste d’un des « boys » sont notés et discutés, alors que personne ne parle des nombreux chirurgien irakiens qui fuient l’Irak car un beau matin ils trouvent devant leurs maisons un enveloppe dans lequel se loge une balle ( quelle efficace communication) ?

La chute des « forts » fait plus de bruit. C’est de la physique. Shakespeare c’est quoi ? Des « grands » qui « chutent » ! Mais alors quel « tragique » et c’est beau à voir et à lire. Ce n’est pas par hasard si l’Histoire parle des « grands » et non pas des « petits ».

Je suis content de savoir que vous envisagez la possibilité de faire « chuter » des « petits ».

Amicalement

Karim

2006/10/27

بين شرّين ، ارفض ان اختار الاقل سوءً

Entre deux maux, je me refuse à choisir le moindre. Karl Kraus

قبل ثلاث سنوات ونصف كنت سأوافق كارل كراوس على هذه المقولة .. لا بل كنت سأضعها عنوانا لدربونتي .. اما اليوم والعراق يحتضر فأنني ساتردد كثيرا قبل ذلك.. على المستوى الشخصي اظن انها مقولة تناسب مفهومي الاخلاقي.. ولكن على المستوى المجتمعي العام فأن هذه المقولة ستأخذ ابعاد خطيرة تتجاوز تفاهة النزق الشخصي.. قد نستطيع في ظروف شخصية معينة تفضيل الحرية على الاستقرار.. ولكن ان تقول لعراقي بسيط ان يختار بين حرية المفخخات وفرق الموت وبين "استقرار" ما قبل الاحتلال ؟ انصحك ان تحتاط قبل طرح السؤال.

اتذكر قول فتاة عراقية في الاشهر الاولى بعد سقوط صدام ، ولا اخفيكم انه اثار اعجابي وقتها : " كنا نعيش في سجن ونحن الان نعيش في غابة وانا افضل العيش في الغابة على العيش في السجن ".. لااظن ان شخصا خرج توا من السجن كان سيقول شيئا اخر على الاقل في البداية.. ترى ماذا ستقول تلك الفتاة اليوم ؟ اتمنى من كل قلبي انها بخير.

الخارج من السجن غالبا ما يُصدم بعدم مطابقة احلامه في السجن مع متطلبات الحرية.. والكثير من السجناء ينتحرون امام متغيرات ومتطلبات واقع يتحرك بسرعة مخيفة يصعب التكيف معها.. رتابة وبلادة حياة السجن تقتل روح المبادرة عند الكثير من السجناء.. من هنا وصف السجن كمؤسسة توتاليتارية من قبل عالم الاجتماع ايرفينغ كوفمان

في حالة الفوضى، الشعوب تفضل دائما الاستقرار على الحرية المنفلتة .. وهذه نزعة تاريخية في الحضارة الاسلامية كما في الحضارات الاخرى .. وخصوصا الصينية التي انتجت ادبيات فلسفية كثيرة مخصصة حصريا لموضوعة الفوضى وكيفية احلال الاستقرار.

ولكن، وعلى المستوى الشخصي، عندما اٌخيّر بين صدام والعمائم فأنني ارفض ان اختار الاقل سوءً.. لست مجبرا على الاختيار بين صدام والعمائم.

2006/10/24

العمائم والفقراء .. وصيد السمك

تقول جريدة الحياة اليوم : " في العمارة عثرت دوريات للشرطة العراقية على جثة شقيق قائد «جيش المهدي» في العمارة حسين البهادلي، حيث اندلعت مواجهات جديدة أمس. وأفاد مصدر في شرطة ميسان ان جثة البهادلي الذي خطف الخميس الماضي، خلال الاشتباكات بين «جيش المهدي» والشرطة التي تنتمي الى «فيلق بدر» التابع لـ «المجلس الأعلى للثورة الاسلامية» بزعامة عبدالعزيز الحكيم وجدت مقطوعة الرأس وقد تعرضت للتعذيب.

في تعليقه على هذا الحادث يشير خوان كول " الى ان البهادلي هو اسم من عرب الاهوار، مما يشير الى ان هناك بعد اثني في الصراع الدائر" .. وهو يعرج بعد ذلك على النظرة التحقيرية للمعدان/ عرب الاهوار عند عرب العراق كطبقة واطئة.. ثم يقول ان "هناك الكثير من عرب الاهوار اصبحوا اتباعا لمقتدى الصدر ذو الاتجاه الوطني الذي يقدم نفسه كحامي للفقراء".

ملاحظة خوان كول شيء يعرفه العراقيون وعلى الخصوص الشيعة ذوي الاصول المتواضعه.. ولكن ما يدهشني هو ان خوان كول (هو الخبير بالشأن الشيعي) يقول ان هناك بعد اثني في الصراع (هل يا ترى ان مصطلح الاثني هو مصطلح جامع في اللغة الانكليزية الاصطلاحية ؟ ) .. ولكنه لايعمق تحليله بالاتجاه الصحيح .. اذا يقول " ان عرب العراق ينظرون الى المعدان نظره تحقيرية" .. وهذا صحيح.. كان المفروض منه ان يبقى في مستوى ملاحظته الذكية الاولى المتظمنة للصراع الشيعي/ الشيعي.. والاصح ان يقول ان هناك بعد طبقي/ اجتماعي في الصراع الدائر حاليا بين الشيعة في جنوب العراق.. ذلك ان افضل ما يمكن ان يقدم لعراق مخدر بالايديولوجيا الطائفية ولفقراء العراق، دافعي ثمن الفوضى، هو تفكيك المفردات الشمولية (سنة ، شيعة ) المدافع عنها من قبل الباحثين عن السلطة.

هذا الصراع بين الكربلائي (السيد) والشروقي (العبد ) هو صراع طبقي/ اجتماعي قديم.. قد تحيده الايديولوجيا لبعض الوقت ولكنها لن تنجح بأخفائه كل الوقت.. ومن لم يفهم ذلك سوف لن يفهم الموجة الشيوعية التي اجتاحت الجنوب العراقي في خمسينات وستينات القرن الماضي .. الاسلام السياسي الشيعي الذي حملت لواءه "البرجوازيات" النجفية والكربلائية في نفس الفترة كان رد فعل على الحزب الشيوعي الذي كان يسير مظاهرات في عقر دارهم ويجند الرفاق من بين ابنائهم.

الكثيرون من الشيعة يعرفون هذا ولكن الم الجراح ، الحرمانات ، سياسة الانتقام ، والتخويف، لم تعطهم الوقت الكافي لمواجهة المتغيرات الجديدة.. ولكن عندما تصدم المصدوم فأنك تيقظه.. عاجلا ام اجلا سيظهر الكذب والدجل.. شكاوى الناس البسطاء من تجار الجرح قد ظهرت بصورة خجلة منذ فترة ولكنها ستأخذ بالاتساع بمرور الوقت.. نعم الايديولوجيا لاتصمد امام الواقع الاجتماعي.

كنت وما زلت اعتقد ان "البرجوازيات" الشيعية (عوائل واحفاد رجال الدين المتحالف مع بعض الشيوخ) قد حاولت تاريخيا وتحاول حاضرا قرصنة مفردة الشيعة.. نعم كان ولا زال الصراع هو قبل كل شيء صراع مفردات .. صراع على المفردات .. من ينجح بتمريرالمفردة ويستحوذ على حق الكلام باسمها .. ينجح بالتمثيل السياسي.. منذ محاربة رجال الدين الشيعة للمدارس الحديثة.. مرورا بفتوى الشيرازي التي منعت الشيعة من الدخول في اجهزة الدولة العراقية في العشرينات .. وانتهاءً بالاصطفاف الطائفي تحت مسمى الائتلاف العراقي الموحد الذي قام بمساعدة فتوى للسيستاني ابان الانتخابات الاولى التي جرت في عراق الاحتلال .. كان ولازال الهدف هو السيطرة على الشيعة كمفردة وبالتالي كوسيلة للسلطة.

عادة رجال الدين (تحليليا هم رجال دنيا )، كل رجال الدين سنة وشيعة ، ارثودوكس و كاثوليك ، انهم يعطون الفقيرسمكة كل يوم ولكنهم
لايعلمونه صيد السمك.

2006/10/23

هنا البصرة.. تقسيم العراق او فيدرالية الاقاليم لن يمنعا العمائم من القتل


انطوني شديد ،من الواشنطن بوست ، كعادته لا يستقي معلوماته من السياسيين او من المنطقة الخضراء عندما يكتب عن العراق .. القرى النائية هي اهداف زياراته العديدة للعراق منذ ثلاث سنوات .. الناس في اسفل السلم الاجتماعي يشكلون مصادر تحقيقاته واهتماماته .. وهو غالبا ما يخرج بتحقيقات هي اقرب للبحث السوسيولوجي منها الى الريبورتاج الصحفي .. بالامس نشرت له الواشنطن بوست اخر تحقيقاته التي قام بها خلال شهر رمضان في قرية قرب شط العرب في البصرة .. اقتطف هنا مقطعين هي بمثابة دلائل سوسيولوجية عن الناس والوضع العام في جنوب العراق .. اعتقد ان الاقتتال الجاري حاليا في مدينة العمارة يؤكد ما يلي

1

قبل عام تقريبا (في زيارته الاولى للقرية)، كان هناك بوسترا واحدا يزين جدار الشيخ عدنان العيداني. كان ذلك بورتريه للسيستاني ..اليوم هناك عشرات البوسترات ولكن لوجوه جديده .. تمثل القوى ( السياسية) في البصره وفي منطقته.

2

تقسيم العراق عادة ما يقدم كحل لانهاء الاقتتال الطائفي ، ولكن هذا التحليل يتغاضى عن الصراع الدموي والحاد الذي يعصف بالبصرة والمناطق الجنوبية الاخرى ذات الغالبية الشيعية. هنالك قتل اقل في البصرة عما هو عليه في بغداد وذلك لقلة الانشقاقات الطائفية نسبيا، ولكن السكان يؤكدون وبمرارة انه اكثر تنظيما، بما ان الاحزاب الشيعية المختلفة تتقاتل من اجل المال والسلطة.



In a Land Without Order, Punishment Is Power
Conflicts Among Shiites Challenge a Village Sheik in Southern Iraq

By Anthony Shadid
Washington Post
Sunday, October 22, 2006

A year or so ago, just one poster adorned Sheik Adnan Aidani's wall. It was a portrait of Grand Ayatollah Ali Sistani, Iraq's faded but still preeminent cleric, whose stern visage glared down on visitors to the tribal sheik's house along a forest of date palms in the southern Iraqi countryside. Today, there are perhaps a dozen posters with new faces....The posters on the sheik's wall represent the forces in Basra and his

A division of Iraq is sometimes offered as a way to end the country's sectarian strife, but that glosses over the bitter and bloody fights that torment Basra and other predominantly Shiite regions in the south. With fewer sectarian fault lines, there is less killing in Basra than in Baghdad; residents, a little bitterly, insist it is just more organized, as the various Shiite factions battle for money and power.

2006/10/22

كان يا ما كان .. المثلث السني


قبل ايام كتب خوان كول ، الخبير في الشأن العراقي، في مدونته : " في صيف
2003
، فقط 14 بالمئه من السنة كانوا يساندون هجمات العنف ضد القوات الامريكية . اما في اخر الاحصائات فـ 70 بالمئه منهم يساند مثل هكذا افعال." .. يبقى خوان كول ، رغم عمق معرفته بالشأن العراقي ، اكثر معرفة بشيعة العراق( اختصاصه الاول).. لذلك سأستعين برأي دافيد باران المعلق الكندي الذي يعرف السنة جيدا.. وهو اكثر معرفة بالعراق كارضية بحثية من كول لانه كان في العراق قبل وبعد الاحتلال الامريكي ولفترات طويلة.. مقالته " التباس في الفلوجة" التي نشرت في حزيران 2003 في صحيفة " العالم الدبلوماسي" تحكي عن الاحتمالات التي غيبت بسبب الحماقات الامريكية.

يقول باران " ان عشائر المحامدة ، الجميلات ، البو عيسى ، زوبع الخ التي تسكن الفلوجة ، كانت لها علاقات جيدة مع النظام السابق. ومع ذلك وبعد سقوط النظام فأن وجهاءها كانوا يعتقدون من العبث ومن غير النافع مقاومة الامريكيين. من هنا وفي نيسان/أبريل عام 2003، غداة سقوط بغداد، تشكل بصورة عفوية مجلس من الوجهاء الدينيين والقبليين اضطلع بمسؤوليات المرحلة الانتقالية بعد انهيار مؤسسات النظام وأرسل موفداً الى قوات التحالف للتفاوض على استسلام المدينة. كانت الرسالة واضحة " الفلوجة تتمنى قبل كل شيء السلام". اذا لقد دخل الامريكيون مدينة هادئة ومحكومة من قبل مجلس الوجهاء وهذا على عكس الكثير من مدن العراق التي كانت تعمها الفوضى .. ولكن بعد ذلك جاءت مواكب من سوء الفهم.

" سكان المدينة لم يفهموا لماذا تفتح القوات الامريكية المخازن الحكومية امام النهابين . لم يتصور احدا ان قوات " التحرير" ستتمركز في وسط المدينة وتسيطر على تقاطعات المدينة الاستراتيجية، تستعرض في الاحياء السكنية، تراقب المدينة بالهليكوبترات التي كانت تحلق بمستوى البيوت. هذا الموقف الاستفزازي لم يكن يتناسب مع مدينة تمنت السلم بوضوح وهي كانت امنة وهادئة. اتخاذ الامريكيين لمدرسة كقاعدة ولسطوحها كابراج مراقبة ادى الى اشعال النفوس.. ان مراقبة هذه المنطقة السكنية من قبل جنود مزودين بنواظير كان يشكل اعتداء على حرمة عوائل محافظة.. وكرد فعل قامت مظاهرة امام تلك المدرسة احتجاجا على هذا التصرف الغيرلائق.." القوات الامريكية تطلق النار لا لتفرق المظاهرة وانما على الطريقة الامريكية المعروفة (الاستخدام الكثيف للنار) ..النتيجة مذبحة .. ثم ثأر وحلقة العنف.

هذة قصة الفلوجة التي كانت اول مدينة تثور بوجه الامريكيين.. عندما تعتبر الاخر عدوا فانك تنتهي بأن تجعله بنهاية الامر كذلك.. يقول باران الفلوجة في نظر الامريكيين "لا يمكن إلا أن تكون مدينة عدوة، وهذا ما أصبحت عليه بالفعل.

هذة العدائية الامريكية ليست وليدة الصدفة تجاة المدن السنية .. ولكنها سياسة انتجها انزلاق مفاهيمي لعقلية استشراقية.. صدام سني اذا كل السنة في العراق هم صداميون .. لقد اعتبروا السنة كل السنة صداميون ، لذلك كان لابد على الاقل اهانتهم اذا لم يكن تصفيتهم.. اكشن .. عنف مجاني انتج عنف مجنون .. هذه قصة الدراما العراقية من الاصل.

الفلوجة والمناطق المحيطة بها كانت تسمى في البداية " المثلث السني".. ولكن أي انتقام للواقع .. نعم، الهندسة التي لا تأخذ بعين الاعتبار جميع نقاط الفضاء المدروس تستحيل الى قراءة تنجيمية للابراج .. المثلث السني الذي ارادوه صغيرا (غرب وجنوب بغداد) يجد اليوم امتداده وحجمه السوسيولوجي .. دراسات الستينات تستخدم مصطلح المثلث السني لتشير الى مثلث رأسه في الموصل وقاعدتة الانبار ـ بغداد ـ ديالى .. نصف مساحة العراق مشتعلة .. نادرا ما كانت انزلاقات المفاهيم بهذه القدرة على الدمار. 

2006/10/21

La femme qui tenait un homme en laisse


بالامس حضرت عرض مسرحية عنوانها "المرأة التي كانت تسحل رجلا بحبل".. نص متفجر ومفجر.. المسرحية تصور ليندي انكلاند ، الجندية الامريكية .. هل تذكرون ليندي انكلاند .. لا ! فضيحة التعذيب في سجن ابو غريب .. تلك المرأة القصيرة التي تسحل بحبل سجين عراقي عاري من رقبته.. رمز الاحتلال وطلقة رحمته.

" انه محض خيال .. انني لا اعرف الحياة الحقيقية للندي انكلاند" .. المسرحية تبدأ وتنتهي بهذه الجملة التحذيرية لموضوع حساس .. بين هاتين الجملتين هناك نص جميل ولكنه ايضا مزعج .. الراوية هي ليندي انكلاند المتخيلة .. والمسرحية هي من نوع المونولوج .. انه نص اكثر من جيد من الناحية الفنية.. محاولة التحليل فيه لايجاد سببية لعنف انكلاند .. البحث عن الانسانية المخفية لشخص
 يتصرف بلا انسانية يجعل منه نصا خطير.. نص لا يدين ولا يحاول ايجاد الاعذار ولكنه يحاول ان يفهم..هل ممكن ان نقف هكذا موقف من موضوع بهذه الخطورة؟ مؤلف النص ايف روبير يقول "عندما نسحب من الجلاد انسانيته فأننا نسحب حصته من المسؤولية. تبرير مقنع فلسفيا بل وحتى سياسيا .

لقد كانت بعض المقاطع ، بفضل فنية النص وخصوصا براعة الممثلة، عميقة من الناحية الانسانية وموثرة خصوصا عندما تتحدث عن جمالية الجامع وصوت المؤذن ولكن ان تأتي على لسان لندي انكلاند تجعلك تحس بالذنب لانك للحظة قد تفاعلت مع هكذا شخص حتى وان كان من نسيج الخيال الفني.. هذه الحدة هي ما يميز المسرحية والنص.. اثناء العرض وفي بعض المقاطع الساخرة (والتي كانت لتثير الضحك الكثير في مسرحيات اخرى) لاحظت ان جمهور الحظور يمتنع عن الضحك.. وجلا من جدية الحدث؟ احتراما لعذابات الضحايا ؟ شعور بالذنب ؟ كل هذا معا؟
مقتطفات

اوكلاهوما "لم يكن فيها غيرالعشب المحني بالريح والغيوم المتحركة بمستوى التلال. وذات يوم كانت هناك غيمة اخرى، من التراب، رتل العربات. لم تكونوا قد ولدتم بعد" .. صور كثيفة وايحاء قوي ليقول لنا : في البدء كان الاستعمار الاوربي لامريكا.

" جدي الثاني خرج من زورق للمهاجرين .. شخص ما قال له :اذا كنت تبحث عن عمل اذهب الى اوكلاهوما.هكذا استقرت عائلتي في اوكلاهوما لان شخص ما قال ان فيها عمل.
"عندنا صورة قديمة ولكنها صورة نخفيها عن الانظار.. انها صورة يظهر فيها جدي الثاني. انها صورة نشاهد فيها اشخاص يقفون اما زنجي . كلهم يضحكون . سوى الزنجي ذو العضو المنتصب ... انهم يضحكون على الزنجي المربوط ، المشنوق، والمقتص منه عرفيا" (مداخلة بخصوص الترجمة : الاقتصاص العرفي هي ترجمة لكلمة " لنشاج" الفرنسية وتعريبها القاموسي العربي هو "تلنيش" واصلها هو قانون لنش (قانون الاعدام من غير محاكمة قانونية يقوم به الشعب وهو قانون منسوب الى قاض امريكي بهذا الاسم).

"ها انتم ترون ، كان عندنا دائما قصص مع الصور في العائلة .


انني لااحب الجوامع ، تلك المنارات الشبيهة بصواريخ عتيقة. ندعوها : سكودات الصلوات (من صاروخ سكود).. وهناك وعلى حين غرة نشاهد جامعا ، ماذا اقول ، جامعا كرسم برج بابل، بدربزون لولبي يدور حوله كسهم ويرتفع نحو السماء. كالرسم. هل شاهدتم الرسم؟ برج بابل؟ كان جميلا. بعدها لم نعد نسمي هذا سكود. هذا الجامع لااعرف هل وجدته جميلا لانني احببته ام انني احببته لانني وجدته جميلا بحق.


في الطريق الى بغداد

كان هناك جنديا لايتكلم ، جنديا في نهاية " الهمفي"... كان يبدو كمن ينتظر سقوط المطر من السماء. خلال ايام، لم يقل شيئا، وهناك ، ونحن على ابواب بغداد ، بدأ يروي هكذا ، في الماضي كانت هذه البقعة تسمى بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا)، فيها تم اختراع الكتابة واشياء اخرى كثيرة، وهي كانت مهد الحضارات. وصمت بعدها ، وكأنه قد خفف عن نفسه لانه تجرأ وقال لنا كل ذلك ، كأنه قد افرغ ما في جعبته.


ابو غريب

انني بنت لذلك الحلم الامريكي، الحلم السيء...الحلم السيء...فكرت بصورة جدي الثاني، الزنجي ذو العضو المنتصب ، مغتصب النساء،عندها اتتنا فكرة ان نلتقط ايضا صورنا لحملها معنا الى الوطن، حملها كجوائز. لو لم نلتقط تلك الصور لما كنت الان هنا. ولما كنت سأسمى المرأة التي كانت تسحل رجلا بحبل. لكنت كطيار الاباشي ، فتاة جيدة ادت واجبها كما ينبغي. هو، الطيار، مبخر الجثث، لن يحاكمه احد، انه يبخر الجثث، هذا كل شيء. الجنرال يقود. الرئيس يأمر. انا، اسحل رجلا بحبل. اظن انني الان اعرف ماذا علي ان اعرف عن الحرب : العار


انني لااعرف الحياة الحقيقية للندي انكلاند.. انه محض خيال.. ظلام .. نهاية المسرحية.


ملاحظة: انني استند في المقتطفات على كتاب المسرحية المطبوع والذي اهداني اياه صديق بعد الخروج من العرض واثناء نقاشنا في بار المسرح حيث كان الكتاب معروضا للبيع..اما بخصوص تعليق المؤلف فقد وجدته في صحيفة سويسرية على الانترنت.

2006/10/20

امريكا .. من قراءة ابراج الى قراءة هندسية للواقع العراقي؟



فعل
جريدة الحياة تقول اليوم من مصادر موثوقة أن «الجيش الإسلامي»، يخوض، منذ يومين، محادثات سرية مع وفد أميركي في عمّان، ويشترك في جانب منها ممثلون عن جبهة «التوافق» السنّية، بالإضافة إلى زعامات عشائرية .. ( إفهم: هناك تغيرا استراتيجيا في السياسة الامريكية في العراق بخصوص المثلث السني الذي اشعلوه بحماقاتهم القاتلة)

محاولات اتصال خجلة من جانب الطرفين بدأت منذ اكثر من سنه تقريبا ويبدو انها تنضج اكثر.. كما قلت في " منطق الابواب المغلقة" فان دوائر القرار الامريكي فهمت ان العمى الايديولوجي تجاه سنة العراق قد يكلفها انكسارا استراتيجيا .. ويبدو انها قد فهمت ايضا ان منطق الابواب المغلقة سيفضي الى ابواب مكسورة .. امريكا التي زرعت الريح في "المثلث السني " بدأت تعي حجم هذا المثلث (نصف عراق محترق ) الذي ارادته صغيرا ايام قراءة الابراج ، وهي حتما لديها اشارات بأن الرياح تنذر بالتحول الى عواصف.. سأعود لوصف مسار العمى هذا في يوم اخر.


ردود فعل

امس 19 تشرين الاول 2006

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يزور المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني .. اللغة الخشبية تقول" نتحرك على كل المواقع التي تؤثر في الجانب السياسي والاجتماعي من اجل حشد التأييد والدعم وتعبئة الصفوف وايجاد مساحة وقاعدة عريضة من كل المواقع المؤثرة من اجل الضغط على القوى الارهابية التي تريد ان تعيث في الارض فسادا.. (إفهم : في سبيل وضع سقف للمفاوضة مع " بقايا الصداميين والبعثين والتكفيرين " كما يسمونهم باللغة الخشبية الجديدة .)

وزير" الأمن الوطني" العراقي (هل هناك بقية من امن وطني !!) شروان الوائلي قال أمس، أن القوات الأميركية رفضت التفاوض مع «الجيش الاسلامي في العراق» لعدم ثقتها في «أنه يُمثل الجماعات التي يدعي تمثيلها" ( إفهم : هناك مفاوضات يقوم بها الامريكيون مع الجيش الاسلامي وان الاخ غير راض او هو يحاول ان يموه بطلب من اسياده.)

نفس الوزير يقول بنفس اللغة الخشبية " يجب عدم التساهل مع أي متهم تُثبت الأدلة تقصيره وارتباطه بجماعات إرهابية وتقديمه الى المحاكمة وفقاً لقانون الارهاب، حتى وإن كان يتمتع بحصانة قانونية». وأشار الى «تقارير عن علاقة سياسيين وتنفيذيين من رجال الدولة بجهات ارهابية» .. (إفهم : انذار للساسة السنة المندمجين في اللعبة السياسية على عدم الذهاب ابعد مما ينبغي في التواصل مع المقاومة .. في انتظار الاوامر من السيد (بدون عمامة ) سام.
 

2006/10/18

غياب الحقل السياسي .. وحضور مفاتيح الجنة



الحروب الدينية هي الاشكال التي تأخذها الحروب الاهلية عندما لا يكون الحقل السياسي قد استقل بعد عن الحقل الديني

بيير بورديو


Les guerres de religion sont la forme que prennent les guerres civiles dans l’état de différenciation des
champs où le champ politique n’est pas encore différencié du champ religieux
Pierre Bourdieu

2006/10/17

الفيدرالية الان


حزب آل حكيم يطالب بفيدرالية جنوب ووسط العراق .. لا بأس.. ولكن ما هي حجتهم ؟ يقولون انها تمنع الدكتاتورية.. كيف استطاعوا تمرير هذا الخلط القسري للمعاني على هذا البعض من العراقيين الشيعة؟ اعتقد ان الاجابة على هذا السؤال لا تحتاج الى جهد كبير في زمن التأزم .. ولكن من اين جاءوا بهذه الحجة الواهية : الفيدرالية كنقيض للحكم الدكتاتوري؟ لا اظن ان صاحب عقل وفطنة يستطيع ان يقول لنا ان اقليم كردستان الفيدرالي ( وهو نموذج يطمح اليه آل حكيم ) والذي يتنازعة جلال ومسعود هو بديل للدكتاتورية.. طالما ان اهالي حلبجة وهم "رمز المعاناة الكردية" يتعرضون لنار "شرطة" اقليم كردستان بسبب من خروجهم بمظاهرة تعري مستخدمي الجرح ، فاننا امام دليل عراقي حي من ان اقليم كردستان الفيدرالي ليس مرادفا لغياب التعسف الدكتاتوري.. ففي كردستان الدكتاتورية الكبيرة قد فرخت دكتاتوريتان صغيرتان .. ترى كم دكتاتورية سيولد اقليم الوسط والجنوب "شيعستان" ؟ اترك لمخيلتكم الجواب.

لو ان عصابة آل الحكيم قالوا لنا بصراحة ان فيدرالية اقليم الوسط والجنوب سوف تساعد على توزيع "الهريسة" بشكل اكثر فعالية كنت سأكون من اول المدافعين عن مطلبهم بفيدرالية.. ذلك انه سيكون من الصعب اخلاقيا الوقوف بوجه دمقرطة الهريسة .. ولو قالوا لنا انهم يطالبون بفيدرالية الوسط والجنوب وفاءً لنضال " ارستقراطيات" النجف وكربلاء في خمسينيات القرن الماضي، لتعاطفنا مع امانتهم التاريخية .. اما وانهم ، هم الذين كانوا في سنوات الاسر الايراني يعذبون اسرى الجيش العراقي من الشيعة لكي يجندونهم ضمن فيلق بدر ، يطالبون بفيدرالية من اجل محاربة الدكتاتورية.. فهذا يدفعنا على اقل تقدير لطرح اسئلة بخصوص طريقة ادارتهم للفيدرالية المبتغاة.. اتذكر تعليق المجرم صولاغ "وزير الداخلية" السابق (وهوعضو في عصابة آل الحكيم) عندما اكتشفت اقبية تعذيب في وزارته : "لا عدد المعذبين لم يكن بالمئات وانما بالعشرات" !! عذر اقبح من ذنب.. هل فيدرالية يديرها مثل هولاء تستطيع تجنب ويلات الدكتاتورية.. شخصيا لااظن .. لانني اعتقد ان النظم السياسية هي اطارات اما من يفّعل محتوياتها فهم البشرالذين يتحركون في داخلها.

الفيدرالية نظام سياسي راقي، ولكنها كفكرة ، كتقنية حكم مجردة ليس حلا سحريا كما تدعي الخطابات التعميمية.. وفي المجتمعات التي لم تتوافر لها لا الإمكانيات ولا الوقت الكافي ولا الظروف الملائمة ، فأن الفيدرالية هي جزء من استراتيجة معقدة تتطلب شروط اخرى لاحلال السلم بين مكونات هذة المجتمعات.. واول ما يقتضيه هذا النموذج ، من بين الشروط الكثيرة الممكنة لتفعيله ، هو نخب سياسية تتحمل مسوؤلية فن التوافق او على الاقل ان تعرف كيف تتكلم (وهذا غير متوفر لا عند العمامة التي تقود التيار المطالب بفيدرالية الجنوب والوسط ولاعند اغلب الساسة العراقيين.

ان هذا ليس تهجما على حق الادارة الذاتية المشروع لكل مكونات الشعب العراقي بما تراه مناسبا لتحسين اماكن وظروف عيشها بدء من الدربونة ، المحلة ، المدينة ، المحافظة الخ .. ولكنها محاولة لمواجهة الحق الذي يراد به باطلا.. فعندما يقول لك مختار محلة انه يريد ان يستقل بمحلته لان حاكم المدينة جائر/ دكتاتوري .. وانت تعرف ان مختار المحلة (و الشقاوات التي تدور حوله) يعذب ابناء المحلة او سبق له ان عذبهم قبل مطالبته بالاستقلال او هو غير قادر حتى على تنظيف ازقة المحلة ، فأقل ما يمكن عمله هو تعرية هذه الكذبة.. العراقيين الشيعة لا يصلحوا ان يكونوا حقل تجارب بعد كل الذي عانوه .. وهم بحاجة الى حكماء يطببون جراحاتهم الكثيرة.. اثبتوا لهم انكم قادرون على ادارة مدينة ثم تعالوا وخذوا محافظة .. اثبتوا لهم انكم قادرون على ادارة محافظة ثم تعالوا وخذوا اقليما .. اثبتوا لنا انكم قادرون على ادارة الاقليم .. عندها تعالوا واحكموا العراق.. ولكن لنا هنا ملاحظة .. الحكم ليس معناه ثقب الرؤوس بالدريل ، ومن لايفرق بين الاثنين لن يؤخذ طلبه بالحكم بنظر الاعتبار وسيرمى في سلة المهملات.

الفيدرالية في جوهرها هي نزعة ضد الادارة المركزية وطموح مشروع بالادارة الذاتية.. وهي في المجتمعات المتنوعة ضرورة لاقامة سلم اجتماعي وثقة سياسية من اجل تفعيل المجتمع .. ولكن الفيدرالية اذا ما جندت بطريقة ضدية تكتيكيا (على المدى القصير) من اجل اقامة دويلة صغيرة فهي على المدى الطويل لن تكون رادعا امام قيام دكتاتورية صغيرة.. من يريدها حربا على الدكتاتورية في العراق فعليه بفيدرالية المحافظات .. لان فيدرالية الاقاليم لن تشكل ابدا عقبة امام الدكتاتورية.. من هنا فأن تصوير فيدرالية الاقاليم كمانع امام الدكتاتورية هو خلط قسري لمصطلحين هدفه التعويم والتعميم من اجل التنويم .. لنتذكر ان مثل هكذا خطاب تعميمي هو اسلوب حكم الانظمة الدكتاتورية كبيرة كانت ام صغيرة.

2006/10/14

صخرة طانيوس .. ثمة ماضٍ حاضر


صخرة طانيوس لـِ امين معلوف رواية رائعة.. لغة مدهشة، بناء درامي متين، عمق في تكوين الشخصيات.. انها رواية تستوحي بحسب الكاتب"بتصرف شديد قصة حقيقية".. الرواية مهداة الى "ذكرى الرجل ذي الاجنحة المتكسرة". اظن ان جبران كان سيفرح بهذا الاهداء لان مستوى التراكم الادبي المضطرد بين الجيلين كان ليطمئنه عن الممكن في المشرق على الاقل ثقافيا.


انها رواية تاريخ الضيعة ، الجبل ، لبنان ، المشرق، كل هذا معا.. " الامر يتعلق بمجتمع يحتم فيه الاحترام الشديد للنساء تجاهلهن".. ذلك ان طانيوس" كان يخاطب هذه الفتاة ويتحاشى التحديق اليها".. نعم انها رواية عن المشرق، قبل قرن ونصف، حين كان الاقطاع المتحالف مع رجال الدين يحكم : سطوة واستهتار الشيوخ ، تعصب رجال الدين، طيبة وخنوع البسطاء ، النزاعات المحلية التي لاتنتهي الخ.

وهي على مستوى اخر تسجل لتاريخ ولوج الغرب في الشرق .. اصطدام جيل جديد (طانيوس) بالافكار الجديدة (القس الانكليزي ومدرسته) ..الصراع بين القيم الجديدة (الحرية) مع القيم القديمة (الاقطاع) ، والنتيجة : صدمة ثقافية، اغتراب عن المحيط .. التمزق بين عالمين.. اجيال عربية كثيرة اختبرت كطانيوس كيف " الحلم يتحول الى كابوس ، والغضب الى غثيان .. مثال:

طانيوس : ارغب بمتابعة دراستي
ابوه : ما تعلمته يكفي صدقني، لو درست كثيرا ، لن تطيق العيش وسط اهلك. ص. 130

انها ببساطة رواية تقول لنا من اين اتي المشرق كبنى تنظيمية اجتماعية وسياسية ، وكتكوينية نفسية وهذا ليس بالقليل.

الرواية بعد ذلك حبلى بالرموز والجمل التي تحكي عن الماضي وكأنها تشير للحاضر وهذا احد اسباب كثافتها.. هنا بعض المقتطفات..عن جريمة اغتيال البطريرك :

 جريمة اقترفت على اراضي الشيخ ، على يد امين سره (الطبقة الوسطى الصاعدة) بالسلاح الذي عهد به اليه شخصيا. كان سلاحا اهداه قنصل انكلترا وقد استعمل بالضبط لاغتيال البطريرك ، احد المناوئيين للسياسة الانكليزية . ص. 184

عن مسؤولية ابناء البلد عن العنف والنزاعات التي لاتنتهي يقول القس الانكليزي :

 "للحصول على راس مجرم ، قُتل اربعة ابرياء. قال لي قحطان بك انه لم يشأ حدوث ذلك ، ولكنه لم يسع للحؤول دون حدوثه. وغدا، سوف يأتي اهالي كفريبدا ، بدافع الثار، لذبح ابرياء اخرين. ثم يتذرع هولاء واولئك، في السنوات اللاحقة بحجج مفحمة لتبرير انتقاماتهم المتتالية. لم يقل الرب للانسان: لن تقتل بدون مبرر بل قال فقط: لن تقتل". من يتحمل وزر ما حدث ؟ انه بكل تأكيد باشا مصر الذي قلب اهل الجبل ضد بعضهم البعض، ونحن كذلك بريطانيين وفرنسيين ....وكذلك العثمانيين... ولانني احببت هذا الجبل كما لو كان مسقط راسي ، فأنني ارى ان ذنب ابناء هذا البلد ، مسيحيين او دروزا، لايغتفر. ص. 285

عن المقاومة التي تحرق الغابة بعد ان استدرجت العدو الى داخلها فينتشر الحريق الى الضيعة مما يتسبب بموت خمسين من الاهالي ، وثلاثين في صفوف جنود الاحتلال :

 "هل كان الايقاع بجيش الاحتلال يسوغ الاستهتار على هذا النحو بحياة الاهالي ، وبيوتهم ، بل وغابتهم الثمينة ؟ هل كان الفرارية الشبان الخمسة عشر ابطالا ؟ ام مقاومين جريئين ؟ ام مقاتلين متهورين ؟ لاريب انهم كانوا يتحلون بكل هذة الصفات ، مقاومين مجرمين ، وابطالا غير مسؤولين عن افعالهم .ص. 152

كريستيان ماكاريان من مجلة "لوبوان" الفرنسية يقول في تعليقه الموجود على غلاف الرواية الخلفي " بقرائتنا لصخرة طانيوس ثمة شرق يقترب". ربما .. ولكن يقترب من ماذا، ممن؟ ربما للجيل الجديد من الاوربيين؟ لابأس ! هناك جمل تقول الاشياء بطرق تجعلها تغيب معاني الاشياء.. لا اظن ان الشرق كان بعيدا يوما ما عن الغرب ، والرواية تخبرنا بأن الغرب وخصوصا منذ قرنين قد " اقترب اكثر من اللزوم" من الشرق .

يقول الامير (وهو حاكم الجبل) : "لقد نعم الجبل بالامس بالازدهار حين كان السلام مستتبا حوله. ولكننا لانمتلك القرار متى تناحر الكبار". ص.262 .

لا جديد في مشرقنا .

2006/10/13

الفيدرالية .. سويسرا انموذجا


في هذه الفترة من تاريخ العراق ستحدد بعض الكلمات مستقبل العراق لاجيال قادمة. لذلك فان التعريف بالكلمات شرح معانيها ومضامينها يكتسب اهمية كبيرة بسبب الاهمية السياسية التي تضاف الى البعد المعرفي البحت. ولشرح الكلمات فان التميز بين الكلمات والاشياء، بين الكلمات ومضامينها ، بين الفيدرالية ككلمة وبين الفيدرالية كواقع هي اسلم الطرق لان الكلمات تعطي معانيها داخل اطار ما قد يحملها الكثير او يفرغها محتواها التطبيقي.


 ان اعتمادي في هذا المقال على التعريف المقارن للفيدرالية اضافة الى قراءة تطبيقية في واحدة من اهم الانظمة الفيدرالية في العالم وهي الفيدرالية السويسرية هما محاولة وصف وفهم قبل ان يكون حكما في قيمة الفيدرالية ، رغم انني واعي لاستحالة الفصل التام بين هذين المستويين في الاطار السياسي على الاقل. ان تعريف الشىء بنقيضه يحمل بعض الاحيان توضيحا اكبر للشىء المراد تعريفه وهي طريقة "تعليمية" اكثر فائدة . لذلك سابدأ بتعريف الكونفدرالية

الكونفيدرالية هي اتحاد دول ذات سيادة، أي يمتلك كل منها سيادتها المبنية على اساس تعاقدي. اما الفيدرالية فهي دولة سيادية مكونة من "دويلات" لايمتلكن سيادة. انها دولة قائمة على دستور. صحيح ان هذا الدستور تعاقدي في اصله لكن الدويلات المكونة للاتحاد الفيدرالي في حال تبنيه لايعودوا اطرافا في العقد بل يتحولوا الى رعايا لقانون مشترك اعلى. ان طبيعة العلاقة ستتحول من افقية بين اطراف متساوية في السيادة الى عامودية حيث تتخلى هذه الاطراف عن سيادتها لصالح المركز. ان السيادة هنا هي ذات طبيعة سياسية اكثر منها ادارية ذلك ان الفيدرالية هي مركزية سياسية ولكنها ايضا لامركزية ادارية اذ تتمتع الاطراف فيها بحرية ادارية كبيرة جدا في تسيير شؤونها المحلية ولكنها تترك الامور السيادية ذات الطابع السياسي العام الى المركز : مسائل الدفاع والعلاقات الخارجية مثلا . ان الفيدرالية ليست دولة مركزية لان الدستور يكفل للاطراف المكونة لها مكانة دستورية غير منقوصة

ومن اجل الابتعاد عن المفاهيم العامة والاقتراب اكثر من تجربة تاريخية اكثر تطبيقية سنتعرض هنا للمثال السويسري من الفيدرالية وهو ليس النظام الفيدرالي الوحيد ولكنه يُعد بنظر المختصيين من اهمها. تتكون الفيدرالية السويسرية من 26 مقاطعة قائمة على اساس جغرافي. ان كل مقاطعة تكون نظام سياسي مستقل نسبيا. ان مكونات هذا الاستقلال هي:

اولا. ان وجود المقاطعة مضمون بمعنى ان المشرع لايستطيع ان يلغي او يخلق المقاطعات كيفما شاء. ولتغيير عدد المقاطعات او ببساطة تغيير حدودها يجب ان يوافق السكان المعنيون.

ثانيا. ان المقاطعات تدير نفسها بشكل مستقل. بمعنى ان تسن لنفسها دستور، تخلق مؤسساتها، توزع سلطاتها، تحدد شروط ومضامين حقوق المواطنيين. ان القانون الفيدرالي لايشترط بهذا الخصوص سوى بعض القواعد الاساسيه التي تقتصر عمليا على فكره المساواة ومبداء الديمقراطية. ما عدا هاتيين القاعدتين فللمقاطعات كل الحق في التجديد والدليل على هذا هو الاختلافات الكبيرة بين الهندسة السياسية والحقوقية لكل منها. فنجد ان لكل مقاطعة نظامها التعليمي والضريبي والقضائي الخاص بها.

ثالثا ان المقاطعات تختار بصورة حرة سلطاتها ،كل سلطاتها الحكومية. بمعنى ان الحكومة الفيدرالية لاتفرض عليهم ممثليها كالمحافظ مثلا ولا تتدخل في اختيار نوابهم الى المجلس التشريعي الفيدرالي، ولا تستطيع حل برلماناتهم اوتقيل حكوماتهم.

رابعا ان المقاطعات غير خاضعة للمراقبة السياسية. ولكن هناك تدقيق في شرعيه افعال المقاطعات لانه بدون هذا التدقيق فان وحده البلاد قد تُهدد. ذلك ان القانون الفيدرالي سوف لن يفيد بشيء اذا وضع حيز التنفيذ في مقاطعات بواسطة قوانين تطبيقية او قرارات او احكام متضادة. لذلك فان الحكومه الفيدرالية قد وضعت نظاماً للتدقيق. مثلا ان دساتير المقاطعات تخضع لموافقة المجلس التشريعي الفيدرالي، وبعض القوانين تخضع لموافقة الحكومة الفيدرالية واغلب الاحكام والقرارات تقبل الاستئناف في المحكمة الفيدرالية. ومع ذلك فان هذا التدقيق يختلف عن المراقبة الجارية في الانظمة المركزية لانه ينطبق فقط على شرعية القوانيين وليس على الظرفية . بمعنى ان الحكومة الفيدرالية لا تستطيع على سبيل المثال ان ترفض قانون مقاطعة ما الا اذا بدا لها انه يتعارض مع القانون الفيدرالي ولكنها من جهه اخرى لاتستطيع رفضه لانها قد تجده ببساطة سيء او غير جيد.

خامسا ان المقاطعات تتمتع بصلاحيات كبيرة. كما ذكرنا سابقا ان المقاطعات تمارس كل الحقوق الغير معطاة قانونيا للسلطة الفيدرالية مما يعني انها تتمتع بصلاحيات تشريعية واسعة جدا. الاكثر من ذلك ان تنفيذ القوانين الفيدرالية مناط بالمقاطعات. واخيرا فالمقاطعات تتولى امور العدل وبشكل خاص عندما يتعلق الامر بالقانون المدني (الاحوال الشخصية) وقانون العقوبات تحت شرط التمييز في المحكمه الفيدرالية. ومع هذه الصلاحيات الواسعة فان المقاطعات تمتلك مواردها المالية الخاصة، فهي تسن قوانينها الضريبية وتجبي ظرائبها وهي تحصل على دعم من الحكومة الفيدرالية رغم محدوديته .

ان المقاطعات تشارك بصورة متساوية في تحديد الاراده الوطنية والتعبير عنها. ان المجلس التشريعي السويسري يتكون من مجلسين(مجلس المقاطعات الذي يمثل المقاطعات والمجلس الوطني الذي يمثل الشعب) او بما يسمى بالثنائية التامة حيث يتمتع المجلسين بنفس الصلاحيات .فكل مقاطعة، صغيرة كانت ام كبيرة، لها الحق في انتخاب ممثليين اثنين في مجلس المقاطعات. ان هذه "التقسيمة" لها مخلفات كبيرة على الفعالية السياسية السويسرية. ذلك ان قبول التصويت الشعبي العام (رفيراندم) او الاقتراح الشعبي (انيسياتيف) يقتضي ليس فقط اغلبية اصوات المواطنين بل ايضا اغلبية اصوات المقاطعات لقبول أي منهما. ان ذلك يعطينا فكرة عن القوة السياسية التي تتمتع بها المقاطعات وخصوصا الصغيرة منها. ان المقاطعات تشارك ايضا باشكال اخرى في القرار السياسي على المستوى الفيدرالي. اذ تمتلك المقاطعات حق تقديم اقتراحات للمجلس التشريعي، وهي تُستشار في كل ما يخص القوانين الفيدراليه قيد الدراسة، وعليهم ان يدلوا برأيهم قبل ان تتخذ سلطة فيدرالية ما بعض القرارات مثلا الموافقة على مكان بناء موقع نووي. كذلك فأن المقاطعات لها من يمثلها في لجان الخبراء التي تشكلها عادة الحكومة الفيدرالية.

ومع ذلك فيجب ان يقال ان الفيدرالية السويسرية لا تعطي مقاطعاتها سلطة سياسية بقدر تلك التي يعطيها الاتحاد الاوربي للدول الاعضاء او المانيا الاتحادية لمقاطعاتها حيث ان قرارات الحكومة المركزية في الحالتين الاخيرتين تعتمد مباشرة على موافقة الدول الاعضاء في الاتحاد الاوربي وعلى المقاطعات في حالة المانيا. والاكثر من هذا فأن القرارات في بعض الحقول يجب ان تتخذ باغلبية مطلقة او بأغلبية مؤهلة مما يخلق احيانا صعوبات كبيره في اتخاذ القرارات. ما يعني ان قرارات المقاطعات في نظام فدرالي ما قد يخلق فخاخ يصعب الخروج منها.

في سويسرا لاتوجد مثل هكذا فخاخ لان حكومات المقاطعات لاتشارك مباشرة باتخاذ القرارات على المستوى الفيدرالي وهم لايعملون بشرط الاغلبية المطلقة. ومع ذلك فهناك نوع من هذا الفخ في النظام الفيدرالي السويسري يؤدي الى نتائج لاترضي الجميع. ان المقاطعات السويسريه تختلف اختلافا كبيرا في اهميتها السكانية والاقتصادية مما يعني انه في حالة التصويت الدستوري فأن غالبية المقاطعات (وهو شرط قبول التصويت ـ الريفيراندم) لا تمثل بالضرورة اغلبية الشعب السويسري. وبهذا فأن غالبية ضئيلة نسبيا على مستوى المقاطعات تستطيع عرقلة حل تريده اغلبية الشعب. ان هذه النقطة تثيير مناقشات كثيرة في الوسط السياسي والاكاديمي والشعبي في سويسرا وهي لم تُحل بعد.

لكن علينا ان نعرف ان شرط اغلبية المقاطعات هذا يشكل تاريخيا حلآ سلميا وضمانا لحقوق الاقلية. ذلك ان الدولة الفيدرالية السويسرية الحديثة كانت قد تشكلت بعد انهيار الكونفدرالية القديمة ونشوب حرب اهلية قصيرة استمرت 26 يوما واحدثت اكثر من مئه قتيل، بين الراديكالين البروتستانت سكان المقاطعات الكبرى الداعين الى مركزية اكبر والمحافظين الكاثوليك سكان المقاطعات الصغيرة المدافعين عن الكونفدرالية التي تحفظ استقلاليتهم. لكن البروتستانت ورغم انتصارهم وتحت تأثير تجربة الحرب كانوا مستعدين لتقاسم السلطة مع الكاثوليك واعطاهم بعض التنازلات. ومن اكبر هذه التنازلات هو شرط اغلبية المقاطعات الى جانب اغلبية الشعب في التصويت الدستوري . ان هذا الشرط طمئن المقاطعات الصغيرة كأقلية عددية ومكنهم كاغلبية مقاطعاتية من ان يكونوا كابحا امام كل محاولة لمركزية اكبر تفرضها الاغلبية الشعبية. ثقافة التنازلات التوافقية هذه هي ما يميز الثقافة السياسية السويسرية منذ نشؤها وحتى الان . ان شهرة الفيدرالية السويسرية كنظام سياسي لم تأتي من فرادة موسساتها السياسية التي تاثرت في اغلبها بالمؤسسات الامريكية وخصوصا الفرنسية بعد تدخل نابليون، ولكنها تكمن في البراغماتية السياسية التي انتجت النظام السياسي الاكثر استقرارا في العالم.


اعتمدت في اعدادي لهذا المقال على كتاب هانزبيتر كريزي ، " النظام السياسي السويسري " ،دار نشر ايكونوميكا ، 1998

H. KRIESI , Le Système Politique Suisse, Economica, 1998.

2006/10/12

في زمن العمائم .. تسقط الكثير من العقول

العراق يواجه نزيف عقول كبير

قال يان ايجلاند نائب الامين العام للامم المتحدة يوم الاربعاء ان أكثر من الف عراقي يفرون من ديارهم كل يوم بسبب اعمال العنف والقتل بدافع الانتقام التي "خرجت تماما عن السيطرة.. وأضاف ايجلاند اكبر مسؤول عن الشؤون الانسانية بالمنظمة في مؤتمر صحفي أن العنف الطائفي والعمليات العسكرية اجبرت أكثر من 315 الف على الفرار من ديارهم في الاشهر الثمانية الماضية.. وقال ان "نحو تسعة الاف ينزحون كل اسبوع.. والاسوأ ان نحو مئة شخص يقتلون كل يوم..وتابع أن العنف مرتبط بعمليات قتل طائفية اذ يضطر السنة للفرار من المناطق الشيعية ويضطر الشيعة للفرار من معاقل السنة.. ومضى يقول "القتل بدافع الانتقام يبدو انه خرج تماما عن نطاق السيطرة الان.. وأغلب القتلى قتلوا بطلقات نارية أو بالتعذيب حتى الموت.. وناشد ايجلاند منسق عمليات الاغاثة الطارئة بالامم المتحدة القيادات العرقية والثقافية رؤية ان ذلك "تصاعد حتى خرج عن نطاق السيطرة تماما... ويتعين ان يتوقف.. وقال ايجلاند ان ما بين 1.2 و1.5 مليون عراقي لجأوا الى الدول المجاورة ويعبر نحو الفي عراقي الحدود يوميا الى سوريا.

وتابع أن أغلب النازحين من المتعلمين تعليما عاليا مثل الاطباء مما يترك البلاد تواجه نزيف عقول كبير . وقال "يقدر البعض أن الجامعات والمستشفيات فقدت نحو80 بالمئة من طواقمها. وغادر نحو ثلث الحرفيين البلاد كذلك.
المصدر :  رويترز

2006/10/09

منطق الابواب المغلقة

ان الكيفية التي يتم فيها الحوار.. اي طريقة الحوار نبرته ومفرداته .. هي مكون اساسي لمحتوى الحوار .. و نجاح أي حوار مرهون بتوفر عنصر الكيفية التي تسيره.. لست بحاجة هنا الى استعارة مصطلحات فتاكة من علم اللغة لكي اقوي حجتي وادحر القارىء المسحوق اصلا .. ساكتفي بالقول بان أي انسان بسيط سيقول لنا بالتجربة ان الكلمات تجرح وهي في بعض طرق قولها مدمرة .. وهذا ما يمكن تسميته بالعنف الرمزي.


لقد صاحب العنف الرمزي خطط الاقصاء منذ بدايه الاحتلال وهو قد ساهم بشكل كبير في زرع الشكوك والخوف لدى شريحة من العراقيين وبالتالي في تأجيج العنف.. ان انزلاق الكثير من السنة الى العنف قد جاء نتيجة انزلاق مفاهيمي ضُمّن في سياسة العنف الرمزي، حوّل السنة كل السنة الى صداميين يجب الانتقام منهم اولا وتهميشهم اخيرا .. ان العقلية الاستشراقية لصناع القرار الامريكي ومن خلال هكذا انزلاق مفاهيمي تجريمي هي المسؤولة عن تحويل شوارع العراق الى ملعب للسيارات المفخخة.


لقد فهمت بعض مراكز صناعة القرار الامريكي متأخرة ان هذا العمى الايديولوجي قد يكلفهم انكسارا ستراتيجيا .. اما بعض ساسة العراق الجدد الذين واكبوا وشجعوا هذا العمى الايديولوجي في سبيل التمثيل السياسي فيبدوا انهم لم يستوعبوا درس العمى الايديولوجي بعد وهم مستمرين في لعب ادوار تجار الجرح.. لقد دفع العراقيون خلال السنوات الاخيرة ثمن بقايا ثقافة الاقصاء ، والخوف كل الخوف هو ان يظل العراق يدفع لسنوات اخرى ثمن العنف الرمزي المتضمن في تصريحات تجار الجرح المؤججه للشكوك والمؤسسة للعنف.. لقد ادعى الكثير من هولاء محاربة التمييز الطائفي الذي ساد في الفترة السابقة وهاهم الآن يستغلونه ابشع استغلال.

فوضى السنوات الثلاث الاخيرة تقول لنا بأن "منطق" الابواب المغلقة يؤدي حتميا الى "ديالكتيك" الابواب المكسورة . 

2006/10/02

دفاعا عن الحياة لا عن الخندق


الناس البسطاء في العراق من البصرة مرورا بالفلوجة وحتى حلبجة لايفكرون ايديولوجيا.. وهم في البصرة كما في الفلوجة لو استطاعوا لخرجوا في مظاهرات كما فعل اهالي حلبجة في وجه الاستخدام السياسي للجرح : اعطني ماء لاصنع عجينة خبزي ، اعطني حزمة ضوء فابنتي تخاف الظلمه وشارعا خال من المليشيات.. اكتب هذا وانا افكر في قصة اتفاق بين عراقي شيعي تم تهديده في الكرمه ( قرب الفلوجة) وعراقي سني تم تهديده في منطقة الشعلة/بغداد لتبادل بيتيهما موقتا .. وهي قصة رواها لي ابن عم احدهما.

نحن هنا امام "استراتيجية" حياة بسيطة وفعالة عمليا ودليل مرونة العراقي الذي نحب .. اعترف انها لاتؤثر في الواقع كما تؤثر فيه المفخخات وفرق الموت .. ليس لانها قصة ضعيفة رمزيا .. ولكن لانها غير مسموعة مقارنة بافعال وبتصريحات المأزومين.. وهي تُرينا حقل الممكن في عراق الاصطفافات.. نعم هناك حاليا اصطفاف طائفي اكبر مما كان عليه قبل ثلاثة سنوات .. لماذا ؟ لان الاصوات المأزومة الصارخة بالقتل والانفجارات تصرخ بأسم الاغلبية المسالمة.

قد لانستطيع فعل الكثير في ظل الظروف السائدة التي لاتترك لنا الكثير.. ولكن ما تتركه لنا ليس بقليل: عدم التخندق.. قصة هذين الشخصين هي معركة الحياة ضد الخندق.. اذا كان ولابد من الانحياز او الاصطفاف فانا افضل ان انحاز للحياة لا للخندق .. خصوصا اذا عرفت بأن الخنادق مفخخة .. ان عدم الاصطفاف طائفيا هو انحياز للعراق.

اعرف ان هناك الان في ديمقراطية الموت ،وفي اللحظة التي اكتب فيها، "دريلات"جبانة تدنس الرؤوس.. ولكن في اللحظة التي نترك فيها لقصص الخوف ان تفبرك تصورات الناس فاننا نسهل اكثر عملية استيلاءهم على العراق والعراقيين.. ان الاصطفافات الطائفية هي خوف قبل كل شيء.

أن القتلة هم ذوات ضعيفة وخائفة.. ان الضعيف يقتل لكي يقنع نفسه بقوته .. والخائف يقتل لكي يطمئن.. من هنا فأن فضح القاتل هو جزء من عملية تحييده اجتماعيا .. على الاقل امام من يظنوه مدافعا عنهم، وهذا ليس بالشيء القليل..ان خمسة اشخاص يمكنهم تدمير عمل وارادة خمسين الف شخص .. ليس لانهم يلجئون الى اساليب عنيفة .. ولكن لان الخمسة يصرخون بكرههم بينما الاغلبية صامته.