2006/12/10

PowerPoint وشاي ابو الهيل وتمر

قرأت االبارحة مقالة لامريكي من اصل يهودي عراقي .. دلني عليها زياد (مدون عراقي) خلال نقاشنا في حقل التعليقات بخصوص مقالتي السابقة .. مقالة رائعة جدا، تحكي قصة محاولة استيراد تمر عراقي الى امريكا .. اكتشفت من خلال قراءتي لقصة راكوفيتز ان اصل تمر كاليفورنيا هو عراقي وهو حصيلة خلط فسائل اربعة اصناف من التمر العراقي .. هذه المعلومة الجديدة ذكرتني بحادثة " تمر" اخرى عشتها هنا في سويسرا.

قبل اربع سنوات دعتني زميلة جامعة سويسرية الى تقديم عرض /محاضرة عن العراق .. زميلتي كانت مكلفة من قبل منظمة تعنى بالمعاقين الشباب الى اعداد برنامج ثقافي ترفيهي/ تعليمي لهذا النوع من الجمهور.. وكانت لديها فكرة تقديم خمسة عشر بلدا كعينة تمثل قارات وثقافات العالم .. على ان يقدم هذه البلدان اشخاص من تلك البلدان .. وسألتني ان كنت مستعدا للمشاركة وتقديم العراق في هذه الفعالية .. لكي تضيف العراق الى لائحة تلك البلدان .. وانا لا افوت فرصة للحديث عن العراق .. فوافقت ولكن وبصراحة كنت وقتها خائفا امام هذا النوع من الجمهور الذي يتطلب منك عناية وجهدا اكبر .. كان من ضمن البرنامج ان نجلب شئ للتذوق مصدره البلد الذي نمثله .. شيء يؤكل او يُشرب لكي يتذوقه الحضور ولكي يكون البلد حاضرا حضور "مادي" .. قدمت بلا تردد عرضا بالصور من خلال برنامج "باور بوينت" .. و اخترت .. وبقليل من التردد .. ان اعد لهم شاي عراقي .. شاي ابو الهيل.

النتيجة كانت مرضية للحضور الذي اعجبه طعم الشاي العراقي وطريقة العرض بالصور.. زميلتي قالت لي فيما بعد انني كنت الوحيد من بين المحاضرين الذي استخدم العرض بالصور من خلال سلايدات برنامج "باور بوينت" وهذا قد اعجب الحضور كثيرا .. لم اشك في قدرة هذا البرنامج على مخيلة هذا النوع من الجمهور ولذلك اخترته .. ولكنني كنت اخاف ان لايعجبهم طعم شاي ابو الهيل القادم من كوكب اخر.. ولكنهم احبوه .. مفاجأة رائعة .. وهذا افرحني اكثر من اعجابهم بطريقة العرض ببرنامج باور بوينت "الامريكي".. لم اكن مستعدا لخسارة اخرى امام امريكا و"برامجها" .. كنت ابحث عن التعادل على اقل تقدير في هذه المواجهة الرمزية .. في ذلك الوقت كان الحصار الامريكي يقتل اطفال العراق واردت الانتقام رمزيا .. التعادل كان انتصارا للعراق .. ان لايخسر شاي ابو الهيل امام باور بوينت .. مجرد انه لم يخسر .. كان انتصارا.

قبل سنتين اعادت المنظمة المذكورة نفس البرنامج الثقافي .. وزميلتي لم تكن مشرفة على النشاط هذه المرة .. ورغم انهم غيروا لائحة البلدان ولكنهم احتفظوا باسم العراق ضمن البرنامج .. فرحت كثيرا لذلك .. دليل اخر على انتصار العراق الرمزي .. في زمن الخسارة الاكثر مرارة .. قدمت نفس العرض تقريبا ..وأضفت شيئين جديدين في محاضرتي .. موسيقى منير بشير للاستماع .. كنت قد سمعت ان موسيقى منير بشير تستخدم في مستشفيات كوبا ( وكوبا متطورة جدا في مجال الطب) كنوع من العلاج لتهدئة الاعصاب .. فقلت لاجرب العود العراقي لتهدئة اعصاب هذا الحضور المتعب الأعصاب قليلا .. صوت عود منير بشير في قاعة شبه معتمة .. سكينة .. نجح العود العراقي في الاختبار.. ولكنني فشلت فشلا ذريعا في اختبار اخر .. جلبت معي هذة المرة .. تمر للتذوق .. السوق السويسري لا يحوي تمر العراق .. ولذلك كنت مجبرا على شراء تمر ظننت انه تونسي عندما اخذته على عجل من سوق قريب لمكان إلقاء المحاضرة .. التمر التونسي له حضور حلو وكبير في سويسرا .. التمر الذي اخترته كان قريب جدا لشكل التمر العراقي .. وهو مغلف بصورة جذابة ولهذا سحبته بقوة .. دفعت المبلغ سعيدا .. وخرجت مسرعا.. ولكن .. التمر الذي جلبته لم يعجب الحضور .. أحزنني ذلك .. محزنة خسارة التمر امام "باور بوينت .

بعد فترة مررت بنفس السوق .. وشاهدت التمر الذي خسر امام باور بوينت .. وعندما تفحصت جوانب غلافه بدقة وجدت ان مصدره كاليفورنيا .. ازعجني هذا الاكتشاف في البداية .. كيف ارتكبت تلك الخيانة البلهاء .. "تمر العدو" في محاضرة عن العراق الذي يخنقون .. اردت لها ان تكون مواجهة رمزية مع العدو .. بعد ذلك قلت لنفسي مبررا.. وعلى طريقة الخونة الفاشلين عندما يبررون .. كان تمرا امريكيا لذلك فشل في الاختبار .. واحتفظت بابتسامة عريضة .. وخرجت من السوق.

بالامس فقط عرفت من قرأتي لمقالة راكوفيتز ان تمر كاليفورنيا هذا هو في الاصل تهجين لاربعة فسائل عراقية مشهورة : البرحي والزهدي والخضراوي والحلاوي.. ترى هل لهذا السبب ادهشني تمر كاليفورنيا الذي اشتريته لمحاضرتي انذاك .. محاولة الامريكي بخلق نوع تمر افضل من التمر العراقي .. هي محاولة تثير الاعجاب .. وهي قد خلقت فصيلة اكثر مقاومة للزمن .. ضرورة تجارية مهمة للامريكي .. ولكنها فشلت في منافسة حلاوة ومذاق التمر العراقي .. نسوا ان من يسقي النخل في العراق هما دجلة والفرات .. وهما حين يلتقيان في القرنة/ موقع جنة عدن كما يعتقد العراقيون .. ينتجان تمر من الجنة .. تمر البصرة.

يفشل الامريكي عندما لايفهم تلك الحقيقة البسيطة .. تمور كانت ام اوطان .. " مكونات الارض الاصلية" هي من تعطي الارض قيمتها و مذاق ثمارها .. في التمر كما في السياسة .. تفشل امريكا امام العراق .

هناك تعليقان (2):

  1. Beauuutiful article,, i Loved ev piece of it..
    it filled me with a cheerfulness,, i dont know is it because of your excellent choice(Chai abo el hel + Bashir music)or the Date incident.. or the wonderful feelings of victory and loss.. i dont know.. reaaaly beautiful..
    My freind, u have made my day..
    Ohayee Iraqeytak .. ( i salute yr iraqisism !!)..
    ashat eedak..

    ردحذف
  2. Great story. You are right about the California dates. All the Americans who tried the Iraqi dates from Hilla at Rakowitz' store said they taste much better and differently than the Californian ones. Maybe it's the Iraqi sun or the Iraqi soil. I don't know.

    By the way, I finally found some good tea here in New York. It's Al-Ghazalain, which is much better than the Lipton tea I've been using over the last few months.

    Cheers!

    ردحذف