2008/03/25

توماس جفرسون في الفلوجة


مقالة سادرسان راغافان في الواشنطن بوست عن حال الفلوجة اليوم تستحق القراءة .. هي تصور الطريقة العنيفة التي تدار بها مدينة الفلوجة من قبل الزوبعي قائد شرطتها .. الصحفي يستعين بالزوبعي وهو ضابط سابق في الحرس الجمهوري ليقول لنا ما يحتاجه المجتمع العراقي الذي لايحترم الا لغة القوة ويفسر الرحمة على انها ضعف .. يقول الصحافي مستندا الى منطق مدير شرطة الفلوجة : بما ان الرجال في عراق اليوم يحرقون البشر احياء فان الاساليب العنيفة في الادارة ضرورية لحفظ النظام والامن.



أن قصة الزوبعي في الفلوجة كما يقول الصحافي تعطي فكرة عن العراق بعد خمس سنوات احتلال .. وبما ان هناك في الكوكب الامريكي من لازال يصدق المبررات الامريكية الرسمية لاحتلال العراق .. فاننا نسمع الصحافي يقول ان "المُثل" الامريكية التي كانت من ضمن مبررات غزو العراق كالديمقراطية وحقوق الانسان تترك المجال اليوم لقيم نابعة من الموروث العراقي والثقافة البدوية مثل قيم الاحترام والخوف والعنف .. خلاصة هذا الطرح الثقافوي هو رمي مسؤولية الكارثة الحالية على القيم العراقية التي تُحتم العنف كوسيلة حكم .. وبهذه الطريقة الفهلوية يستل الصحفي "الارنب" الامريكي من قبعة المسؤولية .. وهنا يتدخل الضابط الامريكي ويقول للصحفي كلمة الختام : " لايوجد هنا شخص مثل توماس جفرسون" .


مثل تلك الحجج الثقافوية فعالة فقط لانها تُغيّب المسار التاريخي لبناء الدول والمجتمعات .. نستطيع ان نذهب الى عصر توماس جفرسون ونرى مقدار العنف الامريكي انذاك على مستوى الافراد كما على مستوى "الدولة" الامريكية التي قتلت عشرين مليون هندي احمر.. ولكن بما انني اريد ان اركز على نقطة اخرى فانني اكتفي بالقول ان امريكا ايضا كانت حتى وقت قريب "ارض يحرق فيها البشر احياء" .. وهذا كان يحصل في شيكاغو العشرينات وميسيسيبي الستينات من القرن العشرين تحت ما يعرف بقوانين لينش ، اي القتل او الحرق الغوغائي للسود .. ومن يريد ان يشاهد حفلات القتل والحرق البشري االامريكية يستطيع ان يزور موقع جيمس الن المختص بالموضوع .


القتل الغوغائي لايعرف حدود ثقافية والامثلة كثيرة من فرنسا الى المانيا مرورا بجنوب افريقيا والمكسيك وانتهاء بالهند والصين .. العنف الغوغائي لغة كونية حين يهيمن الخوف ويغيب الاطار القانوني الرادع والمنظم للصراع الموجود في كل مجتمع .. وهذا ليس تبريرا للعنف الحاصل في العراق ولكن فقط لدحض تحليل الصحافي الذي يُرجع العنف الحاصل اليوم في العراق فقط الى عوامل الثقافة العراقية او قيم البداوة العربية .. كل الثقافات قتلت وتقتل تحت ظرفية ما .. والامريكي اليوم اخر من يعطي دروسا في التحضّر لأنه المسؤول الاكبر عن العنف الحاصل اليوم في العراق وهذا ما لا يقوله الصحفي .


ولكنني سأتوقف عند جملة الضابط الامريكي حين يقول "لايوجد هنا شخص مثل توماس جفرسون".. وساحاول ان اعيد تكوين الجملة : ترى ماذا لو كان توماس جفرسون في العراق اليوم .. فكرة فنطازية .. ولكن لما لا .. سادفع هذه الفكرة الفنطازية الى حدودها القصوى علها تظهر لنا ما تخفية الافكار والصور النمطية .. انا سأتخيل "الشيخ" توماس في الفلوجة حتى .. بل انني ساتخيله مرتديا الدشداشة والكوفية الحمراء !! قليل من الخيال لا يضر.


لوكان توماس جفرسون في الفلوجة فأظن ، ولست متأكدا، انه كان سيعجب بشيئين ...اولا كان سيعجب بالتنظيم العشائري لسكان الفلوجة وهو حتما كان سيعكف على دراسة التنظيم العشائري فيها .. فتوماس جفرسون تاريخيا كان معجبا بالتنظيم العشائري للهنود الحمر وهو كان يحسدهم على سعادتهم الناتجة عن نمط حياتهم المتكافل .. ثانيا هو سيكون سعيدا في الفلوجة لانه سيجد فيها ألذ "كباب" في العراق !! فالمعروف عن جفرسون حبه الخرافي للطعام حتى ان البعض كان يؤاخذه على شراهته امام الطعام .


وبجدية اكبر .. لو كان توماس جفرسون في الفلوجة فأظن انه كان سينزعج من شيئين .. اولا كان سينزعج لان الفلوجة ليس فيها عبيد !! فبالرغم من ان هذا "الاب المؤسس" للديمقراطية الامريكية قد جعل من الحرية ام الحقوق .. ورغم انه دعى الى الغاء الرق والعبودية .. الا انه كان يستخدم حتى نهاية حياته العديد من العبيد السود في مزرعته ( مفهوم العدالة في امريكا كان دائما مفهوم نسبي عندما يتعلق الامر بالمصالح وجفرسون ليس استثناء) .. وثانيا وهنا المهم، لو كان جفرسون في الفلوجة فهو سيغضب كثيرا لان الاحتلال سوف لن يُسمح له ان يطالب بالاستقلال ويدعو للتمرد على المحتل .. كما فعل حين ساهم في كتابة "اعلان استقلال الولايات الامريكية " عن التاج البريطاني في فيلادلفيا عام 1776.


الضابط الامريكي لايرى جفرسون في العراق اليوم لانه لايعرف كيف كان البريطانيين يسمون جفرسون ورفاقه الموقعين على "اعلان الاستقلال " أبان حرب الاستقلال الامريكية .. توماس جفرسون اكتسب شهرته في التاريخ الامريكي ليس لانه "فيلسوف سياسي" او مصلح .. لا، لا.. فكل افكاره السياسية مستقاة من المفكر البريطاني جون لوك ومفكري عصر التنوير .. جفرسون شهير في امريكا لانه المساهم الاكبر في كتابة "اعلان استقلال الولايات المتحدة" الذي دعى الى استقلال امريكا عن التاج البريطاني ونص اول ما نص على حق مقاومة المحتل البريطاني .. بمعنى ان مكانته متأتية من كونه مقاوم بالدرجة الاولى وليس من كونه مفكر او مصلح .. انذاك كان البريطانيون يسمون الامريكيين الداعين للاستقلال بالمتمردين .. وهذا ما لايعرفه الضابط الامريكي .


باختصار .. لو كان جفرسون في الفلوجة اليوم .. فهو حتما سيشارك في كتابة "اعلان استقلال العراق" داعيا فيه الى حق مقاومة المحتل الامريكي .. ولكنهم سيسمونه متمردا .. واولهم هذا الضابط الامريكي .. نعم .. لو كان توماس جفرسون في العراق اليوم لسموه ارهابيا .

هناك تعليقان (2):

  1. عزيزي كريم. لماذا لا تنشر ما تكتبه على نطاق أوسع؟ اعني على الأقل مواقع الإنترنت العراقية؟ فما تكتبه موزون و على مرتبة طيبة من الجودة الحرفية؟ هل فكرت بذلك؟

    ردحذف
  2. غير معرف09 أبريل, 2008

    For a very close and parallel understanding of the message of this post ( = When imperialistic history writers falsify and twist concepts calling a rightful freedom fighter for a terrorist or insurgant !) here is a lesser known film that approaches the heart of the matter that Kareem wrote about.
    Starred by a young Al Pacino.

    http://www.answers.com/topic/revolution-1985-film?cat=entertainment

    Copy And Paste

    Ramshakle1

    ردحذف