2008/04/09

حكومة من ورق



L’anarchie n’est pas l’absence de gouvernement mais c’est un gouvernement faible


الفوضى ليست غياب الحكومة ولكنها حكومة ضعيفة" .. لم اعد اذكر من هو صاحب هذه الجملة الكثيفة .. اليوم تكتمل خمس سنوات احتلال .. خمس سنوات فوضى .. في عراق الاحتلال الفوضى هي العلامة الطاغية .. في كل مكان فوضى .. في المدارس حيث عاد الملا القروسطوي .. في المستشفيات حيث يعالج الناس بأدوية فاسدة او مخصصة للحيوانات .. وفي الجامعات التي شوهتها قاعات اللطمية .. وفي الوزارات التي ما ان يسرق قسما من اقسام احداها حتى يشب فيه حريق يمحو اثار "مظلومية" مرت من هناك على عجل .. خمس سنوات احتلال .. خمس سنوات فوضى.

كل ما تلمسه يد حكومة الاحتلال يتحول الى فوضى .. واخر "لمسة" حكومية لم تشذ عن ثابت الفوضى هذا .. ما اراد لها المالكي ان تكون "صولة فرسان" .. احتفالية عرض عضلات تتزامن مع "ذكرى" خمس سنوات على "تحرير" الفوضى الخلاقة قد انتهت بأكبر صفعة تلقاها "المشروع الامريكي في العراق .. "صولة الفرسان" كشفت عن عمق الفوضى في ما يفترض ان يكون "النموذج" المؤسساتي لحكومة الاحتلال .. الجيش الذي خصصت له مليارات الدولارات (ونهبت في صفقات تسليحه مليارات) ظهر في اول اختبار له على شكل فوضى .

لقد وصل الفشل في "صولة الفرسان" الى درجة ان قائد كبير في الجيش يرفض تنفيذ الاوامر لانه يعتقد ان الحكومة غير قادرة على حمايته و حماية عائلته اذا ما هو قاتل مليشيا جيش المهدي المتنفذة امنيا .. البعض تحدث عن عصيان عسكري داخل الجيش .. المصادر الحكومية تكلمت عن الف جندي وضابط رفضوا القتال او سلموا اسلحتهم لميليشيا الصدر .. من يصدق ارقام الحكومة ؟؟ الواشنطن بوست ذكرت ان مسؤول كبير في وزارة الدفاع العراقية لم تكشف عن اسمة قال لها ان ثلاثين بالمئة من القوات العراقية قد فر من المعركة .. اما شبكة الـ "ان بي سي " الامريكية فقد قالت ان نصف عدد القوات العراقية قد فر .

فقط عندما نعرف تلك الارقام نفهم الحالة العصبية المهتزة التي ظهر فيها المالكي وعكستها هستيرية تصريحاته وتناقض قراراته .. وفقط عندما نعي خطورة تلك الفوضى التي ضربت الجيش نفهم عرض الهدنة الاول لثلاثة ايام .. ثم تمديدها بعرض هدنة اطول .. كل تلك الخطوات كانت من اجل كسب الوقت وللتغطية على التشرذم الذي ضرب الجيش .. وفقط النفوذ الايراني وقدرته على جمع خيوط الاطراف الشيعية المتصارعة كان قادرا على تدارك هذا الفشل الكارثي وانقاذ ماء الوجه .. فليس من مصلحة ايران ان يظهر شيعة السلطة بهذا المظهر القرقوزي .. الطريقة التي جمع بها ممثل خامنئي الاطراف الشيعية المتقاتلة في قم وحل الازمة خلال ساعات تنم عن قدرة هائلة في تحكم "الملا" الايراني ببيادقه .. الطريقة التي تم بها "الاتفاق" وسرعة اتمامه تبين ان مصطلح "الاحتلال الايراني" ليس تعبيرا مبالغا فيه .

فشل "صولة الفرسان" في البصرة وامام مليشيا سرقة نفط أدت الى تطور مهم في الجنوب : الحكومة اضطرت الى الاستعانة ببنادق العشائر.. وهنا نحن امام اهم مخلفات "الصولة" ميدانيا .. اغلب الاطراف في "الائتلاف" الشيعي كانت ترفض دورا امنيا للعشائر .. هم يعرفون ان اعطاء العشائر دورا امنيا سيعني اعطاء الشيخ على المدى البعيد دورا سياسيا قد ينافس العمامة .. لذلك هم رفضوا خيار الصحوات قبل هذا التاريخ .. ولكن فشل الاجهزة الامنية في البصرة قد ترك الحكومة بلا بنادق .. "الملك عاري" .. المالكي بعد عرض التشرذم الاخير لم يعد يملك اوراق كثيرة يناور بها امام مخطط الامريكي "حلول عراقية لمشاكل عراقية" الرامي الى الاعتماد على بنادق العشائر في فرض الامن .. الامريكي يريد تغير اللاعبين من اجل تغير اتجاه اللعبة .. موسم هجرة الصحوات الى الجنوب قد حل .

يبقى السؤال الاشكالية الذي سيفرض نفسه بعد اليوم بقوة : اذا كان الجيش، وهو المؤسسة التي يفترض بها ان تكون الاكثر التزاما بالنظام، على هذا المستوى من الفوضى .. واذا كان ولاء هذا الجيش ليس للحكومة وانما للميليشيات .. فأين اذا ستجد الحكومة الطاعة والولاء .. هنا نحن امام المعطى السياسي الاهم لـ "صولة الفرسان".. الضعف البنيوي للجيش قد كشف عن الخواء "المعنوي" لحكومة الاحتلال .. "صولة الفرسان" كشفت عن مرض نقص المناعة الذي يصيب عادة حكومات الاحتلال .. نقص الشرعية يؤدي الى نقص "معنوي" .. والنقص المعنوي بدوره يسبب نقص في الولاء الوطنى .. وبلا ولاء وطني، تتحول البندقية الى كتلة حديد ترمى في اول اشتباك حار .. وحكومة بلا بنادق .. هي حكومة من ورق
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق