2008/10/31

حين تدوس البغال والحمير المارة


هنا حوار عن الديمقراطية بين عبد الرحمن النقيب وشيخ من عشيرة شمر تنقله لنا المس بيل في احدى رسائلها الى ابيها بتاريخ 1921.8.21 .. سخرية النقيب لذيذة .. ولغة المس بيل، هنا كما في جميع رسائلها، مدهشة :


And since I'm telling you stories I must tell you one about the Naqib. It hangs on to what I was relating to you last week on the subject of al Damakratiyah. It was the Naqib to his huge delight - he's by every instinct an aristocrat and an autocrat if ever there was one - who gave currency to the word by announcing in the Council that Faisal should be king of a constitutional democratic state. He did this with his tongue in his cheek, you understand, in order to catch the public. The other day a Shammar shaikh up from Hail drops in to call. "Are you a Damakrati?" says the Naqib. "Wallahi, no!" says the Shammari, slightly offended. "I'm not a Magrati. What is it?" "Well" says the Naqib, enjoying himself thoroughly "I'm shaikh of the Damakratiyah, the Democrats." "I take refuge in God!" replied the shaikh, feeling he had gone wrong somewhere. "If you're the shaikh of the Magratiyah, then I must be one of them, for I'm altogether in your service. But what is it?" "Damakratiyah" says the Naqib "is equality. There's no big man and no little - all are alike and equal." With that the bewildered Shammari plumped onto solid ground. "God is my witness!" said he, seeing his tribal authority slipping from him "if that's it, I'm not a Magrati."

كلمات النقيب اليوم تكتسب طابع الكوميديا السوداء اذا ما وضعناها ضمن اطار الخراب الهائل الذي خلفته "الديمقراطية" بنسختها "البول بريمرية" .. وجملة الشيخ الشمري الاخيرة في هذا الحوار تستحق التوقف عندها : " اذا هاي هيه الديمقراطية فاني مو مغراطي" ..ورغم اختلاف الدوافع التي تجعل الشيخ يقول ما يقول فنحن هنا امام جملة نجد تنويعاتها في عراق اليوم .. فمثل هذه الجملة رددها الكثير من العراقيين الذين عاشوا مخلفات "ديمقراطية" العم سام المحمولة جوا ..الديمقراطية بنسختها "البول بريمرية" قد اضحت في مخيلة كثير من العراقيين اليوم مرادفا للفوضى ..ولسان حال العراقي اليوم يقول مقولة الشيخ : "اذا كانت هذه هي الديمقراطية فنحن لسنا بديمقراطيين" .. فعندما تُفهم المصطلحات فهم شعاراتي .. فهم ايديولوجي .. فان المصطلحات تتحول الى اسلحة دمار شامل .

الكارثة العراقية قد اعادت للكثير من الكلمات معاني غيبتها الشعارات .. ومفردة الديمقراطية واحدة من تلك الكلمات التي حمّلتها الشعارات باكثر مما تحتمل .. واستحضار المسار التاريخي لمصطلح الديمقراطية مفيد لفهم المغيب .. مصطلح "الديمقراطية" /حكم الشعب هو من اصل اغريقي .. وعلم الاجتماع السياسي قد بيّن ان الاغريق اعطونا المصطلح  السياسي ولكنهم لم يحققوا النموذج الديمقراطي .. على الاقل ليس بالمفهوم الحديث للديمقراطية .. ومفردة الديمقراطية عند فلاسفة اليونان ظلت تحمل معنى سلبي .. حتى ان افلاطون كان ينعت الديمقراطية بحكم الغوغاء/العامة "حيث تدوس البغال والحمير المارة في الشارع " بحسب تعبيره الشهير .

وهذا المعنى السلبي للديمقراطية ظل ساريا في الفكر السياسي الغربي حتى منتصف القرن التاسع عشر .. وهذا حتى عند اغلب "الاباء المؤسسين" للديمقراطية الامريكية التي تعتبر "الديمقراطية" الاولى في العصر الحديث.. الفكر السياسي الغربي كان يعتقد حتى وقت قريب ان المشاركة في الفعل السياسي او الاشتغال في الشأن العام يتطلب شروط امكانية .. واول تلك الشروط هو توفر الاكتفاء المادي الذي هو اساس لتطوير الملكات والسلوكيات الانسانية القويمة .. أي توفر ما تسمية الادبيات السياسية بـ"الفضيلة" عند المتصدي للفعل السياسي .. وهذه خصلة ليست مبذولة للجميع وخصوصا للفقراء المسحوقين بضرورات معيشتهم القاهرة .. ضمن هذا الاطار ينبغي فهم مقولة صاحب "العقد الاجتماعي" جان جاك روسو :"الفقير لا يفكر بنبل" .. وضمن هذا الاطار ايضا ينبغي فهم التصنيف الذي يقوم به ايمانويل كانط حين يفرق بين "المواطن الايجابي " القادر على اعالة نفسه وبين "المواطن السلبي" المحاصر بالفقر والفاقة .. وهو يقول لنا ان الشان السياسي او الفعل السياسي ( الانتخاب مثلا) ينبغي ان يكون من حق "المواطن الايجابي" فقط .

واذا ما وضعنا ما يقوله كانط في الاطار العراقي فهو يعنى ما يلي : بين تهديد المليشيات له بفقدان الحصة التموينية اذا لم يصوت لها وبين الاختيار الحر الذي هو اساس الديمقراطية فان "عبد السادة" سيختار الحصة التموينية .. بين الاختيار الحر وتهديد فتوى تحريم زوجته اذا لم يختار قائمة الشمعة، فان "عبد السادة" سيختار التصويت "للشمعة" .. باختصار.. ايمانويل كانط يقول لنا ان للفعل السياسي شروط وان "عبيد السادة" المسحوقين بالفقر والجهل لا يستطيعون ممارسة الفعل السياسي بصورة صحيحة .. وان "لطميات الاصابع البنفسجية" لاتخلق ديمقراطيات .

حتى توكفيل، المفكر الفرنسي الذي هو اول من اعطى لمصطلح الديمقراطية معناه الايجابي الحديث في كتابة الشهير "الديمقراطية في امريكا" ..توكفيل ايضا يقول بضرورة توفر شروط امكانية من اجل فعل سياسي ناضج .. من هنا مقولته الشهيرة : "اضمن لي ثلاثين سنة تقاسم "ثروة" عادل وصحافة حرة، ساعطيك جمهورية".

باختصار.. هناك شروط امكانية للديمقراطية من دون توفرها كما هو الحال في النسخة "البول بريمرية" ، فان "البغال والحمير ستدوس المارة في الشارع" .. وما لم يقله افلاطون .. نستخلصة من ارسطو.. ارسطو يعتبر الخروف اغبى الحيوانات .. عندما انظرُ الى مسيرات "قطعان الغنم" التي تسمى "مليونيات" .. اصدق ارسطو : "قطعان الغنم" لا تخلق ديمقراطيات
.

2008/10/15

شخابيط بقلم "احمر" باهت


يقال انه "قيادي" شيوعي عمل في الفرات الأوسط ذات عراق .. وهو اليوم ينشر كتاب ليقوم بمراجعة نقدية لتجربته الحزبية .. تستوقفني فقرة في "مراجعة" هذا "الرفيق" جاءت ضمن مقال يستعرض كتابه هذا في الحياة : «لقد أتاحت ثورة الرابع عشر من تموز إمكانات كبيرة أمام الحزب من بينها الدعوة لإشاعة الديمقراطية في البلاد وإنهاء حكم الفرد وحال الطوارئ وإلغاء المحاكم العسكرية في البلاد وجعل هذه المهمة لها الأولوية. وكان هذا بالطبع يتطلب أن تمارس هذه الديمقراطية في صفوف الحزب الشيوعي أولاً وبعد الثورة مباشرة وذلك من طريق عقد مؤتمره وانتخاب قيادته بدلاً من اللجوء إلى أسلوب التقديمات إلى القيادة والتي أثبتت الوقائع بأنها كانت البلاء على الحزب وانعكس تأثيرها السلبي على مسيرة الشعب والحركة الوطنية»" .. انتهى

لا جديد .. نحن هنا امام نفس الاسطوانة المعروفة في "المحكية" الشيوعية العراقية والتي استخدمها حتى من كانوا "قيادات" داخل تلك "القيادات".. بمعنى شخصنة المشكلة بما يؤدي الى ان كل شيوعي يرمي بالمسؤولية على الاخر "الفوقي" .. لم لا.. جيل " نفذ ثم ناقش" يمارس اليوم " النقد والنقد الذاتي" .. خصوصا بعد ان ربط الحزب الشيوعي العراقي "مطرقته ومنجله " بمؤخرة "همر" العم سام !! من "فلتسقط الامبريالية" ايام الاحتلال البريطاني الى "فلتحيا الديمقراطية الامريكية".. الاجترار واحد .. اذهب وحاول ان تقرأ ما بين السطور لماذا كان الاحتلال في السابق "امبريالية" واليوم "ديمقراطية !



ولكن ما "يصفع" الانتباه في جملة "الرفيق" يكمن في مكان اخر .. في جملة "الرفيق" هناك شيئان اسمعهما للمرة لاولى في حياتي .. "المعلومة" الاولى هي ان عراق ما قبل "ثورة" تموز 1958 كان يعيش تحت نظام "حكم الفرد"!! اما "المعلومة" الثانية فهي ان "اشاعة الديمقراطية في البلاد" كانت من بين اولويات الحزب الشيوعي العراقي .. "ماركس ابو دشداشة" معروف بفضفاضية مصطلحاته .. وهو مشهور بقابليته على اجترار المفردات بميكانيكة يحسد عليها .. ولكن "الرفيق" هنا يذهب الى فضاءات ضحالة غير مكتشفة سابقا !! فعبارة "انهاء حكم الفرد" في جملة هذا "الرفيق" تنتمي الى ما يسمى بالمضحك المبكي .. خصوصا اذا علمنا ان "رفيقنا" هذا القادم من الفرات الاوسط لم "يتحرر" من سلطة وسياط الشيخ إلا بفضل قيام الدولة العراقية التي نهض بها رجالات الملكية .. ناهيك عن ان شوارع بغداد لم تعرف قبل الشيوعيين شعارات من مثل " ماكو زعيم إلا كريم !

مذهل ان هذا "الرفيق" ما زال وبعد كل تلك العقود يجتر "هوسات" حزبه .. ومذهل انه ما زال يغط في فهم "شعاراتي" للتاريخ العراقي مما يجعله ينعت نظام الحكم في عراق ما قبل تموز 1958 بـ "حكم الفرد" .. فـ "حكم الفرد" هو نظام انتجته الانظمة التوتاليتارية .. الفاشية منها والشيوعية .. ونموذجه الأكمل هو نظام ستالين .. وشرط الامكانية لمثل هكذا نظام هو جهاز بوليس اخطبوطي .. والعراق الملكي لم يكن يمتلك مؤسسة أمنية بهذا الحجم بسبب حداثة مؤسسات الدولة العراقية وضعف بنيتها انذاك .. ولو كان في العراق الملكي "حكم فرد" لما استطاعت كتيبة جنود احتلال قصر الرحاب وقتل العائلة المالكة !

اما "سالفة" ان الحزب الشيوعي العراقي كان يمكن ان يكون واسطة لإشاعة الديمقراطية في العراق .. فهذه و"رب الكرملين" نكتة .. هي حتى نكتة قادرة على تحريك شوارب ستالين لانه كان سيضحك لو سمعها .. خصوصا اذا علمنا ان الايديولجيا الشيوعية الرسمية انذاك كانت تعتبر الديمقراطية نظام حكم برجوازي يتعارض مع "دكتاتورية البروليتاريا" .. وهذا الرفيق "الكهفي" لا زال يعتقد حتى اليوم ان الحزب الشيوعي العراقي كان يمكن ان يكون "رسول سلام" ينشر الديمقراطية في ربوع البلاد !

مسكينة هي "البلاد" بمثل هكذا "مراجعات نقدية" .. ومساكين هم "العِباد" المبتلين بسماع وقراءة مثل هكذا ضحالات.. هل من يقول لهذا الرفيق " صح النوم" .. هل من يقول له ان كل التجارب الشيوعية في العالم لم تعرف الديمقراطية ولم تنتج غير "حكم الفرد" ..هل من يقول لتلك النرجسيات المتورمة بِذِهان مزمن ان كفى استخفافا بعقول الناس .. هل من يقول للشيوعيين العراقيين ان أفضل شيء حصل لهم هو انهم لم يستلموا السلطة في العراق!! لانهم لو كانوا قد حكموا العراق لاعطونا "ابو شوارب" أخر!! وهل من يقول لهم أخيرا ان التاريخ لا يكتبه حكواتية !