2008/06/30

قاعة امتحان .. لا ساحة حرب

اول امس اطلق حراس وزير التربية الفاقد للتربية (الادب سِز) النارعلى طلاب يؤدون امتحاناتهم النهائية في حي سبع ابكار في بغداد ..هذا الوزير عمل من دون ان يريد على تكذيب مقولة نابليون "ساحة حرب ولا قاعة امتحان" .. لسان حال الطلاب، الذين "زارهم" وزير الرصاص هذا، يقول "قاعة امتحان ( ومروحة اذا امكن) ولا ساحة حرب .. فليس كل الناس يمتلكون "عسكراوية" نابليون .. وخصوصا في عصر القتلقراطية هذا .

يوم امس كتب احد "اللطميون" يقول ان وزير التربية هذا هو بعثي سابق .. عذر اقبح من ذنب .. لا يجرؤ على مثل هكذا احتقار لعقول الناس غير اللطميين .. الوزير هو من نخب المظلومية و"المظلومين" ولكن ما ان يقترف هذا الوزير جريمة او ينهب بضعة ملايين من الدولارت حتى يتحول وبقدرة قادر الى بعثي .. السؤال الان هو لماذا يحتاج اللطمي دائما الى بعثي .. كيف حصل وبعد خمس سنوات زرف رؤوس ولازال اللطمي مستمر بلعب دور الضحية .

اعتقد اننا هنا امام احدى ميكانزمات الدفاع الفرويدية .. اليوم وقد عمت الكارثة .. اليوم وقد سقطت المظلومية في وحل الجريمة .. اليوم وقد تحول "المستضعفون في الارض" الى مختصين في ثقب الرؤوس .. اليوم وقد تحول الضحية الى جلاد .. فلابد من وهم يعوض قسوة الواقع .. لابد من واحة وهمية وسط صحراء الجريمة التي اشاعوا .. واحه وهمية يرتادها اللطمي كلما احس بوضاعة سلوكه .. بغوغائية فعله .. او بوحشية جريمته .. باختصار يرتادها حين يجد نفسه في نهاية المطاف وحيدا برفقة فشله وفشل خزعبلاته .

هناك عند اللطمي اليوم حنين الى قرون اللامسؤولية التي صاحبت دور الضحية الالفي .. ففي عقدة الضحية يكمن مشروع كسل اخلاقي هائل .. كم كان العالم بسيطا انذاك .. جلاد مغتصب للسلطة وضحية بريء .. شياطين وملائكة .. المظلومية، تلك النرجسية الهائلة التي استلقت على حافات العالم خلال قرون ونظرت له من خلال ثنائية الشرالمطلق والنقاء المطلق يزيد / الحسين، تحولت اليوم الى ظلم هائل بمجرد نزولها الى ارض الواقع التطبيقي .. المظلومية اليوم يجسدها حرامية ومجرمين وسرسرية .. مستوى السقوط الحالي لا يجاريه الا مستوى الاحتقار الألفي للعالم .

امام هكذا سقوط مدوي .. امام صحراء الجريمة الحالية .. لابد من واحة وهم يستلذ فيها اللطمي مازوخيا بلعب دور الضحية .. ولكن "تمثيلية" الضحية لاتكتمل من دون جلاد .. من هنا الحاجة الى البعثي .. ليحمل جرائم اللطميون اليوم .. من هنا قول اللطمي من ان وزير "التربية" الذي اطلق النار على طلاب مدارس هو بعثي سابق .. اذا سقط المرء اصبح لطميا !!

عندما تكذب في المرة الاولى تكون فعالية الكذبة كبيرة ..وربما منفعتها ايضا ..ولكن باستمرار الكذب تتناقص فعالية الكذب ومنافعه .. ولكن اللطميون يجهلون ذلك ..لانهم يجهلون قانون المنفعة المتناقصة .. اتذكر استاذنا في الثانوية حاملا برتقالة بيده يستخدمها كمثال لشرح هذا القانون : "عندما تأكلون برتقالة واحدة تكون المنفعة كاملة .. وبعد ذلك تتناقص المنفعة بازدياد عدد البرتقالات المسافرة في الاحشاء" .. كانت صفوفا ارحم رغم كل شيء.

2008/06/18

انهم يرفعون القاذورات

تصور انك في عام 2005 وتقرأ هذا الخبر: " شهدت بغداد يوم امس الثلاثاء انفجار بشاحنة ملغومة بالقرب من سوق مزدحمة بالناس في منطقة تسكنها اغلبية شيعية.. وقد قالت مصادر في الشرطة العراقية ان عدد القتلى قد ارتفع الى نحو 63 قتيلا" وان "أربعة اطفال وخمس نساء كانوا بين القتلى" .


تعال الان وافترض انك لم تستمر في قراءة هذا الخبر حتى نهايته.. وبعدها يُطرح عليك سؤال:"من هو المسؤول يا ترى عن هذا العمل الاجرامي ؟؟ قبل الاجابة.. تذكر اننا نتحدث عن عراق 2005.. قليل من الجهد الذهني رجاءً.. لا تستطيع.. حسناً انا ساقول لك.. لو كنت في 2005 وكنت تقرأ هذا الخبر فهناك نسبة 99,99 بالمئة من الحظ من انك ستجد نهاية الخبر تقول ان المسؤول عن هذا الفعل الاجرامي هم "جماعات مسلحة ارهابية سنية فقدت السلطة وتحاول تخريب العملية الديمقراطية".. وستختلف التسميات بعد ذلك بحسب مصدر العواء الاعلامي الذي تقرأ.. صحف اللطم والمظلومية ستكتب " بقايا النظام السابق" او احفاد من كسروا ضلع الزهراء.. اما الـ "لوس انجلس تايمز" واخواتها في مهنة عدم البحث عن المتاعب فان ارهاب"القاعدة" هي كليشة كافية وتبيع اكثر في الكوكب الامريكي.

تعال الان واقرأ خبر هذا اليوم 18. 6. 2008 كما اوردته رويترز :"ارتفع عدد القتلى في تفجير شاحنة في بغداد الى 63 قتيلا يوم الاربعاء.. وقالت الشرطة العراقية ان أربعة اطفال وخمس نساء كانوا بين القتلى في الانفجار الذي وقع يوم الثلاثاء بالقرب من سوق مزدحمة في حي الحرية الذي تقطنه أغلبية شيعية في شمال غرب بغداد.. وأصيب 75 في أعنف هجوم تشهده العاصمة العراقية في ثلاثة اشهر.. والقى الجيش الامريكي اللوم على "جماعات خاصة" وهو تعبير يدل على متشددين من الشيعة يقول الجيش الامريكي ان ايران تدعمهم.. وقال الجيش انه يعتقد ان الهجوم يهدف الى تحريض على عنف شيعي ضد السنة العرب ..انتهى

مكان الانفجار.. وسيلة التفجير.. مفردات الخبر وصياغته.. كلها اشياء خبرناها.. الشيء الوحيد الذي تغير في خبر اليوم هو ان المليشيات الشيعية حلت محل الجماعات السنية المسلحة.. ولا تتعب نفسك بالبحث عن ادلة او بالمطالبة بتحقيقات دولية.. دعه يمر..العم سام اصدر بيان.. ووكالات الانباء قد تناقلت البيان.. والصحف قد نشرت الخبر.. والرأي العام قد قرأ الخبر بعجالة.. وعاشوا عيشة سعيدة.. هكذا يتم تكوين الرأي العام .

تعال الان لنغوص في مستوى اعمق لمعنى الخبر.. الجيش الامريكي يصدر بيان يتهم فيه المليشيات الشيعية بقتل الشيعة من اجل التحريض على السنة.. هناك متضمن هائل في هذا الخبر.. نفس المصدر الذي قال لنا ان القاعدة هي من فجرت ضريح العسكري في سامراء.. يقول لنا اليوم ان جماعات خاصة من داخل طائفة الشيعة تفجر الشاحنات في اسواق الشيعة من اجل التحريض على قتل السنة.. هل ترون ما ارى.. هذا يعني استنتاجا ان العديد من تفجيرات السنوات الاخيرة والتي تمت نسبتها الى "القاعدة" كانت "اعمال داخلية" كما حصل في التفجير الاخير من اجل تشويه سمعة المقاومة واثارة الشيعة ضد السنة .

السؤال الان: اذا كانت المجموعات الشيعية تلجا الى مثل تلك الاساليب.. فما الذي يمنع فرق الموت الامريكية من اللجوء الى نفس الاسلوب.. خصوصا وان الامبراطورية اُهينت عسكريا في العراق.. والاهم ان فرق الموت هو اسلوب عمل استخدمته الامبراطورية في ساحات صراع اخرى.. اعمال فرق الموت التي ادارها نغروبونتي في امريكا الوسطى والجنوبية استخدمت نفس هذا الاسلوب من اجل تشويه سمعة المعارضين الشيوعيين لمشاريع امريكا هناك.. حدث ذلك ذات حرب تسمى "باردة" حين كان العدو هو المد الشيوعي.. ايطاليا السبعينات ايضا شهدت هذا النوع من الاعمال حين قامت المخابرات الايطالية، ويقال عملا بنصيحة "اولاد العم سام من ذوي النظارات السوداء"، بتنفيذ تفجيرات "ارهابية" في الاماكن العامة ونسبتها الى المنظمات الشيوعية تحت لافتة الارهاب الشيوعي .. وحشّنة العدو هي انجع سلاح لتحييده امام الرأي العام .

خبر اليوم يفضح مسار واسلوب عمل قذر تسبب في قتل مئات الالوف من العراقيين وهجر اكثر من اربعة ملايين عراقي من منازلهم.. وما يقوله ايضا خبر اليوم هو ان مفهوم الارهاب في القاموس الامريكي هو مفهوم "حركي".. اقتل من العراقيين ما استطعت اليه سبيلا.. لن يمسُك شيء (جرائم فيلق بدر انموذجا).. ولكن في اللحظة التي تتعرض فيها لجندي امريكي فانت ارهابي.. سرسرية جيش المهدي الذين حاولوا افراغ بغداد من السُنة وبدعم الامريكي الذي كان يريد الضغط على مقاومة السنة.. هم من يقوم اليانكي اليوم بافراغ بغداد منهم.. شخصيا ساكون اخر من يقف امام مشروع رفع "القاذورات" من بغداد.. فمن يقتل المدينة التي استقبلته مهاجرا لا يستحق العيش في تلك المدينة ولا حتى في اكوام زبالتها على الاطراف.