2009/07/28

هل تعرف البلد الذي تزهر فيه اشجار الليمون؟

في عام 1907 كان ستالين في المانيا للمشاركة في مؤتمر شيوعي للاممية الثانية عقد في شتوتغارت.. في الطريق الى المؤتمر رفض بعض الشيوعيين الالمان ركوب القطار لعدم وجود مفتش وقاطع التذاكر.. وقد منعهم هذا الالتزام الصارم بالقواعد من حضور جلسات المؤتمر الذي جاؤوا لحضوره من مسافات بعيدة.. ستالين روى تلك الحكاية بعد ذلك لـ تشرتشل مضيفا: "الالمان شعب قطيعي، يتبعون الكبش اينما ذهب".

انا شخصيا لا افهم اين تكمن القطيعية هنا.. لو كان ستالين وفيا لِلغة الشيوعيين الخشبية لقال ان احترام الالمان الصارم للقواعد هنا هو "برجوازية".. فالقطيعية هي السير"عمياوي" خلف الاخر الاعمى.. القطيعية هي ميكانيك غبي.. وما يقوم به الالمان هنا هي وقفة.. وقفة تنتفي معها الحركة.. وبلا حركة ليس هناك قطيعية.. الالمان هنا يتوقفون عن الحركة ليس لان شخص ما قال لهم توقفوا.. ليس هناك وجود للكبش او للراعي.. هناك شيء في داخلهم جعلهم يتوقفون.. الوقفة هنا دليل إعمال فكر.. إشتغال فكر.


ما لم يراه ستالين في سلوك الالمان هنا هو مسار تحول سايكولوجي في شخصياتهم.. او مايسميه عالم الاجتماع نوربرت الياس بـ"مسار التحضّر".. وهو مسار تغيُّر في العلاقة بين القيود المجتمعية الخارجية والقيود الذاتية الفردية.. عندما يلتزم فرد ما بقاعدة اجتماعية من دون رقيب خارجي فهو دليل نمو الرقيب الذاتي عند الفرد.. دليل تحضّر عند الفرد .. والمجتمعات المتحضرة هي مجتمعات انتجت عدد كبير من مثل هولاء الافراد القادرين على الالتزام بالقواعد الاجتماعية من دون رقيب خارجي.. والمجتمعات "الفاشلة" هي مجتمعات لم تستطع انتاج ما يكفي من هولاء.. الفرد في المجتمعات "الفاشلة" يحتاج دائما الى رقيب خارجي.. الى شرطي .


نوربرت الياس يعطي مثلا رائعا بخصوص الرقيب الذاتي : تصوروا طفلا يُعاقب دائما من قبل والده بسبب سلوكه السيء.. مثل هذا الطفل سيتعلم تجنب السلوك المنبوذ فقط بدافع الخوف من ابيه.. ولكن جهاز القيود الذاتية/الرادع الذاتي عند هذا الطفل سيظل قاصراً وغير كافي لحمله على تصويب نفسه بنفسه.. هو سيظل بحاجة الى تهديد الاخرين من اجل كبح جماح سلوكه السيء.. وقدرة هذا الطفل على كبح جماح سلوكه السيء كانت ستتطور بشكل اكبر لو اتبع والده سلوك اخر غير العنف، الاقناع مثلا.. مما قد يساعد الطفل تراكميا على تجنب السلوك السيء من تلقاء نفسه.


المجتمعات الفاشلة تفشل لانها لم تستطع خلق مواطن يلتزم بالقاعدة الاجتماعية من دون شرطي ..لانها لم تستخدم وسائل تربية اخرى غير العنف .. والعنف ينتج "مواطنين" يحملون جهاز رقابة ذاتيه فاشل.. بالاحرى لايحملون بالمرة جهاز رقابة ذاتية.. من هنا فعندما يغيب "الشرطي" يظهر الحرامي.. يظهر العلاس.. يظهر السرسري .


الموضة اليوم عند ديكة ثقافة اللطم وبعد الفشل الذريع للعمامة هو رمي مسؤولية الفساد الحاضر على الماضي.. "عبد السادة" فاسد لانه نتاج حكم دكتاتوري.. لم لا.. التبرير رياضتنا المفضلة.. ولكن المجتمع الالماني ايضا عاش تحت حكم الدكتاتور.. اذا ما الذي جعله ينهض بهذه السرعة من كبوة الدكتاتور؟ لأنه اجتماعيا انتج افراد يحملون جهاز رقابة ذاتية.. افراد عندما يشاهدون خطأ ما يتوقفون.. افراد يعرفون معنى المنفعة العامة.. افراد لايسرقون اجهزة المستشفيات التي وجدت لخدمتهم.. افراد لا يحرقون مدارس ابنائهم لانهم يعتبرونها ملك الدولة او النظام.. الفشل يا سادة.. او ياعبيد السادة.. الفشل مجتمعي وثقافي قبل ان يكون سياسي.. فقرون من قراءة نهج البلاغة لم تخلق فرد يحمل رقيب ذاتي .


ثقافة اللطم لا ولن تخلق فرد يحمل رقيب ذاتي.. ولا حتى بعد الف عام.. لسبب بسيط.. لانها ثقافة اسكاتولوجية قائمة على مقايضة الارضي بالسماوي.. فرد يؤمن بمُخلّص هو فرد هش لايؤمن بقدرته على الخلاص.. فرد ينتظر عودة المهدي هو فرد قاصر فكريا ونفسيا.. ومثل هكذا فرد قد يطور كل شيء الا رقيب ذاتي.. ثم لماذا نذهب بعيدا في التحليل.. اذا كان "اية الله" لم يطور رقيبه الذاتي.. والدليل انه تحول الى سمسار عقارات في لندن.. فهل يطور مسحوق رقيبه الذاتي؟

الالماني الذي يرفض ركوب القطار لان قاطع التذاكر غير موجود هو نتاج قيم معينة.. نتاج فلسفة معينة.. هذا الالماني تعلم ان نيّة الكذب.. وليس الكذب.. مجرد نيّة الكذب هي عمل غير اخلاقي.. قالوا له وظلوا يرددون على اسماعه: اذا لم تسرق فقط لانك خائف من الشرطي فانت مذنب.. انت مذنب حتى وان لم تسرق.. نيّة السرقة بحد ذاتها حتى وان لم يرافقها فعل السرقة هي عمل غير اخلاقي.. انها فلسفة اخلاق النيّة لـ ايمانويل كانط.. اين انتم من هولاء وقد جعلتم من التقية اسلوب حياة ؟

* العنوان هو مقطع من قصيدة لـ غوته .
? Kennst du das Land wo die Zitronen blühen 


2009/07/13

عودة "شارب شاي" الى كوكب الارض


قبل ايام وجه النجل الاكبر للخوئي رسالة الى نجل السيستاني .. في تلك الرسالة يستجوب نجل الخوئي نجل السيستاني عن مصير ما يسميه " العقارات والأموال المسروقة من بيت المال ومبالغها بالمليارات" .. رسالة نجل الخوئي الى نجل السيستاني لا تقول جديد .. رائحة الفساد المنبعثة من السراديب قد فاحت منذ فترة طويلة .. ما هو مهم فيها هي انها تؤكد وبشهادة شاهد من اهلها مسار تحول "اية الله" الى سمسار عقارات في لندن .. وكل عارف باسرار عالم السراديب سيفهم ان خلف رسالة نجل الخوئي تكمن عملية تصفية حسابات بين ابناء بيوتات .. ابناء بيوتات يصفون حساباتهم بسبب خمس فقراء الشيعة ..خلف كل "عركة" بين ابناء البيوتات ابحث عن المال .. الم تشتعل "معارك الجمل" بين بيوتات قريش من اجل ريع "بستان قريش" كما كانوا يسمون العراق آنذاك .

الغريب ان رسالة نجل الخوئي مرت "مرور الكرام" .. بالاحرى مرور الحرامية .. خلسة .. ربما لانها لاتحمل معلومات جديدة .. ومع ذلك فهي تحمل دلالات هائلة .. كيف حصل ان تلامذة وحفظة نهج البلاغة على هذا المستوى من الفساد .. كيف حصل ان مدرسي المبادئ والاخلاق في السراديب على هذا المستوى من الوضاعة الاخلاقية في الواقع .. هنا بعض حقائق مرة قد لايطرحها اللطمي ولكنها تطرح نفسها .. اللطمي اليوم يواجه الحقائق المرة التي رفض رؤيتها خلال قرون .. حقائق ماكيافلي تنتصر على هلاميات نهج البلاغة .

لطالما وقفت "المظلومية" الشيعية على حافات العالم توزع النصائح والعبر .. لطالما كفّرت وعهّرت .. لطالما قسمّت العالم الى ملائكة وشياطين .. لطالما استرخت نائمة في قرون الكسل الاخلاقي المكتفي بالمجردات .. ولكنها اليوم تنزل من عوالم الكسل الاخلاقي الى واقع السلطة المفعم بالتناقضات .. فهناك فرق كبير بين الاسترخاء على حافات العالم و الحكم بمثالية على العالم .. وبين النزول للواقع و العمل فيه .. هذه الحقيقة يواجهها اللطمي اليوم فقط .. واشك انه يستوعب كل ابعادها .. وهو اذا ما فعل فهو سيفهم شيء ضروري للخروج من العقلية الاسطورية اللاتاريخية وهو ان الحسين "حسين" فقط لانه لم يتسلم سلطة .. لم يمارس سلطة .

لينين وفي خضم الثورة الروسية يقول لرفيق من رفاقه كان يطالبه بالغاء حكم الاعدام : " كيف يمكننا القيام بثورة من دون فصيل اعدام" !! ورفيقه ستالين كان يقول "الثورة عمل قذر" ..لسان حال اللطمي اليوم يقول: "كيف يمكننا تشييع العراق من دون فصيل دريلات" .. المبادئ تموت امام اختبار السلطة .. وهذا ثابت تاريخي .. نقد السلطة شيء .. وممارسة السلطة شيء آخر مختلف تماما .

"صاحبنا" لينين كان يصنف رفاقه متهكما الى صنفين "شاربي الشاي" و"رجال الواقع" .. نستطيع ان نقول ان اللطمي كان طوال القرون الماضية بموقع "شارب الشاي" الذي ينظر للعالم من خلال قعر "استكان" الشاي .. يحكم على السلطة من دون ممارستها .. اللطمي كان ساكن ازلي لمقهى الماضي .. يجتر خطب وخطابات نهج البلاغة .. يدخل الماضي بعقلية المتبضع في السوق، منتقيا من احداث التاريخ ما يناسب محكيته .. ويخرج منه بغباء الشاعر الذي ينتهي من قصيدته معتقدا انه اعاد خلق العالم .

"شارب الشاي" هذا ذو اللسان الطويل والفعل القليل خرج اليوم من مقهى الماضي المترب .. خرج من "حسن عجمي" و "الشابندر" ودخل للمرة الاولى في "الحيدرخانة" .. خرج من برجه العاجي ودخل في الواقع .. خرج من ظلمة سراديب النجف وكربلاء .. ودخل في مدن تحتاج الى كهرباء وماء وشوارع خالية من"الكلاب" و السرسرية .. شارب الشاي يواجه للمرة الاولى حقائق السلطة المرة .. وبنزوله للواقع تحول "شارب الشاي" الى حرامي .

كم كانت الامور سهلة حين كان اللطمي مسترخيا على حافات العالم .. وكم بدت "السماء" قريبة آنذاك .. اهلا بكم على كوكب الارض !! لن يجروء لطمي بعد اليوم على لعب دور الضحية .. كيف وقد تحول "آية الله" الى سمسار عقارات في لندن!!