2010/03/29

من قال ان القنادر تقتل ؟




في واحد من اسوأ مقالاته، نشرته الـ نيويورك تايمز مؤخرا، ينعت انطوني شديد الثقافة العراقية بـ " ثقافة القندرة " .. وهو تعبير يستعيره شديد من احد أصدقائه العراقيين الذي يقول له : عندما "يتعارك" العراقي مع شخص اخر فهو يقول له "اضربك بالقندرة" او "احط قندرة بحلكك".. من هنا يستنتج انطوني شديد العنف العراقي.

هل يعلم انطوني شديد ان الفرنسي عندما يتعارك يقول لخصمه : " تروح، لو اكسر وجهك" .. وكسر الوجه هو اعنف بكثير من ضرب شخص بالقندرة ..هل يعني هذا التعبير المتداول في الشارع الفرنسي ان الفرنسي عنيف وغير متسامح ؟ وهل يعطينا الحق باستنتاج عنف الثقافة الفرنسية ؟ بالطبع لا، لان تعبير عنيف متداول في ثقافة ما لا ولن يكون معيارا لعنف تلك الثقافة .. ولو اخذنا ما يقوله الناس في الشارع الامريكي او الانكليزي كمعيار للثقافتين .. لحكمنا ايضا ببذاءة وعنف الثقافتين الامريكية والانكليزية .

مقال انطوني شديد يزخر بكليشات اخرى .. ولكنني ساتوقف عند اهمها .. وهي مقولة الحجاج " يا اصحاب الشقاق والنفاق" التي يوردها شديد من اجل اثبات عنف السايكولوجيا العراقية العابر للقرون .. والسؤال هو: هل ما قاله الحجاج سجعا وخطابة يمنح تلك المقولة صفة الحقيقة السوسيولوجية ؟ لنتخيل ان اسم العراق ينتهي بحرف الدال .. لنتصور ان اسم العراق انذاك هو "العراد" .. لوجب على الحجاج عندها قسر المعنى من اجل الشكل الخطابي .. ولقال الحجاج عندها صفات اخرى من مثل يا اهل الشداد والسواد او يا اهل القباد والنباد .. او اي كلمة اخرى تتناسب موسيقيا مع كلمة العراد .. اذا فمعنى الشقاق والنفاق هنا اعتباطي لانه ورد لضرورة سجعية .. من هنا فلا يمكن اعتبار مقولة الحجاج حقيقة سوسيولوجية.

تذمر الحكام من رعيتهم ونعتهم بصفات بذيئة هو شيء شائع .. من علي ابن ابي طالب (ومقولة اشباه الرجال) الى نوري السعيد (ومقولة "السبتتنك").. ومن فيليب لوبيل الى الجنرال ديغول .. كان ولازال تذمر الحاكم يأخذ شكل صفات ونعوت بذيئة بحق اتباعه او رعيته عندما يخذلوه او يشاكسوه .. ومن منظور بنيوي نستطيع ان نقول ان مقولة "الشقاق" للحجاج لاتختلف عن مقول "الجبن" للجنرال ديغول الا اسلوبيا .. لان الجوهر واحد .. البنية واحدة.

معروف عن الجنرال ديغول نفوره من الفرنسيين .. لانه كان "يحب فرنسا اكثر من الفرنسيين" كما هو معروف في فرنسا .. ديغول كان يظن ان الفرنسيين ليسوا بمستوى فكرته عن فرنسا وعظمة فرنسا .. ونفوره يعود في الاصل لفترة الاحتلال الالماني عندما تعاون اغلب الفرنسيين مع المحتل الالماني .. وعندما استلم ديغول الحكم بعد التحرير قام بتغير نظام الجمهورية من برلماني الى رئاسي .. وكان يدعوا لنظام حكم اكثر مركزية يركز السلطات في شخصه .. مما اثار تذمر الفرنسيين الذين اتهموه بالدكتاتورية .. امام هذا التذمر قال ديغول مقولته الشهيرة : كيف تحكم شعب فيه اكثر من ثلاثمئة نوع من الجبن".. بمعنى كيف تحكم شعب بهذا التشرذم والشقاق المناطقي ..هل هذا يجعل من مقولة ديغول حقيقة سوسيولوجية .. بالطبع لا .. مقولة ديغول معروفة في فرنسا ولكن لا احد يأخذها على محمل الجد .. اما عندنا فمقولة الحجاج تجتر منذ قرون وكأنها فتح معرفي.

لنكن واضحين .. الكليشات التي ترد في مقال انطوني شديد هي في الحقيقة اقوال سمعها من عراقيين والادهى من فنانين ومثقفين .. السؤال هو : كيف حصل ان تلك الكليشات الغبية مازالت تُجْتر عندنا وكانها حقائق سوسيولوجية؟ انا شخصيا لا ارى الا سببين .. الاول هو اننا ما زلنا نقرأ ونجتر "صندوق الكليشات الهائل" على الوردي صاحب مقولة الطبيعة العراقية الباثولوجية .. والسبب الثاني هو شيوع الذوقية الخطابية التي انتجت ثقافة الرؤوس الاسفنجية التي لازالت تجتر خطب قرووسطوية فقط لان فيها سجعية مخدرة لتلك الرؤوس التعبانة التي هجرها الحس النقدي .. رؤوس تلتذ بالشعر الكاذب لانه عذب .. "اعذب الشعر اكذبه" كما يقولون !!

فقط هكذا رؤوس تصدق السخافة الفكرية الكامنة في مقولة الحجاج .. وليس هناك سخافة اكبر من سخافة الاعتقاد بوجود سايكولوجية عراقية عابرة للقرون .. لن استعين بـ نوربرت الياس ونظريته عن "مسار الحضارة" لكي اقوي حجتي .. رغم ان الياس هو ضرورة فكرية لثقافة ما زالت تجتر علي الوردي .. ساكتفي بما هو اقل تجريدية .. كل من يعرف العراق المعاصر سيقول لك ان سلوكيات وسايكولوجيا عراقيو السبعينات تختلف عن سلوكيات وسايكولوجيا عراقيو نهاية التسعينات .. اذا فليس هناك سايكولوجية عراقية ثابته وعابرة للقرون .. السؤال الذي يفرض نفسه عندها هو الاتي : ما هو السبب الذي جعل عراقيو السبعينات يختلفون عن عراقيو التسعينات ؟ طرح السؤال بهذه الطريقة يغير افق الاجابة .. يجعلنا نخرج من سجن الخطب المجترة .. ويجبرنا على طرح سؤال الشروط الواجب توفرها لانتاج سايكولوجيا عراقيو السبعينات .. وبنفس الوقت مناقشة الظروف التي انتجت سايكولوجيا عراقيو التسعينات .. وبالتالي تحييد كليشة "السايكولوجيا العراقية العابرة للقرون".

العنف مشترك بشري تعرفه كل الثقافات وهو ليس حصرا بثقافة .. والعنف السياسي في العراق له اسباب جيوسياسية قبل ان تكون ثقافية ..والدولة القوية هي شرط اختفاء الفوضى .. فالدولة في الغرب قامت بفضل العنف المدجن للارادات المتصارعة .. فرنسا لم توحدها فلسفة ديكارت وانما سيوف ملوك فرنسا.. وامريكا لم توحدها افكار توماس جيفرسون وانما مدافع اليانكي .. وبهذا المعنى فان الدولة القادرة على فرض السلم الداخلي هي شرط نشؤ الحضارة والتعامل الحضاري .. الحضارة والتحضر في التعاملات البشرية هي نتاج مسار طويل وليس منحة يتم انزالها بالباراشوتات .. فخلق انسان متحضر يحتاج الى سلم ورفاه وتراكم تربوي.

لا نطلب الكثير .. اعطونا مئة عام سلم وعدم تدخل في شؤونا الداخلية لكي نبني دولتنا .. سنعطيكم عندها انسان "كوووول" رقيق يتعامل معكم بتحضر .. اما اذا "زارتنا" طائراتكم كل عشرين سنة ودمرت تراكم دولتنا الهش وبنانا التحتية .. فسيظل العراقي يستخدم القندرة بوجه من يستحقها !! فالضرب بالقنادر وان كان سلوكا عنيفا يبقى اقل عنفا بكثيييييير من ضرب الشعوب بالقنابل الفسفورية واليورانيوم المخصب .. وجورج بوش يستطيع ان يؤكد لـ انطوني شديد ان القندرة وان كانت مدمرة رمزيا .. لكنها لا تقتل !!

2010/03/15

ماذا لو ظهر المهدي اليوم ؟


الزمان : سنة 1922.. حيث كان العراق تحت الاحتلال البريطاني .. آنذاك كان البريطانيون يتحكمون بالوزارات العراقية من خلال مستشاريهم .. وخلف كل وزير عراقي كان هناك مستشار بريطاني .. المكان : مقهى بغدادي .. شخصان يتجاذبان اطراف الحديث .. الشخص الاول، مدخنا نركيلته، يقول لصاحبه : يقال ان احد الملالي تنبأ بظهور المهدي قريبا .. فيرد عليه الشخص الثاني : وما الفائدة من ذلك؟ المسيح سيظهر عندها وسيعمل مستشارا له !!

وبما ان الترجمة هي دائما خيانة للنص الاصلي .. ساضع هذه الحكاية النكتة بالانكليزي كما ترويها المس بل في احدى رسائلها الى ابيها :


I'll tell you a delicious story. There has been a good deal of chat about the position of advisors. Some of the ministers are merely stop gaps and notoriously incompetent and people not unreasonably complain that the British advisor is the seat of authority. The feeling is embodied in the following coffee shop anecdote

A. loq (over his narghilah) Men say that a certain Mulla has prophesized the immediate coming of the Mahdi
B. (grumpily) What good will that be? Christ will come too and he'll be the Advisor

And the whole town is laughing over it, we and they, in perfect appreciation of the
excellence of the joke

السخرية المتذمرة الموجودة في هذه الحكاية تكشف عن روح نكتة مدهش ..هيهات ان تسمع اليوم مثل تلك السخرية الذكية ..فنحن في زمن مقتدى الصدر .. مقتدى الذي حول سرسرية جيش المهدي الى "ممهدون" .. تصورا، علاسة وصكاكة يمهدون "للمهدي" .. بربكم أي منقذ هذا الذي يمهد له سرسرية ؟ يبدوا ان الناس في "العراق البريطاني" كانوا اذكى من الناس في "العراق الامروايراني" .. لا بل حتى المحتل انذاك كان اذكى .. فانت عندما تقارن كتابات المس بيل واسلوبها بـ كتاب بول بريمر .. ستفهم ان بريمر هو عبارة عن "ثمانين" كيلوغرام من الغباء السياسي !!

السؤال الذي تفرضه النكتة الذكية التي ترويها المس بيل هو التالي : ماذا لو ظهر المهدي اليوم ؟ صحيح ان شخصية المهدي هي شخصية اسطورية ابتدعها وكلاء الغيبة الصغرى من اجل خمط خمس الفقراء كما يقول
الباحث الشيعي احمد الكاتب .. ومع ذلك .. ماذا لو ظهر المهدي اليوم ؟ قليل من الخيال لا يضر !!

لو ظهر المهدي اليوم فانه سينزل "من السماء" بطائرة امريكية في مطار كويتي .. ومن هناك سيركب الدبابة الامريكية معلنا تحرير العراق .. ولو ظهر المهدي اليوم فانه سيستعين بـ نوح فيلدمان كمستشار قانوني من اجل كتابة الدستور .. ولو ظهر المهدي اليوم فانه سيزور البيت الابيض سرا مدعيا انه ذهب الى واشنطن من اجل اجراء عملية الجيوب الانفية !! وافراد حمايته سيكونون من البلاكووتر !! نعم، لو ظهر المهدي اليوم فانه سيشتري فيلا في لندن !!