2010/06/28

شيعة السلطة ام شيعة الثقافة ؟

نشر رشيد الخيون مؤخرا مقال يقول فيه ان " مظالم الطائفة ومظلوميتها هو امر خاص بالإسلام السَّياسي الشَّيعي لا بشيعة العراق" .. والخيون يضيف ان " السُّلطة السُّنَّية (السابقة) لا تعني سُنَّة البلاد إنما تعني شخوصها".. باختصار .. رشيد الخيون يستعين هنا بـ حسن العلوي للتمييز بين "شيعة السلطة وبين شيعة العراق".

مذهل ان من كانوا حتى وقت قريب يردحون بالمظلومية الشيعية يقولون لنا اليوم فقط ان " مظالم الطائفة ومظلوميتها هو امر خاص بالإسلام السَّياسي الشَّيعي لا بشيعة العراق ".. نفس الكتاب الذين اشاعوا مفردات "الدولة السنية" و"السلطة السنية" وبالتالي ساهموا "ثقافيا" في خلق الفوضى الطائفية الحالية .. نفس هولاء الكتاب وامام "هول الخسارة، وسوء المآل" يقولون لنا اليوم فقط ان " السُّلطة السُّنَّية السابقة لا تعني سُنَّة البلاد إنما تعني شخوصها".

السؤال هو لماذا لم يقل هولاء الكتاب الشيعة قبل عشر سنوات ما يقولونه اليوم؟ لماذا لم يقولوا في السابق ان سنة السلطة لا يمثلون سنة العراق .. لماذا لم يقولوا في السابق ان السنة في كل تاريخ العراق المعاصر لم يشكلوا كتلة سياسية موحدة .. وانهم تقاتلوا حد الدم من اجل السلطة تحت شعارات ايديولوجية متصارعة .. ولماذا لم يقولوا لنا في السابق ان ساسة الشيعة (شيعة السلطة) لا يمثلون شيعة العراق؟

والجواب هو لان هولاء لا يكتبون بدوافع معرفية بحتة ولكن بدوافع تبريرية لانتماءاتهم الضيقة .. هم اليوم يميزون بين شيعة السلطة وبين شيعة العراق ليس من اجل وصف دقيق لواقع السلطة وطابعها الانفرادي في كل زمان ومكان ..لا .. هم يميزون اليوم بين شيعة السلطة وبين شيعة العراق فقط لان من يحكم ويدمر العراق اليوم هم من الشيعة .. باختصار لان "السلطة" شيعية.. ولان سمعة الطائفة قد وصلت للحضيض بسبب فضائح رجال الدين الشيعة وساستهم.

كان ممكنا لمصير العراق ان يكون مختلفا اليوم لو ان هولاء الكتاب قالوا لنا قبل عشر سنوات ما يقولونه اليوم .. نعم كان ممكنا لمصير العراق ان يكون مختلفا اليوم لو ان هولاء الكتاب قالوا لنا قبل عشر سنوات ان "سنة السلطة" لايمثلون سنة العراق .. وكان ممكنا لمصير العراق اليوم ان يكون مختلفا لو ان هولاء الكتاب لم يتكلموا عن "طائفة سنية حاكمة" و"طائفة شيعية محكومة" .

ميرابو يقول : "هناك شخص أسوأ من الجلاد ، انه خادمه" .. نستطيع ان نقول ان هناك اشخاص اسوأ من "شيعة السلطة"، انهم "شيعة الثقافة" الذين ساهموا بنفخ جاموسة المظلومية التي قتلت العراق (حسن العلوي انموذجا) .. هولاء الخدم الذين كانوا ينامون حتى وقت قريب في خندق المظلومية الذي حفره "شيعة السلطة"(الخيون كان يكتب في صحيفة احمد الجلبي "المؤتمر" التي كانت تمولها المخابرات الامريكية !!).. هولاء الخدم يقولون لنا اليوم فقط وبعد خراب البصرة ان "مظالم الطائفة ومظلوميتها هو امر خاص بالإسلام السَّياسي الشَّيعي لا بشيعة العراق .. وان" السُّلطة السُّنَّية السابقة لا تعني سُنَّة البلاد إنما تعني شخوصها".. باختصار .. ما يعرفه العراقي العادي منذ عقود يفهمه "شيعة الثقافة" اليوم فقط !!

سادتي العرضحالجية .. لقد تأخرتم كثيرا على موعدكم مع العراق !

2010/06/17

عودة المنطق القرووسطوي



"من فرنسا اليوم لم يكن هناك في القرن الخامس سوى الانهار والغابات وخليط بشري غير متجانس لم يصبح "فرنسيا" الا بعد قرون طويلة " .. هذه الجملة هي للمؤرخ الفرنسي لافيس .. ساترك جانبا البعد الابستمولوجي فيها والذي يفرق بين الثابت الجغرافي وبين المتغير السياسي التاريخي ..باختصار شديد: سكان فرنسا القدماء لم يكن يعتبرون انفسهم فرنسيين.. وفرنسا الحالية هي مسار تدجين عنيف لخليط من البشر وفرنسته سياسيا.. وما ينطبق على فرنسا ينطبق على جميع الدول ضمن هذا المنظور النقدي للتاريخ.

ولكن ما يستوقفني في جملة المؤرخ الفرنسي هو شيء اخر .. ما يستوقفني فيها هو انها جملة غير قابلة للتطبيق على العراق اليوم ..ليس لان العراق عمره سبعة الاف سنة كما تردد المحكية الاسطورية السخيفة الشائعة عندنا والتي انتهت بقتل العراق .. لا.. ولكن لان حتى العناصر الجغرافية في العراق اليوم قد تغيرت .. فلا مزارع ارض السواد مزارع (كيف وهو اليوم يستورد الطماطة من الاردن) .. ولا انهاره انهار .. فالفرات في طريقه للجفاف بسبب السدود التركية والسورية .. ومناسيب دجلة لنفس السبب في تقلص مستمر.. خصوصا وان سوريا بدأت مؤخرا بسحب المياه من دجلة الذي يمر بها في بقعة صغير في المثلت التركي العراقي السوري.
ومقال النيويورك تايمز قبل ايام يقول ان ماء الخليج المالح بدأ يصل الى القرنة التي تقع في قمة شط العرب في نقطة التقاء نهري دجلة والفرات لقلة منسوب مياه النهرين.. والسدود الايرانية هي سبب اضافي في هذه الظاهرة .. ونسبة ملوحة شط العرب العالية في طريقها لقتل غابات النخيل والقضاء على الزراعة في البصرة .. مما يشكل كارثة بيئية مخيفة.

فما نحن فاعلون امام هذه الظاهرة التي سببها البشر؟؟ لنستمع لأراء بعض العراقيين التي ترد في مقال الـ نيويورك تايمز تعليقا على هذه الظاهرة : محمد سعدون فلاح من ابو الخصيب يقول ان "الماء من الله ولا يجب على دول الجوار حجزه" .. منطق سعدون هذا هو منطق اسماك صغيرة امام اسماك قرش .. وزير الموارد المائية العراقي يقول ان المشكلة هي "تركة النظام الدكتاتوري" .. لما لا.. هل نتوقع كلام اخر من سكنة كوكب المنطقة الخضراء .. نحن فقط بانتظار اليوم الذي سنسمع فيه من "عباقرة" المنطقة الخضراء ان ظاهرة الاحتباس الحراري هي ايضا تركة النظام الدكتاتوري !! فكل شيء جائز في عراق قاسم عطا !!

حسن علوان حمود رجل في السبعين يعيش في بيت من القصب في الاهوار القريبة من شط العرب يقول بحكمة الشيوخ ان السبب يكمن في ان "حكومتنا ضعيفة ولا تعرف غير الكلام " .. ما قل ودل .. والويل للضعفاء في عالم السياسة الدولية .. ولكن واحد من اغرب الاراء التي ترد في مقال النيويورك تايمز هو لنائب مدير الموارد المائية في البصرة رشيد ثجيل مطشر الذي يقول : "لا نستطيع شيئا امام ارادة الله" :

“We can’t control what God does,” said Rashid Thajil Mutashar, the deputy director of water resources in Basra.
من يقول هذا الكلام ليس كائنا سراديبيا ..لا،لا.. من يقول هذا الكلام هو نائب مدير الموارد المائية في البصرة !! نعم نائب مدير الموارد المائية في البصرة !!

التاريخ العراقي يكمل هنا دورة كاملة ..نعم العراق يجد هنا النقطة التي انطلق منها حديثا .. يجد الاطر الفكرية القرووسطوية التي حاولت الدولة العراقية تحرير الرعاع منها .. فما يقوله مسؤول الموارد المائية في البصرة اليوم عن ظاهرة ملوحة شط العرب ينتمي الى نفس المنطق القرووسطوي الذي كان سائدا في بدايات القرن الماضي حين كانت النجف تقرأ كتاب : "السيف البتار على الكفار الذين يقولون المطر من البخار".