2011/06/30

"كسلة" برفقة شسترتون


There are some who complain of a man for doing nothing, there are some, still more mysterious and amazing, who complain of having nothing to do. When actually presented with some beautiful blank hours or days, they will grumble at their blankness. When given the gift of loneliness, which is the gift of liberty, they will cast it away, they will destroy it deliberately with some dreadful game with cards, or a little ball … I cannot repress a shudder when I see them throwing away their hard won holidays by doing something. For my own part, l can never get enough Nothing-to-do 

2011/06/19

الشخصية العراقية .. في بُرْكة علي الوردي


امام ما يجري في مصر من غوغائية وشيوع سلوكيات البلطجة نشر عزيز الحاج مؤخرا مقال يقول فيه متسائلا :"هل تبدلت الشخصية المصرية فجأة، بعد أن كان المصري معروفا بالاعتدال بالعكس من الشخصية العراقية الموسومة بالعنف؟ أم إن الشخصية المصرية الأصلية كانت راقدة وسنحت لها اليوم فرص وظروف البروز؟" 

شيء ايجابي ان ينتقد عزيز الحاج ما يسميه بالـ"ثورية المنفلتة" في مصر.. هو القيادي الشيوعي الذي ساهم بنشر سلوكيات "ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة" في الشارع العراقي  في نهاية الخمسينات.. وشيء ايجابي ايضا ان ينتقد عزيز الحاج  "شباب الثورة" في مصر الذين يرفعون "في ميدان التحرير وبطريقة غوغائية شعار "لا بديل عن الإعدام" لحسني مبارك.. نعم شيء جيد ان يقول لنا ذلك من ساهم في نصب اعمدة المشانق في شوارع بغداد وكركوك والموصل.. ان يتعلم الناس من اخطاهم السابقة هو شيء جيد.. الى الامام "رفيق".. سر ونحن من وراءك !!

ولكن ما يستوقفني في مقال عزيز الحاج هو قوله ان "الشخصية العراقية موسومة بالعنف" وان الشخصية المصرية معتدلة.. ساضع جانبا مسألة التعميم الاعتباطي لمفردة"الشخصية" على شعب كامل.. واكتفي بملاحظة يعرفها كل طلاب المرحلة الاولى في علم الاجتماع.. وهي ان الشخصية او بالاحرى مكونات الشخصية هي نتاج مجموع الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يعيش فيها انسان ما.. وسايكولوجية شخص ما هي رهن باشباع او عدم اشباع حاجاته المتنوعة.. بمعنى ان المصري الذي يعيش في حي راقي في القاهرة يختلف في شخصيته عن مصري اخر يعيش في حي شعبي من نفس المدينة.. فما بالك بمن يعيش في العشوائيات او في الارياف.. وهناك بين فرنسي يسكن في حي راقي في باريس وامريكي يسكن في حي راقي في نيويورك مشتركات سلوكية ونفسية اكبر مما هي بين هذا الفرنسي والفرنسي الذي يعيش في اطراف باريس.. وبنفس المنطق هناك بين مصري يسكن في الزمالك وبين عراقي يسكن في حي راقي من بغداد مشتركات شخصية وسلوكية اكبر مما هي بين مصري الزمالك وبين ومصري العشوائيات.

ما الذي يجمع بين شخصية بغدادي وبين شخصية فرد قادم من خلف السدة ؟ لا شيء.. اذا فالقول بان هناك شخصية عراقية هو قول ينتمي الى العصر الحجري سوسيولوجيا.. وفقط سذاجة علي الوردي تسمح له بالكلام عن "شخصية الفرد العراقي" وعن "طبيعة المجتمع العراقي" في وقت كانت الحكومات العراقية تحاول جاهدة توحيد فسيفساء من الاثنيات والمذاهب والعشائر التي لا يجمعها سوى الارض.. ونحن اليوم نكتشف بحساب الواقع وليس بالشعارات عدم وجود هذا المجتمع او بالاحرى عدم تكونه لا فكريا ولا سايكولوجيا.. كل من يعرف المنهجية السوسيولوجية يعرف هذه الهشاشة الاصطلاحية عند علي الوردي.. وفقط مشهد ثقافي عراقي بائس يسود فيه الحكواتية والشعراء الرداحة جعل من علي الوردي صنما فكريا.

الفكرة الكليشة التي يتضمنها مقال عزيز الحاج هي فكرة نجدها عند الكثير ممن يسمونهم عندنا بالمثقفين.. وفحواها ان الشخصية العراقية عنيفة بينما الشخصية المصرية معتدلة والسبب هو ان النيل نهر متزن ولا يسلك سلوكا مفاجئا ويفيض في اوقات محددة.. اما دجلة والفرات فهما يرتفعان بدون انذار سابق وسلوكهما على الدوام مفاجئ.. مما ينتج فيضانات ومجتمع متصارع وبالتالي شخصيات عنيفة.. وهي فكرة استعارها مثقفونا من كليشة ثقافوية سخيفة لعلي الوردي في كتابة "طبيعة المجتمع العراقي".. وهذا الابتذال الثقافي اوصلنا اليوم الى درجة ان احد الفنانين العراقيين يستخدم نفس الفكرة ليفسر للصحافي الامريكي انطوني شديد العنف السائد في عراق الاحتلال.. وفي مقال نشرته الـ نيويورك تايمز قبل سنة تقريبا :

For Egypt, with its reputation for humor and revelry, the Nile was that country’s good fortune, surging waters bringing farms to the desert. The Tigris, an artist once told me, destroyed when it flooded, reckless and unpredictable as it was. It left hard personalities in its wake, delivering Iraqis their well-deserved reputation for toughness


هذا الفنان العراقي ومعه الصحفي الامريكي لا يكلفا نفسيهما عناء التذكير بان اخر فيضان لنهر دجلة  كان في بداية الخمسينات من القرن الماضي.. اي منذ اكثر من نصف قرن.. والاغلبية الساحقة من العراقيين اليوم لم يشاهدوا في حياتهم فيضانا.. فاذا كان صحيحا ان انعدام الفيضانات ينتج شخصيات معتدلة  فكان المفروض ان عراقيوا اليوم هم ملائكة !! هل ترون سخافة الفكرة وتناقضها.

وعزيزالحاج يقف اليوم حائرا امام نفس التناقض.. قال له علي الوردي ان المصري معتدل لان النيل نهر متزن.. ولكن النيل اليوم اكثر "اتزانا" لقلة مناسيبه بسبب السدود الاثيوبية !! في حين ان المصري اصبح عنيفا.. غريب .. حيرة عزيز الحاج كبيرة.. وهزيمته الفكرية اكبر.. فهو بعد ان كان يعتقد بان "الشخصية العراقية هي الشخصية الوحيدة الموسومة بالعنف".. تراه يلجأ اليوم الى تعميم هذه الكليشة على الشخصية المصرية والعربية !!

السوسيولوجيا التاريخية تقول لنا ان العنف مشترك بشري عرفته وتعرفه كل الثقاقات.. وفي ظروف تاريخية متشابهة (غياب السلطة مثلا ) كل الثقافات ارتكبت العنف.. والمصري او الليبي او الجزائري او العراقي لا يختلفون في ذلك عن الفرنسي او الروسي او الصيني او الامريكي .. وكل حديث عن شخصية عراقية او مصرية بطريقة ماهياتية غير تاريخية هو سخف فكري وتحقيري للذات.. واصرار عزيز الحاج على الاعتقاد بان هناك شخصية مصرية اوعربية عنيفة بعد ان كان يعتقد بعنف الشخصية العراقية فقط، هو استمرار بالسباحة في بركة علي الوردي الثقافوية الآسنة .