2012/08/19

ما قالته اعقاب السجائر عن الحريق


لماذا يكون أكراد العراق أكرادا فحسب بينما عرب العراق منقسمون الى شيعة وسنة؟

 من هو طارح هذا السؤال يا ترى؟ لو قيل لك ان طارح هذا السؤال هو مواطن عراقي هجّرته الحرب الطائفية.. لو قيل لك ان طارح هذا السؤال هي أُم فقدت ابنها في انفجار مفخخة.. لو قيل لك ان طارح هذا السؤال هو أب قُتل ابنه حرقا في تنور الزهراء.. لو قيل لك ان طارح هذا السؤال هي زوجة تم زرف رأس زوجها بالدريل..لو قيل لك ان طارح هذا السؤال هو انسان يتألم لرؤية بلده يُدمر بسبب معارك جَمَل قرووسطوية في عصر يُرسل العالم مركبات لدراسة كوكب المريخ..لو قيل لك ان طارح هذا السؤال هو احد هولاء لقلت: نِعْمَ السؤال ونِعْمَ المتسائل.

لكن ان تعرف ان طارح هذا السؤال كان حتى الامس القريب يتكلم عن اغلبية شيعية واقلية سنية..ان تعرف ان طارح هذا السؤال ساهم بكتابة "اعلان شيعة العراق" الذي طالب بأن ينص الدستور العراقي على أن أغلبية الشعب العراقي هي من الشيعة..ان تعرف ان طارح هذا السؤال هو بوق من ابواق المظلومية الشيعية..ان تعرف ان طارح هذا السؤال هو حسن العلوي..عندها شيء ما في داخلك..ليس غضبا.. ليس امتعاضا ..لا،لا.. ماذا اسميه؟ لا اجد الكلمة المناسبة..كيف تشعر امام شخص كان يطالب قبل سنوات بكتابة عبارة الاغلبية الشيعية في الدستور ويأتيك اليوم متسائلا: لماذا عرب العراق منقسمون الى شيعة وسنة؟ تصور مشهد عائلة يحترق بيتها ويأتي شخص ويقول لهذه العائلة المنكوبة انه سيساعدهم في اعادة بناء البيت ولكن العائلة تعرف ان هذا الشخص ساهم في اضرام النار في البيت..كيف ستشعر العائلة تجاه هذه الدناءة..اظنه الاحتقار..نعم الاحتقار هو ما ستشعر به هذه العائلة امام هكذا سفالة.

 نفس شعور الاحتقار هذا يجتاحني وانا اقرأ تساؤل حسن العلوي:لماذا عرب العراق منقسمون الى شيعة وسنة..لأنني اعرف ان حسن العلوي ساهم بكتابة "اعلان شيعة العراق" الذي طالب بـ"أن ينص الدستور العراقي على أن أغلبية الشعب العراقي هي من الشيعة"..ونفس شعور الاحتقار يجتاحني وانا اقرأ ان العلوي يسعى الى تأسيس"تكتل سياسي جديد لإخراج العراق من المذهبية ولخلق أجواء سياسية شبيهة بالتي كان العراق يعيشها خلال الحقبة الملكية التي كانت تنشط فيها أحزاب عبرطائفية".. لانني اعرف ان هذا العلوي قام في "اعلان شيعة العراق" باتهام العهد الملكي "بمنهجة النزعة الطائفية" في العراق.. شخص ينتقل بخفه البهلوان من دور البوق الطائفي الى دور الوطني..ماذا اقول.. قدرة هذا الرجل على الاستهبال ليس لها حدود. 

امام شخص بهذه الخفة والسفالة الفكرية لم يعد السؤال اليوم هو: لماذا عرب العراق منقسمون الى شيعة وسنة؟ امام شخص اتهم الدولة العراقية الحديثة بمنهجة الطائفية ينبغي طرح سؤال اخر: ترى متى اتحد عرب العراق؟ امام الابواق الطائفية التي قامت بقراءات مبتسرة للتاريخ العراقي المعاصر علينا العودة دائما للتاريخ.. فكل من يعرف التاريخ يعرف ان عرب العراق ظلوا خلال قرون طويلة منقسمين عشائريا ومناطقيا.. والشرخ المذهبي كان دائما عامل تفرقة بينهم.. والزواج العبرطائفي كان ممنوعا اجتماعيا كما يقول حنا بطاطو الذي يصف حال العراق قبل تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١:
  
Islam in Iraq was more a force of division than of integration. It split deeply Shi’i and Sunni Arabs. Socially they seldom mixed, and as a rule did not intermarry. In mixed cities  they lived  in separate quarters and led their own separate lives. (Batatu, the old social classes, p. 17)

بعد ثلاثة عقود من تأسيس الدولة العراقية الحديثة توحد الكثير من عرب العراق الى درجة العمل معا داخل احزاب عبرطائفية.. بعد سبعة عقود من تأسيس الدولة العراقية اصبح ثلث العوائل العراقية متزاوجة طائفيا.. كل ذلك حصل تدريجيا بفضل قيام الدولة التي تأسست عام ١٩٢١.. والمدارس ومناهج التعليم الحديثة والجيش كانت ادوات هذا الصهر الاجتماعي والسياسي.. ورجال الدين الشيعة حاربوا كل هذه المؤسسات..هذه الدولة التي اخرجت العراق من الغيتوهات الطائفية اتهمها حسن العلوي بمنهجة النزعة الطائفية!! الفترة الوحيدة التي عاش فيها عرب العراق خارج الغيتوهات المذهبية نعتها حسن العلوي بالطائفية.. الفترة الوحيدة التي اصبح فيها الزواج العبرطائفي شائعا.. وهذا هو المعيار الذي يستند عليه علماء الانثروبولوجيا في تعريف عملية الانفتاح والتعايش بين مجموعتين..هذه الفترة الفريدة في كل تاريخ العراق نعتها حسن العلوي بالاقصائية فقط لان الحاكم كان من عائلة سنية.. واليوم فقط يتسائل العلوي وباستهبال : لماذا عرب العراق منقسمين الى شيعة وسنة!! 

 قبل ثلاثة اسابيع شب واحد من اكبر حرائق الغابات التي عرفتها اسبانيا في تاريخها.. وتبيّن بعد ذلك ان سبب الحريق هو عُقب سيجارة رماه رجل عابر في الطريق.. حسن العلوي وامثاله من الكتاب الشيعة هم عندي اعقاب سجائر ساهمت باشعال الحريق الطائفي الذي احرق العراق.. صحيح ان دور ابناء البيوتات الشيعة في ادامة القحط الطائفي هو دور اخطر بكثير من دور امثال حسن العلوي.. ولكن الحريق الاسباني يعلمنا ان الحرائق الكبرى غالبا ما تشتعل لاسباب تافهة.. يكفي عُقْب سيجارة مثلا لتدمير غابة عمرها قرون.. وحسن العلوي الذي اشاع بين الرؤوس الاسفنجية الكثير من الكليشات الطائفية..حسن العلوي الذي طالب ذات غزوة شيعية  بأن ينص الدستور العراقي على أن أغلبية الشعب العراقي هي من الشيعة..هذا العلوي هو عندي عقب سيجارة.. گطف كما نقول باللهجة العراقية التي تمنح المفردة معنى التفاهة بشكل اكبر.. گطف تافه اي نعم.. ولكنه كان كافيا لاشعال الحريق في بلد ساد فيه القحط الفكري والجفاف السياسي.. وهذا الگطف يأتي اليوم متسائلا: لماذا عرب العراق منقسمين الى شيعة وسنة !! من اين لِاعقاب السجائر ان تفهم ان احراق غابة يحتاج الى ساعات فقط.. بينما الحصول على شجرة مثمرة واحدة يحتاج الى سنوات طويلة !!