2013/02/28

قواعد اللغة الطائفية .. المستقبل بصيغة الماضي


قبل ايام اتحفنا المالكي بخطاب ينتمي الى ادب اللامعقول السياسي.. خطاب لو سمعه صامويل بيكيت لضمنّه احدى مسرحياته العبثية.. المالكي قال اثناء اجتماعه في البصرة مع محافظي كونفدرالية "الوسط" والجنوب بان:"بعض الشركاء انتكسوا وبدأوا يتحدثون عن الطائفية وساقدم للقضاء مذكرة تدين كل من تحدث عن الطائفية".. لو كان صاحب هذه الجملة شخص قادم من كوكب المريخ لصدقناه.. لو كان صاحب هذه الجملة عراقي عادي لشددت على يده وشجعته.. ولكن ان تخرج هذه الجملة من المالكي الذي ساهم مع حزبه في الخراب الطائفي الحالي.. ماذا اقول؟  تصور تاجر مخدرات يقول لك انه يريد مقاضاة مروجي المخدرات!!    

خُذ جملة المالكي هذه وقلّبها كما تريد.. اعد ترتيب كلماتها.. حلل مفرداتها.. لن تجد فيها ذرة معنى.. لماذا ؟ لانها تنتمي الى ما يسميه رولان بارت في كتابه الشهير"ميثولوجيا" باللغة الكوزميتيكية اواللغة التزويقية.. بارت يقول ان من خصائص هذه اللغة هو ان مفرداتها فارغة من معانيها.. وهي لذلك تخريج صوتي بحت.. ضوضاء لغوية تهدف الى تغطية واخفاء واقع قبيح. 

المالكي يجتمع بمحافظي "الوسط" والجنوب حصريا.. وهذا اقرار بالواقع الشيعي للوسط والجنوب وبالتالي فانه سلوك طائفي.. ولكنه يريد مقاضاة من يتحدث عن الطائفية !! رهيب هذا المالكي.. الادهى ان المالكي يقول "ساقدم للقضاء مذكرة تُدين كل من تحدث عن الطائفية".. بمعنى ان من يمْثُل امام قضاء المالكي مدان مسبقا.. هل تعرفون لماذا ؟ لان قاضي قضاه "دولة القانون" هو مدحت المحمود !! شيعي اخر تبوء اعلى المناصب في عهد صدام.. ولكنه تحول بقدرة قادر الى مظلوم.. دولة "المظلومين" السفلة اعطتنا دولة المظلومية السافلة.. رجال سفلة وتاريخ سافل.. فهل نستغرب سفالة اللغة!  

المالكي وابواقه يعتقدون بان وضع مفردة "قانون" خلف مفردة "دولة" يكفي للحصول على "دولة قانون"..السياسة عند اصحاب اللغة الكوزميتيكية هي جمل صوتية.. مجرد مفردات.. مضاف ومضاف اليه.. الفعل غائب عن اللغة الكوزميتيكية.. وهو إن وجِد فدائما بصيغة المستقبل: "ساقدم للقضاء كل من تحدث عن الطائفية".. "سنحارب الفساد" .. "سننفذ المشاريع".."سنشكل لجنة لتقصي الحقائق".. وكما تعرفون فان فعل المستقبل هو منطقيا ليس فعل.. انه مشروع فعل.. فعل مؤجل.. مثل فعل ظهور المهدي.. متعرف شوكت يظهر ويخلصنا !! 

ما لا ولن يفهمه المالكي وابواقه هو ان كل مساحيق واصباغ اللغة الكوزميتيكية لا ولن تخفي قبح الواقع الطائفي الذي كرسته محكية المظلومية الشيعية في العراق.. فالطائفية هي فكر فاسد..الطائفية هي مذهب فاسد.. مذهب قام تاريخيا على كتاب ضدي ومفبرك ككتاب السقيفة.. ومثل هكذا مذهب يستطيع انتاج نفوس مفخخة بكرهها واحقادها.. نفوس ترفع شعار"انصروا مختار العصر" كما لو اننا نعيش في القرون الوسطى!! نفوس مريضة تقتل الناس بالدريل وفي تنور الزهراء.. نعم مثل هكذا مذهب يستطيع ذلك.. ولكن مثل هكذا مذهب قرووسطوي لا يمكن ان يُقيم سلم اهلي.. وبلا سلم اهلي لن يكون هناك لا دولة ولا قانون.

"المستقبل بصيغة الماضي" هو شيء ممكن في اللغة.. ولكنه "فعل" مدمر ومخرب في السياسة.