2013/06/07

نارهم تأكل حطبنا .. استكان شاي مع كونفوشيوس


حصيلة ضحايا العنف الطائفي في شهر ايار(مايو) الماضي بلغت ٣٤٤٢ بين قتيل وجريح، بحسب ارقام بعثة الامم المتحدة في العراق.. وكل ما لدينا لمواجهة هذا العنف الطائفي هو صلاة مشتركة بين السنة والشيعة اقيمت في الاسبوع الماضي.. اثناء هذا الحل "السحري" القى رئيس الوقف الشيعي صالح الحيدري خطبة قال فيها بأن «المرجعية الدينية بلسان السيستاني تؤكد أن لا صراع ديني بين الشيعة والسنة في العراق، بل هناك صراعات سياسية».. ودعا إلى «الاستفادة من تجارب الدول والشعوب الأخرى التي عانت من الفتنة الطائفية وتقديم دراسات وبحوث في ذلك».  

ما لا يعرفه رئيس الوقف الشيعي هو ان الاستفادة من تجارب الشعوب التي عانت من الفتنة الطائفية تعني اول ما تعني ان رجل دين مثله لايحق له التدخل بالشأن السياسي لانه جزء من المشكلة.. فتجارب الشعوب تقول لنا بأن حل الحروب الدينية هو فصل الدين عن السياسة.. لان "الحروب الدينية هي الاشكال التي تأخذها الحروب عندما لا يكون الحقل السياسي قد استقل بعد عن الحقل الديني" كما يقول واحد من ابرع علمأء الاجتماع وهو بيير بورديو.

 اذا فاول شروط الخروج من الصراع الطائفي هو ان يصمت الملا.. فليس بالادعية والخطب العرجاء نعالج الصراع الطائفي.. لقد وصل الصراع الطائفي اليوم الى درجة القتل بالدريل وأكل اكباد الموتى.. والملا يتحدث عن عدم وجود خلاف ديني بين السنة والشيعة..هذا الاحتقار للواقع..هذا التسويف بعبارات مجترة.. هذا الجبن الفكري هو اهم ما يميز عقلية الملالي.. والفوضى السياسية الحالية هي قبل كل شيء فوضى فكرية كرسها تاريخيا وحاضرا امثال رئيس الوقف الشيعي.. والخروج من هذه الفوضى لايتم الا بالتحرر من ادواتهم الفكرية.

ذات يوم كانت فيه الصين القديمة مسرحا للفوضى السياسية بسبب تصارع الامراء على السلطة.. جاء احد تلامذه الحكيم الصيني كونفوشيوس يسأله:" لو طُلب منك ان تتولى ادارة شؤون البلاد فما هو اول شيء ستقوم به؟".. فرد عليه كونفوشيوس: "ساقوم بتصحيح المُسَمَّيات".. وهي اجابة اثارت استغراب تلميذه الذي سأله باستخفاف: "وماذا سيفيدنا تصحيح المُسَمَّيات".. فرد عليه كونفوشيوس" اذا لم يتم تصحيح المُسَمَّيات فان الكلمات لن تتطابق مع الواقع واذا لم تتطابق الكلمات مع الواقع فان كل جهودنا ومشاريعنا تصبح عبث ....". بتعبير اخر، كونفوشيوس يرى بأن الفوضى السياسية هي بالاصل فوضى فكرية حيث المُسَمَّيات تخون الواقع.. من هنا فالعلاج يبدأ باصلاح المُسَمَّيات.. بتسمية الاشياء باسمائها.. فعندما لا تصف الكلمات الواقع فان كل الجهود تصبح عبث.. انه المبدأ الاول لعلم الطب الحديث: التشخيص الدقيق.

 اذا فعلاج المرض الطائفي لابد من ان يبدأ بتسمية الاشياء باسمائها.. فما يجري في العراق هو صراع مذهبي وبالتالي حربا طائفية.. والقول بأنه لايوجد صراع ديني بين الشيعة والسنة في العراق، كما يفعل رجال الدين هي توريات مستحية لاخفاء المرض الطائفي.. فالاسم الذي يصف الشيء بحياء هو تورية.. والتورية قد تنفع في قصيدة او في خطبة ولكنها مضرة عند التشخيص.. التورية في التشخيص هي دليل كسل فكري واخلاقي.. ورئيس الوقف الشيعي عندما يقول بعدم وجود صراع ديني بين الشيعة والسنة فهو يستخدم اسلوب التورية..لانه لايسمي الاشياء باسمائها.

عندما تؤكد بعدم وجود خلاف ديني بين السنة والشيعة وتأتي بعدها او بالاحرى قبلها وترمي اشخاص يحملون اسماء عمر وعثمان في تنور الزهراء..فأقل ما يمكن ان يقال عنك هو انك تحتقر عقول الناس..عندما تقول بعدم وجود خلاف ديني بين السنة والشيعة وانصارك يرفعون لافتات تقول "انصروا مختار العصر" فانت تقوم بتشخيص "عمياوي".. رئيس الوقف الشيعي قد ينسى او يتناسى ولكن التاريخ سوف يسجل بأن الاحزاب الشيعوية اتت على ظهور الدبابات الامريكية رافعة شعار "منصورة يا شيعة حيدر".. فكفاكم استهتارا بعقول الناس يا من رفعتم منذ اكثر من عشرين عام شعار "ماكو ولي الا علي ونريد حاكم جعفري".. باختصار.. حضور الرموز الدينية بهذه القوة التدميرية يدل على ان الصراع هو صراع ديني.. وذهاب "عبد الزهراء" للدفاع عن مرقد "السيدة زينب الاسد" يدل على ان البعد المذهبي حاضر في الصراع السياسي! 

لكم ان تستمروا في انكار الواقع.. لكم ان تستمروا في القاء الخطب العرجاء.. لكم ان تستمروا في اجتماعاتكم لتبويس اللحى.. لكم ان تستمروا في اقامة الصلاوات الموحدة.. ولكم بعد هذا وذاك ان تستمروا بقصف الرؤوس الهشة بالجمل التخديرية.. ولكن اطفالكم واطفال اطفالكم سيستمرون بالموت بسبب المرض الطائفي.. وعندما تقولون بأن الصراع الحالي هو صراع سياسي ولكنكم ترفضون تطبيق هذه الحقيقة على صراعات صدر الاسلام .. فانتم مسؤولون عن استفحال المرض الطائفي.. فالصراع السني الشيعي ككل الصراعات البشرية هو تاريخيا صراع سياسي على السلطة ومغانم السلطة.. ولكنه تحول تدريجيا الى صراع ايديولوجي عقائدي بسبب قوادي الدين.

ونحن اذ نترككم تقومون بهذا التشخيص العمياوي..اذ نترككم تستمرون بأستخدام هذه اللغة الخشبية.. فنحن ايضا مسؤولون عن المرض الطائفي.. فنحن (انا وانت وهو).. نحن (الرأي العام) عندما نقول ان الصراع اليوم هو صراع سياسيين ولكننا نُكفّر من يقول بأن "حروب الجمل" كانت صراعات سياسية على السلطة.. نحن (الرأي العام) عندما نرفض ألقبول بنتيجة التحليل المختبري التي تُبيّن ان جراثيم مرضنا الطائفي تجد اصلها في بيئة حروب الجمل الملوثة .. فنحن ايضا مسؤولون لاننا نرفض تسمية الاشياء باسمائها. 

قبل ايام قلت لواحد من اصدقاء الدربونة: "نارهم تأكل حطبهم".. فاجابني بذكاء: "نارهم تأكل حطبنا".. وهو محق فهم يقتلون وطننا.. ولكنني اليوم افهم هذه العبارة بطريقه اخرى.. فلو لم نكن نحن بهذا الجفاف الفكري.. لو لم يكن"حطبنا" بهذا اليُبس الفكري لما استطاعت حثالات الاسلام السياسي حرقه بهذه السهولة.. جفاف الرأي العام الفكري مسؤول ايضا عن الحريق.. ليس هناك حريق من دون حطب يابس.. وحان الوقت ليفهم الحطب بأن مسؤوليته عن الحريق لا تقل عن مسؤولية اعقاب السجائر.