2013/08/25

اصداء فرحة الزهراء .. جينيالوجيا الضغينة


الانفجار الذي شهدته طرابلس قبل يومين لايمكن فصله عن الانفجار الذي شهدته الضاحية الجنوبية  قبل اسبوع.. انه ديالكتيك طائفي.. معنى الديالكتيك في الاصل اليوناني هو فن الحوار.. والديالكتيك الطائفي هو فن الحوار بالمفخخات.. تفجير في الضاحية يقابله تفجير في طرابلس.. تفجير بتفجير.. مفخخة بمفخخة.. ولكن هذا ليس بجديد على المشهد اللبناني.. ما هو جديد في الديالكتيك الطائفي في لبنان هو ظاهرة توزيع الحلوى فرحا بموت الخصم.. فبعد انفجار الضاحية الجنوبية  قبل اسبوع خرج "لبنانيون" يوزعون الحلوى في مدينة طرابلس ابتهاجا بما اعتبروه ضربة لمعقل حزب الله.. ترى هل وزعت الضاحية يوم امس الحلوى ابتهاجا بتفجير طرابلس؟؟  

 الكاتب اللبناني حازم الامين نشر بعد انفجار الضاحية مقال ادان فيه "أقدام مواطنون لبنانيون على توزيع الحلوى فرحاً بموت لبنانيين آخرين".. الامين تساءل في بداية مقاله "ما الذي يمكن أن يدفع امرءاً للاحتفال بمشهد على هذا المقدار من القسوة؟" وانت كقارىء تنتظر اجابة ولو بسيطة على هذا السؤال المهم.. ولكنك تتقدم في قراءة مقال الامين فتجده يقول لك "لم يعد مهماً البحث في أسباب الضغينة. لن يجدي النقاش في الأسباب..." !! مذهل ان تسمع كاتب يستطيع نشر مقالاته وافكاره في اكبر الصحف العربية يقول لك "لم يعد مهماً البحث في أسباب الضغينة ولن يجدي النقاش في الأسباب".. غريب.. ما نفع الكتابة اذا.. ما قيمة الكتابة اذا اقتصرت على التأوهات والادانات والصفنات الشعرية !!  

عندما انتصرت مِليشيا "حزب اللة" على "الجيش الحر" في مدينة القصير قام بعض افرادها برفع راية يا حسين على احد جوامع المدينة المدمرة.. حسن نصرالله المدمن على الخُطب الكاستروية خرج على التلفزيون فقط لكي يقول لنا ان المسجد الذي رفعت على منارته راية يا حسين لم يكن مسجداً سنياً كما اشاعت بعض القنوات العربية وانما كان مسجداً شيعيا!! ولكن رأس حسن نصرالله الضخم لم يستوعب سؤال ازمتنا البسيط وهو ما علاقة الحسين فيما يجري في سوريا لكي ترفع راية يا حسين؟؟ بعد انتصار مِليشيا "حزب اللة" في القصير قام شيعة الضاحية بتوزيع الحلوى فرحا بهذا الانتصار الطائفي.. ولكن حازم الامين الذي ادان توزيع طرابلس للحلوى لم يشر الى حلوى الضاحية.. اذهب وحاول ان تعرف لماذا!!

قد اكون مخطئا ولكنني اظن ان سُنّة لبنان لم يعرفوا سابقا ظاهرة توزيع الحلوى احتفالا بموت بشر.. وفرضيتي هي ان حلوى طرابلس كانت رد فعل على حلوى الضاحية التي احتفلت بانتصار راية يا حسين في القصير.. ديالكتيك ضغائني.. ولكن ما اريد ان اقوله وهنا المهم.. هو ان ظاهرة توزيع الحلوى فرحا بمقتل بشر ليست ظاهرة جديدة كما يعتقد حازم الامين.. هذه الظاهرة لم تسقط علينا فجأة من السماء.. السماء لا تمطر ضغينة.. السماء لاتمطر حروب اهلية.. الحروب الاهلية هي مسار فكري طويل.. ظاهرة توزيع الحلوى احتفالا بموت بشر هي ظاهرة شيعية بامتياز.. لا اعرف ما اذا كان شيعة لبنان يقومون بذلك ام لا.. ولكنني اعرف ان شيعة العراق يمارسون هذه الظاهرة في طقس "فرحة الزهرة" الذي يصادف يوم مقتل عمر ابن الخطاب.. فرحة الزهراء بمقتل عمر او بالاحرى فرحة الشيعة بمقتل عمر هو احتفال سنوي تقيمه الاحياء الشيعية في العراق حيث يتم توزيع الاطعمة والحلويات.. هنا اصل الضغينة.. جينيالوجيا الضغينة. 

واحد من اعقاب السجائر الشيعية التي ساهمت في اشعال الحريق الطائفي وهو حسن العلوي يقول لنا وبعد خراب البصرة "ان السُنّة وطوال تاريخهم لم يبادلوا الشتم الشيعي للصحابة بالمثل وان الحكومات السنية لم تطلق اسم خليفة اموي على احد شوارع العراق او جوامعه".. نعم هذا صحيح!! ولكن على اعقاب السجائر اليوم ان يفهموا ان هذا الزمن قد ولى.. خصوصا بعد ان امتلأت شوارع العراق بصور الخميني.. اصداء "فرحة الزهراء" في سوريا ولبنان تُنبئنا عن الاعصار الطائفي القادم.. انه ديالكتيك الضغينة.. والفضل في اشاعة الضغينة يعود لامثال حسن الفهلوي.. آه لو كانت للكلمات محاكم !!

ارنست رينان يقول:"الوسيلة الاكثر فعالية لتوضيح اهمية فكرة ما، هو محو تلك الفكرة واظهار ما سيكون عليه حال العالم من دونها". 

Le moyen le plus énergique de relever l'importance d'une idée, c'est de la supprimer et de montrer ce que le monde devient sans elle

 ونحن اليوم في تلك البقعة الملعونة بالخرافات وقوادي الدين نعيش في عصر غابت عنه فكرة العلمانية.. كل الحكومات العراقية السابقة التي قامت بعد سقوط الخلافة العثمانية ورغم كل اخطأها لم تلغي فكرة العلمانية والتي هي في جوهرها فصل للحقل الديني عن الحقل السياسي.. ولكن ما ان اجتث قوادي المظلومية الشيعية فكرة العلمانية حتى ظهر القبح الاخلاقي لمجتمعات توزع الحلوى احتفالا بموت بشر.

المسؤول الامني الذي يقيم الحواجز والسيطرات في بغداد اليوم لمنع المفخخات.. ذلك المسؤول الامني الذي يحتفل كل عام "بفرحة الزهرة".. لم يفهم بعد ان المفخخة تنام في رأسه !!