2024/02/13

متى يحرق الشيعة توراتهم

   

عندما ضربت ايران باكستان مؤخرا ببضعة صواريخ .. ردت باكستان بالمثل وضربت ايران بنفس العدد من الصواريخ .. ما قامت به باكستان هو ترجمة عملية لمعنى السيادة سياسيا ومعنى الردع عسكريا .. هكذا تتصرف الدول ذات السيادة .. اما عراق "السادة" فقد اصبح بلد بلا سيادة .. اصبح "مكْفَخَة" لإيران وامريكا .. اصبح "حايط نصيص" .. العراق  تحول الى مَكَبْ للقمامة ترمي فيه ايران وامريكا مخلفاتها السياسية .. ترمي فيه يران وامريكا خردتها العسكري

 

هذا هو مصير اشباه الدول  .. الدول التي لا تمتلك سيادة .. الدول الفاشلة ..الدول الضعيفة .. ففي بورصة العلاقات الدولية العملة المتداولة هي القوة .. ومن لا يمتلك هذا "العملة الصعبة" يتحول الى ساحة مفتوحة للقوي .. يتحول الى مستجدي للدعم الخارجي .. يتحول الى شحاذ لا يملك سوى لغة الدردمة (دردم يدردم دردمة)!! يتحول الى فؤاد حسين "وزير خارجية" شبه دولة العراق الذي صرح بعد الضربات الامريكية الأخيرة  "رفض حكومة بلاده مجدداً أن تكون أراضي العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الدول المتخاصمة، مشدداً أن العراق ليس المكان المخصص لإرسال الرسائل واستعراض القوة بين المتخاصمين" 

 

 فؤاد حسين لا يجرؤ حتى على تسمية "الدول المتخاصمة" بأسمائها !! هو يستخدم لغة التلميح لانه وزير خارجية شبه دولة .. وانت اذا ما تمعنت في كلمات فؤاد حسين ..وتوقفت امام كلمة "مجددا".. ستعثر على معنى التكرار الممل للإدانات التي لا يصغي اليها احد !! ستعثر على الطابع "الأمم المتحدي" للإدانات التي لا يصغي اليها احد !! صعب جدا ان تكون وزير خارجية بلد بلا سيادة .. صعب جدا ان تكون وزير خارجية بلد تتحكم فيه مليشيات .. فالمليشيات هي نفي عملي لمفهوم الدولة وسيادة الدولة .. ومليشيات ايران في العراق هي اليوم من تحدد سؤال الحرب في العراق .. وهي بذلك تخطف اهم قرار سياسي مناط بالدولة .. ووزير خارجية "شبه دولة العراق" لم يفهم ذلك بعد ..فؤاد حسين لم يفهم بعد انه عمليا "وزير خارجية" مليشيات ايران في العراق .. هنا تكمن الكوميديا السوداء في موقف فؤاد حسين   

 

وهذا البُعْد المضحك المبكي نجده عند كل قرقوزات شبه دولة العراق الذين صدّقوا انهم اشخاص مهمين وقادة ووزراء .. فهم يمتلكون المناصب ولكنهم لا يمتلكون الشروط اللازمة لأداء مهام المنصب .. ولكي نستعير لغة المسرح .. نستطيع ان نقول ان هناك تفاوت سايكولوجي بين شخصياتهم الهزيلة وبين الأدوار السياسية المهمة المناطة بهم .. من صاحب مقولة "ما ننطيها" الذي تصدى لمسؤولية رئاسة الوزراء بعقلية لاعب "محيبس" .. الى مصطفى الكاظمي الذي شغل نفس المنصب لعدة سنوات وتبوء منصب مدير المخابرات لسنوات طويلة ولا زال يطرح باستهبال سؤال "لماذا لا نكون كغيرنا ممن يقدّم مصالح دولته على كل شيء

 

سؤال الكاظمي هذا ورد في مقال نشره في الأسبوع الماضي في صحيفة الشرق الأوسط .. عنوان المقال "ضرورة المصارحة لتحقيق مصالحة شاملة".. يمكن اختصار مقال الكاظمي ببضعه اسطر .. فهو يقر بـ "فشل العملية السياسية التي بُنيت بعد عام 2003". وهذا الفشل يخص "شكل النظام السياسي والاقتصادي والأمني بالدرجة الأولى، والعلاقة الجامعة بين المكوّنات والشرائح الاجتماعية بالدرجة الثانية" .. ثم يضيف لاحقا بضرورة  "فتح النقاشات الواسعة والصريحة أمام كل الملفات الشائكة" .. كل العبارات بين مزدوجتين هي كلمات الكاظمي حرفيا  

 

تنتهي من مقال الكاظمي ولا تجد لا صراحة ولا نقاش "ولا هم يحزنون" ..  مقال الكاظمي هو عبارة عن أسئلة مغرقة بالمجازية .. وأسلوب متخم بلغة "اياك اعني واسمعي يا جارة" الذي يميز ساسة ما بعد الاحتلال .. تَجول المقال باحثا عما يسميه الكاظمي بـ "الملفات الشائكة" ولا تجد اثرا لها .. ما هو سبب فشل العملية السياسية ؟؟ لا تعرف .. ما هي الحلول التي يقترحها ؟؟  لا تعرف .. واذا ما اضفت الى ذلك أسلوبه الحيص بيصي الذي ينتقل من "الديك الى الحمار " كما يقول التعبير الفرنسي .. عندها ستصل الى نهاية المقال وانت مُحَمّل بالقرف : افكار بلا ترابط .. مقال في قمة "الخربطة" الفكرية .. ومصطلحات اكبر من قدرة الكاظمي الفكرية .. من هنا فشل محاولته التحليلية .. باختصار .. الكاظمي كاتبا هو كالكاظمي سياسيا .. شخص يحاول تقمص دور اكبر منه ومن امكانياته الفكرية والسياسية .

 

 هل يعرف الكاظمي ماذا كان يفعل رعيل من شيعة العراق في نفس الوقت الذي كان يكتب فيه كلمات مقاله.. رعاع شيعة العراق كانوا يقومون بغزوة على قبر معاوية ابن ابي سفيان ابن حرب ابن امية  اثناء مرورهم بدمشق لإحياء ذكرى وفاة "السيدة" زينب!! غزوة بالأحذية على قبر شخص توفي قبل الف واربعمئة عام !! الكاظمي يطرح سؤال " لماذا لا نكون كغيرنا ممن يقدّم مصالح دولته على كل شيء".. بمعنى انه يطرح سؤال الشعور الوطني .. يطرح سؤال الوطنية في العراق .. في حين ان  نصف سكانه من الشيعة لازالوا يعيشون فكريا في غبار معركة صفين .. هذا هو السؤال الشائك الذي لا يطرحه أمثال الكاظمي بصراحة .. لان مثل هذه الصراحة تحتاج الى نخب وليس الى قرقوزات

  

باختصار .. ما لا يقوله القرقوزات من أمثال الكاظمي وفؤاد حسين .. هو ان هناك ملايين من الشيعة في العراق ممن يعتقدون انهم انه شيعة أولا وعراقيون ثانيا .. كما قالها ذات يوم نوري المالكي .. ما لا يقوله القرقوزات من أمثال الكاظمي وفؤاد حسين هو ان هذه الأولوية للهوية المذهبية .. هذه الهوية الشيعية العابرة للحدود هي التي مكنت ايران من تجنيد رعاع المليشيات وتحويل العراق الى ساحة لتصفية الحسابات .. وطالما ان هناك في العراق ممن يعتقد انه شيعي أولا وعراقي ثانيا .. طالما ان الملايين من شيعة العراق لازالوا يستنشقون غبار معارك الجمل .. فأن "حسين هذا الزمان" خامنئي لن يجد صعوبة في تجنيد رعاع الشيعة من اجل تحويل العراق الى "معسكر" تنطلق منه غزوات شيعية للإغارة على قبور بني امية وعلى "امارات وممالك" احفاد يزيد ابن معاوية !! وهذا الاسقاط الشيعي للماضي الشقاقي على الحاضر العراقي هو أساس المُشكل السياسي في العراق.. رفعت الأقلام وجفت الصحف  

  

في عام ١٩١١ كانت الدولة العثمانية تمر بأضعف فتراتها السياسية .. دول البلقان التي كانت تحت هيمنة الدولة العثمانية بدأت تتمرد وتحصل على استقلالها واحدة  تلو الأخرى .. آنذاك نشأ إحساس عميق داخل النخب السياسية التركية وخصوصا داخل جمعية الاتحاد والترقي بأن الدولة العثمانية في طريقها للتفتت .. في هذه الاثناء كان النقاش محموما داخل أروقة البرلمان .. حيث جرت مداولات خطابية في غاية الحدة تم خلالها التشكيك بولاء الأقليات ومنهم اليهود الاتراك الذين اُتِهُموا بمساعدة الحركة الصهيونية .. النائب اليهودي عن مدينة ازمير نسيم مازلياح القى خطابا في تلك الجلسة قال فيه " اذا كانت الصهيونية مهددة للدولة التركية عندها ساقف بلا تردد بجانب الدولة التركية .. واذا كان ولا بد من احراق التوراة من اجل خير الدولة التركية فسنقوم بذلك" .. فمتى سيحرق الشيعة "توراتهم" وخزعبلاتهم من اجل مصلحة العراق؟؟