2023/12/05

كرسي على طاولة المفاوضات الأمريكية ليس ثورة


في الأيام التي تلت هجوم حماس على إسرائيل نشر المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس مقال في هارتس يطالب فيه بقصف المفاعل النووي الايراني.. بيني موريس لمن لا يعرفه هو رائد الموجة الجديدة من المؤرخين الذي فككوا السردية الاسرائيلية التقليدية عن انشاء دولة اسرائيل وكشف زيف الكثير من الروايات الرسمية الإسرائيلية وهو محسوب على الاوساط الاسرائيلية المعتدلة وحُبس سابقا لرفضه الالتحاق بالجيش .. ان يدعو شخص مثل موريس لضرب ايران يعطينا فكرة عن الإجماع الذي ساد اسرائيل بخصوص ضرب ايران في الايام الاولى بعد هجوم  حماس.. ولكن الولايات المتحدة (التي هي على أبواب انتخابات رئاسية ومنهكة ماليا وعسكريا في الحرب الروسية الأوكرانية ) وضعت فيتو ضد رغبة اسرائيل لضرب إيران وفتح جبهة جديدة في "الشرق الاوسط".. من هنا مسارعة بايدن بنفيه وجود اية معلومات استخباراتية بضلوع إيران بهجوم حماس.


 وزير خارجية إيران وفي مقابلة مع صحيفة الفايننشال تايمز اعترف مؤخرا بأن الولايات المتحدة تواصلت مع إيران وتبادلت رسائل مؤخرا عن طريق فرع المصالح الأمريكية في السفارة السويسرية في طهران.. في هذه المقابلة نفى وزير الخارجية الايراني ان تكون أمريكا قد هددت بضرب إيران إذا ما شن حزب الله هجوم على اسرائيل .. ولكنه اضاف ان ايران تحاول السيطرة على حلفائها في جنوب لبنان والعراق واليمن لمنع توسع نطاق الحرب.


لا تحتاج أن تكون خبيرا في العلاقات الدولية لكي تفهم فحوى الرسالة الأمريكية التي تم ايصالها الى ايران ..إرسال حاملتي طائرات امريكية الى المنطقة هي ليست رسالة صداقة كما يعتقد وزير خارجية ايران!! ولا تحتاج بعد ذلك أن تكون خبيرا في الشؤون الايرانية لتفهم سلوك إيران بعد استلام الرسالة الأمريكية.. التصريحات الايرانية بدأ من ”المرشد الاعلى“ خامنئي وانتهاءا  بحسن نصر الله والتي نفت ضلوعهما في هجوم حماس كان جزءا من اتفاق التهدئة : أمريكا ستمنع إسرائيل من ضرب إيران مقابل عدم توسيع رقعة الحرب من قبل حزب الله.


 أمريكا تعرف تمام المعرفة ان ايران لا ولن تدخل في معركة مباشرة مع امريكا ولا حتى مع اسرائيل .. يوم أمس قتلت اسرائيل اثنين من أعضاء الحرس الثوري كانا يعملان مستشارين عسكريين في سوريا .. فماذا كان رد ايران ؟؟ مجرد تصريح من قبل المتحدث باسم الخارجية الايرانية ناصر كنعاني قال فيه إن «أي عمل ضد إيران من جانب الأعداء لن يبقى دون رد».. باختصار.. إيران لا تدخل الحرب الا اذا تمت مهاجمة أراضيها ..وهذا كان جواب إيران على الرسالة الأمريكية التحذيرية.. امن ايران القومي وليس القدس أو غزة هو الشيء الوحيد الذي سيدفع ايران للدخول في حرب.. وكل الشعارات الراديكالية الايرانية ما هي سوى علف صوتي للرعاع.


 يوم أمس استقبل خامنئي الرئيس الكوبي دياز كانيل الذي زار طهران بعد مشاركته في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في دبي .. أثناء هذا الاستقبال قال خامنئي إن ”الصدق الثوري والصمود الثوري والجدية الثورية هي من السمات المشتركة بين ثورتي كوبا وإيران“.. عبارة «الصدق الثوري» لها وقع تهريجي إذا ما تذكرنا رسالة ”التنازل الثوري“  التي أرسلها هذا الشيطان الاصغر الى ”الشيطان الأكبر“ في عام ٢٠٠٣.


  ففي عام ٢٠٠٣ وبعد أن احتلت الدبابات الامريكية بغداد أبرق السفير السويسري في طهران تيم كولديمان رسالة الى وزارة الخارجية الأمريكية .. وهذه الرسالة كانت عبارة عن ”خارطة طريق“ قرأها وصادق عليها خامنئي والرئيس خاتمي آنذاك .. أبدت فيها إيران استعدادها للاعتراف باسرائيل و التخلي عن دعم المنظمات الإرهابية الخ من التنازلات التي ترضي أمريكا بهدف إعادة العلاقات الامريكية الايرانية ورفع الحصار عنها.. هذه الرسالة ظلت طي الكتمان إلى أن تطرقت الواشنطن بوست لها عام ٢٠٠٧.. والسفير السويسري تطرق لاحقا لهذا العرض الإيراني في كتاب صدر هنا في سويسرا.. وخامنئي ما زال يتحدث عن «الصدق الثوري».


 كل شعارات ايران عن الموت لاسرائيل والموت لأمريكا ما هي سوى ”ضوضاء صوتية“ مخصصة للبيادق الرعاع  الذين تستخدمهم إيران على المحاور لمشاغبة حلفاء أمريكا في المنطقة (دول الخليج وإسرائيل) .. وسياسية المشاغبة هذه هدفها تحويل ايران الى عنصر إزعاج اقليمي من اجل الاعتراف بها ”كلاعب يجب أخذه بنظر الاعتبار“ كما يقول التعبير الشهير في "لعبة الأمم" .. كرسي على طاولة المفاوضات الامريكية هي كل ما تتمناه ايران.

 

لذلك عندما يتحدث خامنئي عن "الصدق الثوري" فهو يذكرنا بالرواية التي تروى عن الهيثم ابن عدي الكوفي .. أحد أوائل رواة الأخبار في التاريخ الإسلامي .. وهو راوِِ لا يثق المؤرخون الكبار برواياته .. جارية الهيثم ابن عدي تقول : ” كان مولاي  يقوم عامة الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب“.