2020/02/29

البحث عن الحسين .. جولة برفقة ديوجين

 كان يحمل فانوسا في وضح النهار ويمشي في الشوارع.. قائلا للمارة المستغربين :"ابحث عن انسان".. انه الحكيم اليوناني ديوجين.. ديوجين وبسخريته المستفزة كان في هذا المشهد يبحث عن "الانسان" الذي كان يقرأ عنه في الكتب ويسمع عنه في الخطابات ولم يعثر عليه في الواقع .. ديوجين كان يبحث عن الانسان المثالي الذي رسمه افلاطون في جمهوريته الفاضلة.. ديوجين كان يريد ان يقول ان هذا الانسان المثالي غير موجود في الواقع .. الانسان الذي كان يراه ديوجين في الواقع هو انسان يختلف تماما عن انسان الكتب والخطابات.. الانسان الذي كان يمشي في الشوارع يختلف تماما عن الانسان المستلقي في النظريات الطوباوية .. الانسان الذي كان يراه ديوجين هو انسان غرائزي.. انسان يأكل ويشرب.. يحب ويكره.. يفرح ويغضب.. يغار ويحسد ويتنافس ويتخاصم ويتقاتل من اجل المال والسلطة واللذات.. الانسان الذي كان يراه ديوجين في السوق هو انسان يغش ويكذب.. يتحايل ويسرق.. الانسان الذي كان يراه ديوجين في السلطة هو انسان مخادع ومتعسف ومتسلط.

تسعة من تلامذة افلاطون تحولوا الى حكام فاسدين ما ان استلموا السلطة .. تسعة من "الفلاسفة الملوك" الذين ربتهم قيم "المدينة الفاضلة" الافلاطونية تحولوا الى حكام دكتاتوريين ما ان استلموا السلطة .. باختصار .. قيم افلاطون لم تمنع الفساد الاجتماعي والسياسي.. قيم افلاطون فشلت في خلق انسان لا يغش ولا يسرق .. قيم افلاطون فشلت  في خلق انسان لا يتقاتل من اجل السلطة .. قيم افلاطون فشلت في انتاج رادع اجتماعي للانسان الغرائزي السلطوي الذي يعيش على كوكب الارض.. عندما تريد ان تبني مجتمع يعيش فيه انسان غرائزي محب للمال والسلطة والجاه.. وكل ما في جعبتك هي قيم مثالية طوباوية فانت في طريقك لنسف وتحطيم هذا المجتمع.. لان الانسان الغرائزي لا تنفع معه مقولات وخطب اخلاقوية وقيم مجردة.. النظرية السياسية الافلاطونية تحوي على قيم اخلاقية رائعة .. ولكنها في الواقع لم تنتج "المدينة الفاضلة" ولم تنتج النخب النبيلة التي يتحدث عنها افلاطون في جمهوريته الفاضلة.

تعال الان واحمل فانوسك وتجول في الشوارع والمدن التي رفعت شعار "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن".. تعال الان وابحث في "جمهورية الحسين الفاضلة" عن "الانسان" الذي بناه منهج الحسين .. عن "الوطن" الذي بناه منهج الحسين.. ماذا ستجد.. ستجد ان منهج الحسين انتج واحد من افسد الانظمة السياسية على كوكب الارض.. ولكنك اذا ما اطلت البحث والتقصي قليلا ستجد ما هو ادهى من ذلك .. ستجد ان "المواطن" الذي تم استغفاله وسرقته تحت شعار "الحسين بضمائرنا".. ما زال يرفع لافتة "كذب يا حسين ما شفناك بضمائرهم".. ما زال يبحث عن الحسين في الضمائر.


سبعة عشر عاما فساد تحت شعار "الحسين بضمائرنا" ولازال القوم يبحثون عن الحسين في الضمائر.. سبعة عشر عاما من التقصي والبحث عن الحسين ولم يعثروا عليه حتى اليوم.. وعندما نفهم قصة فانوس ديوجين سنفهم لماذا لم يجد "الباحثون" عن الحسين حسينهم حتى الان.. لانهم يبحثون عن حسين اسطوري مثالي .. حسين كتب وروايات مفبركة .. لا غرابة انهم لم يجدوه لا في ضمائر "النخب" السياسية ولا في ضمائر "النخب" الدينية.. عندما تبحث عن فكرة طوباوية في الواقع.. فانت ستبحث طوال حياتك عن شيء غير موجود.. كمن يبحث عن الانسان الافلاطوني في الواقع.. هذا هو درس ديوجين. 

الحسين التاريخي هو انسان من كوكب الارض .. وهو ككل انسان ارضي يمتلك رأس ومعدة وجهاز تناسلي.. انسان كان يأكل ويشرب ويتبرز .. انسان كان يتعطر باثمن العطور وينكح الجواري.. انسان كان يتنعم بهدايا وعطايا معاوية خلال ما يقرب العشرين عام .. وهو ذات طموح غرائزي استغل ظرف انتقال السلطة وتصارع على السلطة وقتل من اجلها.. وهو في ذلك لا يختلف عن الالاف من ابناء البيوتات والورثة الذي تقاتلوا على السلطة بعد وفاة "الملك" كما يقول لنا التاريخ البشري .. هذا هو الحسين التاريخي الانثروبولجي .. ولكن العقلية الغنوصية الاسطورية حولت هذا الحسين الى انسان مثالي اسطوري.. ما كان محاولة انقلابية فاشلة يحفل بها تاريخ البشرية.. تحول الى ثورة .. والادهى تحول الى ثورة قيم .. ما هي هذه القيم ؟؟ اين هذه القيم في الواقع ؟؟ لا احد يعرف.. الجميع يبحث عنها اليوم ولا يجد غير الفساد.. الواقع يعري الاسطورة

كيف حصل ان قيم الحسين اعطتنا حسينيون يسرقون الملايين من خبز الفقراء والارامل واليتامي .. كيف حصل ان قيم الحسين (التي يقال انها ثورة ضد التوريث والفساد السياسي) انتجت دولة مافيات فاسدة يديرها ورثة وابناء البيوتات الشيعية .. كيف حصل ان قيم الحسين اعطتنا سرسرية يقايضون طالبة متفوقة جامعيا على جسدها من اجل التعيين في وظيفة .. وهذه السلوكيات الحسينية تحصل في وزارات يديرهاحفاد الحسين" .. كيف حصل ان قيم الحسين انتجت مسوخ على هذا المستوى من التفسخ الاخلاقي ؟؟ كيف حصل ان "قيم" الحسين انتجت كل هذا الخراب السياسي .. هنا نحن امام اسئلة الخراب الحسيني .. هنا نحن امام اسئلة "الفكر" السياسي الشيعي المعطوب

وهذه الاسئلة الحيوية للوطن المسروق بالخرافات .. لاتخطر ببال من يحمل لافتة "كذب يا حسين ما شفناك بضمائرهم ".. هو لازال مشغول "يُدَوّرْ" عن الحسين الاسطوري.. وفعل دَوّرَ في اللهجة العراقية هو فعل رهيب لانه يتضمن فعل البحث والدوران في حلقة مفرغة.. لذلك .. فمن "يُدَوّرْ"عن الحسين هو كالهائم الذي يدور في حلقة مفرغة .. لانه يبحث بدون فانوس وعقل ديوجين.

2020/02/19

اين اختفى الحسين ؟

في الفترة الاخيرة انتشرت في ساحات التظاهر العراقية اهزوجة "وين وين وين.. وين الملايين.. كلها كذب.. كلها كذب.. تلطم على الحسين".. هذه الاهزوجة ذكرتني بلافتة صغيرة شاهدتها في الاسابيع الاولى من المظاهرات الحالية .. وهي تتضمن نفس المعنى .


"كذب يا حسين ما شفناك في ضمائرهم".. لا اعرف مكان وتاريخ  هذه اللافتة .. ولكنها رسالة مباشرة  الى "الحسين" تقول له :"ستة عشر عاما ونحن نبحث عنك في ضمائرهم ولم نجدك".. والضمائر هنا هي ضمائر "النخب" الشيعية التي سرقت "العباد والبلاد" تحت شعار "الحسين بضمائرنا".. في اهزوجة "وين وين وين..." كما في لافتة "ما شفناك بضمائرهم" هناك معنى تهكمي ناقد لمن "يلطم على الهريسة " وعلى المنافع والرواتب والسلطة.. ولكن ما يستوقفني في الاهزوجة الباحثة عن الملايين كما في اللافتة الباحثة عن الحسين في الضمائر هو المعيار القيمي الشيعي.. ما يهمني فيهما هو بحثهما عن الحسين او القيم التي يرمز لها الحسين .. نحن امام ما يمكن تسميته بنظرية البحث عن الحسين الضائع في الضمائر .. الكل يبحث عن الحسين.. ولكن الحسين غائب .. غير موجود على ارض الواقع.. اين ذهب الحسين .. اين اختفي الحسين ؟     

انا ايضا كنت ابحث عن "الحسين".. وكان ذلك قبل بضعة اسابيع.. عندما وقعت عيني على لافتة "كذب يا حسين ما شفناك بضمائرهم" تذكرت لافتة حسينية اخرى .. تذكرت لافتة "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن" التي تطرقت لها قبل سنوات في  احدى مقالتي.. قلت اذهب لاقرأ ما كتبت آنذاك في مقالتي هذه علّها تساعدني في الكتابة عن لافتة "كذب يا حسين..." .. وبدل ان ابحث في ملفاتي عن هذه المقالة.. اخترت الطريقة الاسهل وهي استخدام غوغل .. وكتبت في محرك البحث عبارة "الحسين منهجنا في بناء المواطن والوطن".. وكنت اتوقع ان اجد مقالي في الترتيب الاول في تصنيف غوغل .. لانه مقال لاقى انتشارا واسعا في المواقع العراقية.. ولكنني وجدت نفسي امام مواقع اخرى مثل الحوار المتمدن وجريدة المدى ومواقع عراقية اخرى تورد عبارة "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن".. امام هذا الكم الكبير من المقالات التي تتطرق "للحسين منهجنا" تخليت عن فكرة مراجعة مقالي .. قلت اذهب لاقرأ ما كتب الاخرون بهذا الخصوص.. وهنا بدأت رحلة قراءة المقالات التي وضعها غوغل امامي .. ومقال بعد مقال كنت اجد نفسي امام نفس "الكاتب" وامام نفس الفكرة .. وهي فكرة مقالي المسروقة والمحرفة من قبل "الدكتور البروفيسور قاسم حسين صالح، مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية" [ هكذا يعرف عن نفسه في مقالاته]!! هناك روابط اخرى لمواقع واشخاص "سرقوا" مقالي هذا ولكن ليس هنا المهم.

ليست نهاية العالم .. كنت دائما اقول مع نفسي هذه الجملة وانا ارى بعض مقالاتي تسرق وتنشر بدون ذكر المصدر .. مقالي "مراجيح الجنة ونفاخات يزيد ابن معاوية" الذي تطرق لعبارة "الحسين منهجنا...." هو واحد من المقالات التي حصلت على هذا الانتشار الواسع.. البعض نشره مشكورا مع ذكر المصدر.. البعض "غلس" ولم يذكر المصدر.. والبعض نشره بأسمه عيني عينك.. كل ذلك لا يهمني ولم اتطرق لهذه السرقات الفكرية سابقا.. كنت دائما اقول مع نفسي "الفكرة اهم من الاشخاص".. فدوة للعراق.. الشيء الوحيد الذي ازعجني انذاك هو التحريف الذي تعرض له هذا المقال على يد من نشره في مواقع عراقية معروفة.. بعض اصدقاء الدربونة سألوني انذاك "هل بدأت تنشر في المواقع العراقية ؟".. وجوابي كان : "لم ولا انشر مقالاتي الا في مدونة دربونة.. فاقتضى التنويه".

وانا اليوم اذ اتطرق لسرقة "الدكتور البروفيسور" يبقى دافعي اجتماعي عام وليس شخصي.. ولو اكتفى الدكتور بسرقة مقطع من مقالي في ظرف اخر لما كرست ساعة من وقتي لذلك.. ولكن سؤ حظه هو انه ظهر امامي في ظرف غير مناسب.. ظهر امامي متلبسا بجرم السرقة وانا ادخل غوغل باحثا عن "الحسين الضائع في ضمائر الحرامية".. باختصار ..ظهر امامي وهو "يلطم" كذب على الحسين.. فهذا"الدكتور" نشر في جريدة المدى لصاحبها فخري كريم مقال  يقول فيه ما يلي: "الكاتب البريطاني باترك كوكبورن في العام 2013 كان يتمشّى في شوارع بغداد ومنها بعث لصحيفة الاندبندنت مقالة بعنوان: (كيف تحولت بغداد الى مدينة للفساد)، جاء فيها: (احسست بألم وأنا أرى شعاراً مكتوباً على لافتات سوداء بساحة الفردوس: "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن") ..  وهو في مقال اخر نشره في موقع الحوار المتمدن يورد نفس المقطع ويضيف اليه  ما يلي :"هذا يعني ان هذا الكاتب الأجنبي ادرك التناقض الحاد بين قيم الأمام الحسين وبين من تولى السلطة في العراق ويدعون انهم حسينيون" .. انتهى

كل مقالات هذا "الدكتور" عن "الحسين منهجنا..." والتي لم تنقطع حتى نهاية ٢٠١٩ .. هي تنويعات على هذه "النغمة الحسينية" المسروقة من مقالي .. وكل ما ينسبه "هذا الدكتور الفلته" في مقالاته العديدة الى "الكاتب البريطاني باترك كوكبورن" هي في الحقيقة كلماتي التي وردت في مقال "مراجيح الجنة ونفاخات يزيد ابن معاوية".. لان كوكبورن الذي كان نقطة الانطلاق في مقالي هذا لم يذكر الحسين في مقاله قَطْ .. لا من بعيد ولا من قريب.. وأنا لم اقل انني احسست بالالم كما يحرف "الدكتور" .. وانما قلت : شعرت بسعادة وانا ارى هذا الشعار.. سعادة من يرى الواقع يعري الاسطورة.. الخ .. وهذا كان هدفي من المقال .. اظهار الهوة بين الشعار والسلوك .. باختصار .."هذا الدكتور البروفيسور" لا يكتفي هنا بالسرقة والتحريف ولكنه يكذب عيني عينك وبلا حياء


باختصار .. نحن هنا امام "دال" اخر .. دكتور اخر من الدكاترة الذين ابتلى بهم العراق.. والادهى هو انه دكتور نفسي.. دكتور نفسي مصاب بمرض الشيزوفرينيا !! نحن هنا امام شخص اخر يدافع عن الحسين وقيم الحسين وبنفس الوقت يسرق ويحرف ويكذب.. نحن هنا امام حسيني اخر يتكلم عن "التناقض الحاد بين قيم الأمام الحسين وبين من تولى السلطة في العراق" وهو متناقض مصاب بمرض انفصام الشخصية .. نحن هنا امام "حسيني" اخر ينتقد الفساد وهو فاسد.. نحن هنا امام عينة من الملايين التي "كلها كذب كلها كذب "تكتب" و"تلطم" على الحسين ".. وهنا يأتي السؤال .. اذا لم يكن الحسين في ضمائر "النخب" السياسية .. اذا لم يكن في ضمائر "النخب" الفكرية .. اذا لم يكن في ضمائر "النخب" الدينية .. اذا لم يكن في ضمائر الملايين اللطمية كما تقول لنا اهزوجة وين وين وين ".. فأين نجد الحسين وقيم الحسين .. اين ذهب الحسين .. اين اختفي الحسين ؟

يتبع في مقال : البحث عن الحسين .. جولة برفقة ديوجين