2021/05/24

"مرجعية النجف" ام المرجعية الايرانية في النجف ؟

قرأت مؤخرا مقالا لحازم الامين يقول فيه إن" الحدث الهائل المتمثل بانشقاق شارع شيعي عن طهران لم يجد من يستقبله على رغم استثنائيته".. ثم يضيف بان "مرجعية النجف بدورها لم تبد رغبة في استيعاب المزاج غير الإيراني الذي كشف عنه الحراك العراقي".. وان "الاغتيالات المتعاقبة والقتل المعلن للناشطين لم يخلف بالمرجعية غضباً كافياً كان، لو حصل، سيصعب على القتلة مهمتهم."


جملة "مرجعية النجف لم تبد رغبة في استيعاب المزاج غير الإيراني الذي كشف عنه الحراك العراقي" فيها عبثية تلامس حدود الكوميديا السوداء التي نجدها في مسرح اللامعقول.. والسبب هو اسلوب التَوْرية في عبارة "المزاج غير الإيراني"..  فنحن هنا امام عبارة خجولة.. عبارة "تلطيف أجواء" اذا ما استحضرنا مشاعر العداء لإيران داخل "الحراك العراقي".. اما السبب الآخر لهذه العبثية فهو الاستخدام الكليشاتي لعبارة "مرجعية النجف".


حازم الامين يقر بـِسبات "مرجعية النجف" من دون ان يفسر هذا السبات.. لماذا "مرجعية النجف" لم تبد رغبة في استيعاب المزاج غير الإيراني الذي كشف عنه الحراك العراقي" ؟ لا تعرف .. لماذا كل "الاغتيالات المتعاقبة والقتل المعلن للناشطين لم يخلف بالمرجعية غضباً كافياً كان، لو حصل، سيصعب على القتلة مهمتهم"؟؟ ايضا لا تعرف .. عَالَم حازم الامين هو عالم صدفوي بلا سببية.. عالم "يا نصيب" تهبط فيه رغبات المرجعية او لاتهبط .. عالم حازم الامين هو عالم ما قبل ماكيافيلي ..عالم "سحري" لا يعرف مفهوم الحسابات السياسية.. عالم حازم الامين هو عالم ما قبل سيغموند فرويد يعيش فيه الناس بلا دوافع وهواجس سايكولوجية .. لا بل ان عالم حازم الامين هو عالم ما قبل ارسطي لا يعرف مفهوم التصنيف.. الاشخاص فيه بلا خصائص بلا جنس بلا اصل او فصل.. لا غرابة بعد ذلك ان "مرجعية النجف" في هذا العالم هي كائن هلامي مجرد وليس اشخاص يمتلكون تاريخ وسيرة واصل وفصل.


قبل عدة اسابيع وقعت عيني على حوار فنطازي دار في حقل التعليقات على موضوع نشرته احدى الصحف بخصوص السيستاني.. ساسجله هنا :

ـ احدهم : السيستاني ليس عربيا وبالتالي فمن المستحيل ان يدافع عن القضايا العربية.

ـ فيجيبه شخص من "ربع" السيستاني : صحيح السيستاني ليس عربيا ولكنه سيد من احفاد رسول الله.


ليس عربيا ولكنه حفيد رسول لله !! ( شلون رهمها.. متعرف) !! هذه الجملة الناسفة لابسط مقومات المنطق هي نتاج ايمان سحري بالكلمات.. ركوع عمياوي أمام رتابتها المخدرة للحواس.. الكلمات هنا تمارس سلطة مطلقة على مستخدمها.. تهيمن عليه.. تحوله الى خروف يمشي خلفها بقطيعية.. اللغة هنا فاشية كما يقول   رولان بارت


وحازم الامين جوهريا لا يختلف عن صاحب درة "ليس عربيا ولكنه حفيد رسول للهلأن الامين يستخدم عبارة "مرجعية النجف" بنفس الميكانيكية.. لسان حال حازم الامين يقول: صحيح السيستاني ليس عراقيا ولكنه يقيم في النجف!! وبما ان السيستاني يقيم في النجف فأن مرجعية النجف هي بالمحصلة مرجعية محلية عراقية وعليها بالتالي استيعاب المزاج غير الإيراني للحراك العراقي"!! السيستاني في عِرف حازم الامين هو كائن ميتافيزيقي عابر للسايكولجيا والايديولوجيا.. عابر للحدود الجغرافية والثقافية


في مذهب "الاسمية"  Nominalism هناك مسلمة تقول بان "التسميات" ما هي إلا اصطلاحات "مفبركة" تحاول وصف الواقع وبالتالي فلا يجب تبنيها كحقائق مطلقة.. بمعنى اخر هناك دائما فجوة بين الاسم والمسمى.. فجوة بين المبنى والمعنى.. لهذا السبب عليك دائما الحذر من التسميات الشائعة وعدم استخدامها كما لو كانت انعكاس أمين للواقع.. وهذا ما لا يقوم به حازم الامين حين يستخدم عبارة "مرجعية النجف".. فخلف عبارة "مرجعية النجف" هناك بشر مثلي ومثلك.. بشر تعتمل في دواخلهم دوافع و نوازع البشر.. بشر تحركهم عواطف وتؤطرهم سايكولوجية حددتها طفولتهم ومرابع صباهم .. بتعبير آخر .. خلف عبارة "مرجعية النجف" هناك اشخاص ولدوا في قم ونيسابور وتخوم افغانستان.. خلف عبارة "مرجعية النجف" هناك اناس "تعلموا الفارسية" من خلال شاهنامة الفردوسي .. خلف عبارة "مرجعية النجف" هناك انسان ولد في ايران وعاش صباه في مرابعها وترك فيها اثمن ذكرياته.. وحازم الامين يريد من هذا الرجل الايراني "المسكين" استيعاب "المزاج غير الإيراني" للحراك العراقي !! حازم الامين  يريد من انسان "ذو مزاج ايراني" استيعاب "المزاج غير الإيراني" للحراك العراقي !!

 

وأنت اذا ما استبدلت عبارة "المزاج غير الإيراني"( الخجولة في وصف مشاعر "الحراك العراقي") بعبارات اخرى.. فأنت ستحصل على جرعة عبثية اكبر .. فحازم الامين في الواقع يريد من ايراني دعم "حراك عراقي" يحرق القنصليات الايرانية !! هو يريد من ايراني "استيعاب" حراك عراقي يرفع شعار "ايران برا برا" لأنه سئم من دور التاجر الايراني في تحويل العراق الى طاولة كازينو للعب القمار السياسي مع "ال كابوني"!! فقط عندما نعيد تشكيل منطق حازم الامين بهذه الطريقة سنعثر على العبثية النائمة في جملة "مرجعية النجف لم تبد رغبة في استيعاب المزاج غير الإيراني للحراك العراقي"!! وسنكتشف بنفس الوقت "براءة" حازم الامين اللغوية وسذاجته المنطقية

  

من يقول لحازم الامين "كوكوووو" صح النوم.. من يعاتبه على نومه الثقيل في "تسميات" مخدرة للحواس.. من يذكره بالحكمة الانثربولوجية والشعرية الشهيرة والتي يحفظها كل طلاب المدراس العربية : كم من منزل في الارض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل.. من هنا فليس من "آداب الضيافة" مطالبة "فتى" حفظ شاهنامة الفردوسي في شبابه بالوقوف في ارذل العمر مع "حراك عراقي" معادِ لمنزله الاول !! من يقول لحازم الامين بأن عدم ابداء"مرجعية النجف" رغبة في استيعاب المزاج غير الإيراني للحراك العراقي"..لا يدعو للتساؤل او العجب .. لانه رد فعل يتماشى مع كل مسلمات الانثربولوجيا والسايكولوجيا البشرية.. ما يدعو للتساؤل والعجب هو ان حازم الامين لم يبد حتى اليوم رغبة في "استيعاب" المزاج الإيراني "لمرجعية النجف".. ما يدعو للعجب هو ان حازم الامين يريد من انسان "ذو مزاج ايراني" استيعاب "المزاج غير الإيراني" للحراك العراقي !!  ما يدعو للتساؤل والعجب هو ان حازم الامين لم يفهم حتى اليوم ان المزاج الإيراني للسيستاني هو بالتحديد ما يمنعه من استيعاب "المزاج غير الإيراني" للحراك العراقي.


 باختصار .."مرجعية النجف" او بالاحرى "المرجعية الايرانية في النجف" استوعبت جيدا "المزاج غير الإيراني" للحراك العراقي وفهمت ابعاده السياسية ومخاطره الجيوسياسية على "أول منزل"!! وهي قد استخدمت وسوف تستخدم كل ما جعبتها من الحيل اللغوية والخطابات الحمالة الأوجه من أجل إفشال "الحراك العراقي".. من "يحن لمنزله الاول" لا ولن يدعم حراك عراقي مشاكس لحلم إيران التوسعي.. حتى وزير الخارجية الإيراني في عهد الشاه اردشير زاهدي .. وهو واحد من أشد معارضي حكم الملالي.. اصبح اليوم يتغنى بقاسم سليماني وبغزواته في المنطقة العربية !! يا لثارات يزدجرد !! وكثر هم الايرانيون المقيمون في البلدان الغربية ممن يدافعون اليوم عن نظام الملالي.. ليس حبا بالنظام .. لا .. بل لان ايران وبفضل ولوجها الفكري والسياسي في العراق وما منحها ذلك من عمق جيوستراتجي وتأثير في المنطقة العربية حجزت مقعداً على "طاولة الكبار".. وهذا مكسب سياسي يداعب الذات القومية الايرانية التي نفخها الفردوسي حد العنصرية في الشاهنامة.. وفقط ساذج مثل حازم الامين لازال يطالب "فتى" قرأ الشاهنامة في شبابه "باستيعاب" ودعم حراك عراقي يريد اخراج ايران من العراق وبالتالي تحجيم دورها جيوستراتيجيا!

شخصيا ما كنت ساضيّع بضعة ساعات من وقتي لو كان الأمر يتعلق فقط بسذاجة حازم الامين.. هناك في هذا العالم اشياء اهم بكثير من سذاجة كاتب صحفي.. ولكن سذاجة حازم الامين تستوقفني لأنها تدلنا على سذاجة أخطر بكثير على مستقبل العراق .. فهناك في "الحراك العراقي" كثر مَنْ هُم مثل حازم الامين انتظروا ومازالوا ينتظرون من ملا ايراني ان يدعم "حراك" يرفع شعار "ايران برا برا".. يقولون لك "الخائفون لا يصنعون الحرية".. ربما .. ولكن السُذَّجْ ايضا لا يصنعون لا حرية ولا بطيخ