حرب اهلية .. يعني حرب بين "الاهل".. حرب في الداخل وبين عناصر الداخل وهي بالتالي حرب الداخل .. وهذا الوصف وان كان يحمل بعض الصحة ولكنه وصف ناقص.
انظروا الى كل الحروب الاهلية ستجدون دائما ان الخارج موجود في الداخل وفي "حروب الداخل".. من الحرب الاهلية الاسبانية ، الاشهر بين حروب العصر الاهلية ..مرورا بحرب لبنان الاهلية (التي تهدد بالاشتعال مجددا اليوم) .. وانتهاءً بما يحصل في العراق اليوم .. الخارج هو عنصر مهم في هذه الحروب التي لازالت تسمى اهلية.. اي بين الاهل .. بين الداخل .. وهذا لايعني ان الداخل ليس له حصته من المسؤولية .
في "السياسة" الداخل مرتبط بالخارج .. والخارج يؤثر بالداخل .. وهذا ينطبق بشكل اكبر على منطقتنا وعلى عراقنا ..عندنا هشاشة بنيوية مخيفة .. هشاشة نظام مناعتنا الداخلي يسهل من فعالية "الفايروسات" الخارجية .. هشاشة الداخل تضاعف من قوة الخارج والعكس صحيح تقريبا.
ربما سمعتم قبل ايام نصيحة كيسنجر لبوش في ان يدخل في نقاش مع ايران وسوريا من اجل ايجاد حل لما يحصل في العراق .. و تعرفون ان كل مخابرات المنطقة والدول الكبرى تسرح وتمرح في العراق .. ويقولون لنا حربا اهلية .. يريدونها كذلك.
تعبير الحرب الاهلية هو تعبير شائع وهو ككل التعبيرات الشائعة .. بسيط .. من هنا سبب شيوعه .. وهذه البساطة غالبا ما تُغيّب المعقد .. وفهم المعقد هو احد شروط حل مشاكلنا المستفحلة .. فهم المعقد هو احد شروط تحييد الشعارات التي تغتالنا وتغتال العراق.
طغيان الشعارات على "نقاشنا" السياسي هو احد اسباب ازمتنا .. من يحكم بلدا بالشعارات يقتل هذا البلد .. كل مرة شعارات .. وكل مرة موت .. عدم تحررنا من اسلوب الشعارات راجع الى كوننا مسجونين في كلماتنا .. ندافع عن نرجسياتنا ونخسر انفسنا .. ندافع عن الشعارات ونقتل "اطفالنا" .. ندافع عن الهويات الضيقة ونخسر انسانيتنا.
كلما "استهلكنا" كلمات وشعارات الساسة .. كما "سلعهم الاخرى" لانهم تجار جرح .. بدون قراءة "تاريخ صلاحية" سلعهم .. فهناك خطر تسمم ينتظرنا .. الاعراض التي امامنا تشير الى تسمم مخيف "للنفوس".. كلنا نشخص التسمم .. ولا احد يريد الاعتراف بمسؤوليته في ذلك .. لا نفهم اسباب التسمم .. لا نريد مواجهته كتسمم .. لا احد سيعطينا دواء ناجع، ذلك ان "اطبائنا" دجالون .. اترك لمخيلتكم النتيجة.