2008/02/29

طبول وابواق .. في مديح العسكر "العملاء


يقال ان احمد الجلبي قد اعترف قبل يومين في لقاء مع مجموعة من الشخصيات العراقية في لندن" بان الطبقة السياسية وهو منها، فشلت في اقامة حكم وادارة الدولة .. وحذّر من أن استمرار الفشل سيؤدي الي فوضي خطيرة".. و" ان العملية السياسية الحالية فقدت شرعية حكمها بسبب عدم وجود قاعدة شعبية تستند عليها، وان ما تعتمد عليه الآن في ادارة البلاد مستمد من الحالة الطائفية التي أفرزتها العملية الانتخابية السابقة

ساضع جانبا الطابع "الاستهبالي" لكلمات هذا البوق الطائفي .. فاحمد الجلبي هو من اعطى رفاقه السنة في"حزب" المؤتمر درسهم الاول في الفهلوة السياسية حين رفع شعار "البيت الشيعي" .. ذات لطمية اصابع بنفسجية، حلف فيها المنتخبون على قرآن الميليشيات قبل الدخول في حضرة صناديق الاقتراع .. البيت الشيعي قد تحول اليوم الى "مشتملات" متصارعة .. وقفزة هذا الجرذ الى بحر الاستهبال تعني ان السفينة ذات الخشب الطائفي المتعفن توشك على الغرق .. لايهمني الرجل هنا بقدر ما تهمني "الثقافة" التي انطلق منها ومعه الكثيرون من الانتهازيين من حملة مصاحف الطائفية .. الواقع الكارثي الذي نراه اليوم هو منتج هذة الثقافة .. ثقافة اللطم : كليشاتهم ..انصاف حقائقهم ..تحليلاتهم المبتسرة .. تسطيحهم للمعقد العراقي والاقليمي ..هي من قتلت وتقتل العراق .

هناك جملة مهمة اطلقها الجلبي قبل ان ترفع مصاحف الطائفية على رمح فتوى .. قالها الجلبي محاججا من طلبوا تأجيل الانتخابات لعدم توفر شروطها ليقول ما معناه : ان الشيعة لن يرتكبوا نفس خطأ القرن الماضي حين رفضوا التعامل مع الانكليز وقاطعوا العملية السياسية ابان تأسيس الدولة العراقية .. وهي في الحقيقة جملة من "ادبيات" ثقافة اللطم الكليشياتية .. والتوقف عندها ليس مضيعة للوقت .. قليل من اللون الرمادي لايضر في مواجهة ثقافة الاسود والابيض التي قتلتنا .

جملة الجلبي هي مسلمة مقبولة حين لانذهب في قراءتنا للتاريخ العراقي المعاصر ابعد من كتاب "الشيعة والدولة القومية" للفهلوي حسن العلوي (يسمونه مفكرا، اية اهانة للفكر) .. بمعنى انها تقبل التصديق فقط لانها تطبير فكري داخل مروية المظلومية .. ومروية المظلومية تحليليا ومن منظور تاريخي سوسيولوجي ما هي الا سلاح في المعركة الطائفية حيث تنتقى احداث التاريخ لكي توظف لخدمة الصراع على السلطة .. من حق المثقف لطميا ذو العقلية الاسطورية اللاتاريخية ان يتكلم عن حقائق ومسلمات وان يصدقها حد الهذيان القاتل .. كل له الحق ان يظل غبيا مجترا للخطب التاريخية ومجتزأ ومنتقيا لاحداث التاريخ .. ولكننا لسنا مضطرين لتصديق عقلية اسطورية غير فاعلة تاريخيا لان اسطوريتها تضعها خارج التاريخ .. ليس بالخزعبلات وحدها يحيا الانسان .

الشيعة قد اخطأوا تاريخيا بمقاطعة العملية السياسية ابان تأسيس الدولة العراقية ..قال لنا الجلبي قبل اربع سنوات .. ولكن الشيعة اليوم لم يفوتوا قطار المحتل وهم في صميم عمليته السياسية.. فماذا كانت النتيجة.. فشل ذريع اخر كما يقول الجلبي قبل ايام .. احمد الجلبي لايقول لنا ما هو السبب وراء الاخطاء التاريخية المتكرر "للطايفة" .. هل هو سؤ حظ ازلي ؟ ام هناك عوامل اخرى لم تضعها ثقافة اللطم في الحسبان عندما "شغّلت" اسطوانة المظلومية ..نفهم ان ذلك خارج امكانيات سارق بنوك .. ولكن ماذا عن اقلامه التي استأجرها ذات معارضة فنادق لندنية .

يبدو ان الجلبي لا يستطيع اليوم الاستعانة بقلم استأجره سابقا .. حسن العلوي يرتزق اليوم من مصدر اخر .. قل لي من اين ترتزق اقل لك من انت !! الفهلوي العلوي يشاهد اليوم متبرما سذاجة تحليلاته الاجترارية السابقة .. وهو من جديد يسافر مجترا في تاريخ تجاذبات صريفة بني ساعدة ليهدئ الحيوان الطائفي المسعور الذي اطعم ذات كتاب لطمي .. نتيجة الجهد الاجتراري اليوم وبعد خراب البصرة هو : "عمر والتشييع" .. والدفع اليوم سعودي .. استمر "رفيق" ، استمر .. قد لا تعرف الكثير ولكنك تعرف من اين تؤكل الكتف .

الشيعة قد اخطأوا تاريخيا بمقاطعة العملية السياسية ابان تأسيس الدولة العراقية .. تقول الكليشة.. والمتضمن في هذه الجملة هو ان استحواذ السنة على الحكم يعود الى تعاونهم مع المحتل الانكليزي .. وفي سبيل ان يستحوذ الشيعة على الحكم فالبرغماتية الضدية تقتضي التعاون مع المحتل الجديد .. تعاون مع محتل تحصل على دولة .. وهنا ايضا ينتقم الواقع من الكليشة ..الطبيعة الابتسارية لتحليلاتهم هي من اهم اسباب فشلهم الذريع .. وهذا الفخ الذي وقعوا فيه اليوم هو نتيجة عمى تحليلي لمسار بناء الدولة العراقية.. وجهل بحقائق تلك المرحلة .. واولها ان من قاموا على تأسيس الدولة العراقية ـ فيصل الاول والضباط الشريفيين ـ لم يكونوا "عملاء" .. وكل من لايكتفي بكتب ثقافة اللطم، واصدارات دكاكين الحزب الشيوعي العراقي، يعرف ذلك .. فلا يكفي ان تكون "عميلا" لتبني دولة ولتُقيم حكم .. التحالف مع الاجنبي ليس كافيا .. والكارثة الحالية دليل ساطع.

علاقة من قاموا على تاسيس الدولة العراقية مع الانكليز كانت علاقة صراع .. ومسار حدته قد تباين حسب الظروف .. حنا بطاطو عندما يتطرق لمسار وشخصية نوري السعيد يحكي عن هذا المعقد المختزل كليشاتيا في ثقافة اللطم كما في ثقافة اليسار العراقي .. وقمة هذا الصراع كانت في بداية الحرب العالمية الثانية وبعد احتلال فرنسا من قبل المانيا وتراجع موقف بريطانيا جيوسياسيا .. حين قام قادة الجيش العراقي وهم الرعيل الثاني من الضباط الشريفيين،وكلهم من المقربين من نوري السعيد .. بالتحرك ضد بريطانيا في انقلاب مايس 1941 .. لانهم ومن دافع المصلحة العراقية كانوا يعتقدون بعد تغير ميزان القوى الدولي ان توجُه نوري السعيد السياسي ذو الهوى البريطاني لم يعد في مصلحة العراق الوطنية .. ونوري السعيد وفي محاولة منه لاقناعهم بخطا تحليلاتهم يقول لـ صلاح الدين الصباغ من انه لو كان مقتنعا بتحليلهم السياسي فانه سيكون أول من يرفع المسدس بوجه البريطانيين وهذا ما يرويه حنا بطاطو :

But the real underpinning, at that time, of Nürï’s position was provided by Sabbagh’s army group, which continued to work closely with him and with his ally, the Minister of Defence Taha al-Hashimi, until the defeat of France in June of 1940, when the group developed the belief that Nürï’s strongly pro-British orientation was no longer in the national interest. Nuri apparently tried to change Sabbagh ‘s mind. If he knew, he would be the first to draw his revolver and fire at them. H .Batatu The Old Social Classes .. Pp.345

حتى اكثر هولاء ارتماء في احضان البريطانيين كانوا اصحاب مشروع عراقي قبل كل شيء .. من قاموا على الدولة العراقية قاتلوا الدولة العثمانية السنية واصطدموا برجال الدين السنة من رموز الطائفة السنية ايام الحكم العثماني ( الاشراف وابناء البيوتات السنية كانوا يعيرون الضباط الشريفيين باصولهم المتواضعة وحاولوا كل جهدهم من اجل منعهم من العودة الى العراق حين كانوا في سوريا لانهم منافسيهم على السلطة) .. وكان نموذج دولتهم العلمانية التي ارادوا هو نفس نموذج زميلهم في الكلية الحربية العثمانية مصطفى كمال اتاتورك ..وشيدوا واحد من اكثر الانظمة التعليمية طموحا في المنطقة .. ولكنهم في نظر "الطبول" الشيعية "سنة" .. كم كان اتاتورك محظوظا .. الامبراطورية العثمانية اورثته تراكم هائل وفي جميع الميادين وخصوصا المؤسساتي .. ولكنه محظوظ اكثر لانه "سني" في مجتمع اكثريته سنة مما حرم رجال الدين هناك من رفع مصاحف الطائفية بوجهه .

تحية للعسكر "العملاء" .. بناة الدولة العراقية .. نقدر حنكتكم السياسية اليوم اكثر.. بعد ان ملئت "العناكب السوداء" جدران البيت الذي شيدتم ..حتى القطيع المعتاش على الكليشات والشعارات والهريسة يعرف اليوم كيف تكون العمالة والسرقات والجرائم بحجمها الطبيعي .. وقبل هذا وذاك يعرف اليوم كيف تكون الطائفية على حقيقتها .. وكم يحن لطائفيتكم .



ساضع هنا مقتطف طويل من كتاب حنا بطاطو .. فيه نقاط كثيرة مهمة ومفيدة لقراءة الماضي كما الحاضر .. فيه نجد اسلوب المحتل في سياسة فرق تسد .. وفية نجد ايضا كيف يتحرك الاقليم وفقا لقواعد اللعبة الكبرى .. وما هو اهم هو اننا نجد فيه طبيعة العلاقة الشائكة والصراع بين فيصل الاول والضباط الشريفيين وبين الانكليز .. و فيه ما يمكننا من نقض فضفاضية مفردات السنة والشيعة من الناحية الاصطلاحية .. ندفع اليوم ثمن هذه الانزلاقات الاصطلاحية .. وفيه اخيرا ما ينقض الكليشة اللطمية التي تقول ان الشيعة لم يتعاونوا مع الانكليز .. طبول كثيرة كانت تقرع وتزايد طائفيا كلما اراد الانكليز تحجيم طموح فيصل الاول والضباط العراقيين .. نص حنا بطاطو هنا يجعلنا نعرف ان البوق الطائفي احمد الجلبي الذي استخدمه الامريكان في السنوات الاخيرة ليس ظاهرة جديدة .. فقد سبقته في القرع الطائفي
طبول.




By 1927 Faisal felt the ground firm enough under his feet to bid defiance to British policy. A critical trial of strength began between him and High Commissioner Henry Dobbs that was to last until 1929. The real bone of contention was the control of Iraq’s military defence. The British government, while desiring that the extra cost of stationing a British air force be borne by Iraq, and giving the king reason to believe that this force would not be available to him in the event of external aggression-or at least to suspect a let down in an emergency-insisted on retaining ultimate say with regard to the movements and dispositions of Iraq’s own army. Faisal and the principal ex-Sharifian officers refused to yield on either point. Moreover, in order to strengthen the defensive capacity of the country and curtail its expenditure, they sought to substitute universal military service for the existing voluntary system. But, as shown elsewhere, the high commissioner defeated their purpose.

The sequel bears examination, inasmuch as it throws into sharp relief the difficulties of the Crown, the complexity of the interests at play, the tactics of the English, and Faisal’s own methods. P.327

Faced with a political agitation for universal military service and complete independence, inspired by the king and spearheaded by such ex-Sharifians as Nuri as-Sa’id and Jamil al-Midfa’i, the high commissioner deemed it “most desirable” that “means should be found of getting His Majesty away from Baghdad.” An invitation to visit London was extended to him in a message which was couched in such terms as to leave the impression with the king that a revision of existing policy was intended. P.327


Faisal departed for England in August of that year, and there was left in a state of uncertainty for almost four months, only to be doled out scraps of concessions in the end. But more instructive were the things that went on in Iraq and behind his back. P.327

In the first place, Amin ach-Charchafchi, the leader of the Shi’i inclined Nahdah party, opened a fierce attack on Faisal and the Iraq government in his paper An-Nahdah, which he began to publish soon after the king’s departure. The bitter articles were calculated to provoke communal animosity and embitter the feelings between Shi’is and Sunnis. They dwelt upon and exaggerated past conflicts and old grievances. Simultaneously there was a surreptitious agitation against the Sunni dominance of the government and for the continuance of undiminished British control. The chief Shi’i ‘ulama’ refused to give countenance to these activities. Charchafchi himself left no doubt as to to the side from which he was receiving encouragement: “its commonly believed throughout the Euphrates,” affirmed a British intelligence report :

That His Excellency the High Commissioner is supporting the Sh’i’i agitation and Amin Ach-Charchafchi in his conversation has al ways managed to convey this impression. For instance, when talking to Shaikh Aid Ad-Daud on 17th September [1927] he said that His Excellency had made him some promises regarding the Shi’is and that he intended visiting him on his return. Also Shaikh Jawad Al Jawahiri told the Inspector of Police, Najaf, that they were anxiously waiting for the return of His Excellency and that they were “ready to beat the drum” if he wished them to do so. P. 328

……

In the second place, prominent Sunni ‘ulama’-and this is a stratum that was as a rule politically quiescent-began suddenly to discuss the desirability of a republic….They endeavoured to gain influence among the Shi’is with the object of sounding them as to their possible attitude toward such a project.

In the third place, a number of influential mallaks of Basrah revived their old demand for “a separate Basrah under British protection.” p.328

In the fourth place, the Ikhwan of Najd, led by Faisal ad-Dawïsh, chief of the ‘llwah Mutayr, launched in this period repeated attacks on Iraq, which continued after Faisal’s return from England….. The student of Iraqi history cannot help noticing that Dawïsh carried out his raids precisely on those occasions when the Iraqis or their government would not bend to British wishes, that is, in 1922. when the king stood against the “Mandate;” in 1924, when a powerful antitreaty opposition developed within the Constituent Assembly; and, lastly, in the circumstances now under discussion. It appears unlikely that Dawïsh should have attacked, at least in 1927-1928, unless he knew beforehand that the British air force, which was still committed by treaty to the defense of the Iraqi borders, would give him a free rein. interestingly enough, on 11 January 1929, the secretary of state for the colonies directed the high commissioner “to exercise [his] judgment in using the present situation on the Iraq-Nejd frontier to emphasize the necessity for the continuance of British support and the dependence of lraq upon such support. “

Of course, the British did not create the separatist proclivities of Basrah’s mallaks or the animosity of Shï’ïs and Sunnis or of Sa’udis and Hashemites. All these issues have their deeper causes. But it looks as if there were gentle British pushes with the elbow somewhere along the line. P.329

H .Batatu. The Old Social Classes, Pp. 327 -329 

2008/02/14

سيدة الصواريخ والفيلة

Truth cease to have the effect of truth by being exaggerated into falsehood. J.S. Mill

الحقيقة تكف عن اداء فعاليتها كحقيقة عندما تبتذلها المبالغات.. جملة ستيوارت ميل رائعة.. نستطيع ان نقول ايضا ان المبالغات قد تجر الحقيقة الى حدود الكذب.. واقصر الطرق الى ابتذال الحقائق هو الاستخدام السياسي لها.. والاستخدام السياسي للماضي العراقي اليوم يدخل في هذا الاطار.. فـ"المظلومية" كوسيلة لاستخدام الماضي من اجل استغلال الحاضر قد تحولت الى "جاموسة مقدسة" تدر منافع سياسية واقتصادية.. والمجال مفتوح لمن تأخروا على مواكب اللطم السياسي.. و"مكابدات" الانسة باسمة الحيدري التي كتبت عنها صحيفة الـ "يو اس اي تودي" مثال صارخ للاستخدام النفعي للمظلومية.  

باسمة الحيدري هي امرأة شيعية عينها مكتب المالكي لتدير لجنة مراقبة تقرر من يحق له الالتحاق بالاجهزة الامنية.. ويبدو ان حماسة باسمة الحيدري في "الفرز" الطائفي قد ازعجت الجنرال ديفيد فيليبس المسؤول الأميركي عن الشرطة العراقية.. فهو يروي للصحيفة الامريكية بأن ضابط شيعي كبير في الجيش العراقي هو (عدنان ثابت) كان قد أرسل قائمة بمجندين للجيش كان 45 بالمئة منهن سنة.. وما أنْ وصلت القائمة الى باسمة الحيدري حتى اسقطت منها كل الأسماء السنية.. لا بل انها ازاحت الضابط الشيعي عدنان ثابت عن منصبه لنفس السبب.. والجنرال فيليبس يعتقد ان امثال الحيدري يقفون عائق امام المصالحة.. و"المصالحة" ضرورة مرحلية للادارة الامريكية قبل الانتخابات المقبلة.. ليس غريبا فكل مراحل العملية السياسية الميتة سريريا كانت رهينة للاجندة السياسية الداخلية الامريكية.

مسار باسمة الحيدري مهم.. ليس لانها امرأة تتولى مركز حساس كما يحاول ان يقول الصحفي الامريكي.. فهذا الصحفي لا يعرف ان تاريخ اول وزيرة في العراق يعود الى نهاية الخمسينات في القرن الماضي.. وكونها متخصصة بالصواريخ ليس جديد ايضا.. الكفاءات النسائية في العراق كثيرة ومشهود لها.. اهمية حكاية سيدة الصورايخ تكمن في ماضيها الوظيفي والسياسي.. وهي تعطينا فكرة عن هذا النوع من البشر الذين يمتلكون قابلية تغير جلدتهم بين ليلة وضحاها عندما تهب رياح التغير.. فِهم المفاصل مهم لفهم كيف تعمل العجلة التي تدوس العراق اليوم.

فالانسة باسمة الحيدري كانت مسؤولة رفيعة في جهاز التصنيع العسكري وعضوة في حزب البعث.. واندماجها في عجلة الدوس الجديدة وبهذا الموقع المفصلي يدل على ان البعثي مغضوب عليه ليس لانه بعثي.. ولكن لانه سني.. كان البعث يقول العراقي بعثي وان لم ينتمي.. نستطيع ان نقول من مثال الحيدري ان الشيعي شيعي وان لم ينتمي.. يقال ايضا ان اسم الأنسة السابق هو باسمة الساعدي كما يروي العارفون بالمستور السابق.. ولا يحتاج المرء لفطنة كبيرة ليرى الانتهازية في استخدام الانسة لِلقبها الطائفي اليوم بعد ان استخدمت اللقب العشائري سابقا.. المتحول الى "دين" جديد يبدي في العادة حماسة اكبر في معتقداته الجديدة من السابقيين له في الاعتقاد.. لكي يؤمن اندماجة داخل المجموعة الجديدة.. وهذه البعثية السابقة تظهر اليوم ساديتها في الفرز الطائفي لكي يرضى عنها سادتها الجدد ولا يشككوا في ولائها..لا جديد.. هي حتما قد "كسرت" الكثير من رقاب الابرياء ايام "النضال السلبي".. وهي اليوم لا تفعل الا ما كانت تجيده سابقا تحت شعارات مختلفة.. وافترض لو ان الحزب الشيوعي جاء للحكم بعد غد سنراها تهتف بحياة ماركس و تردد "فلتسقط العمامة والرجعية".

ولكن الاهم في حكاية سيدة الصواريخ في نظري يكمن في نقطة اخرى.. فهي ورغم انها كانت من محتلي المناصب الرفيعة في النظام السابق نراها تجتهد في بناء تاريخ معاناة.. في تشييد مظلومية شخصية لكي تتماشى مع السائد الكليشاتي اليوم: انت شيعي اذا انت مظلوم.. وخصوصا وانت امام صحفي امريكي جاءت جيوشه لتحرير المظلومين.. وحتما هي تمتلك من الخبرة "الحركية" ما يكفي لتعرف ان سادتها في المكتب المالكي سينزعجون اذا هي لم تضع "بهارات وفلفل اسود" على مسار حياتها المثير للشبهات.. وهنا تبدأ حكاية سيدة الصواريخ.. ومعها تسافر "الحقيقة" الى حدود الابتذال.

سيدة الصواريخ تحكي اولا عن معاناتها في مجتمع ذكوري.. يصفق الصحفي الامريكي.. هذة ثيمة تعجب القارىء الغربي.. ولكن هذا وان بدأ واقعيا في مجتمعنا الذكوري من الناحية الاجتماعية فهو غير كافي لتشييد مظلومية مهنية نظرا لان ذلك لم يمنعها من الحصول على مناصب رفيعة اداريا وفي العهدين.. وهنا تتفتق عقلية الانسة عن مظلومية طائفية.. فيصفق الصحفي الامريكي من جديد.. الصحفي الامريكي بحاجة ماسة الى صدام سفاح طائفي في مقاله.. ولكن سرعان ما يخيب ظنه حين يعرف ان صدام لم يقتل عائلة هذه المظلومة: عم وعمة الانسة قتلا دهسا في حادثة جسر الائمة.. ولكن مخيلة سيدة الصواريخ غنية فتقوم بتحميل الارهاب مسؤولية الحادثة الذي راح ضحيته الف "مظلوم" شيعي !! الصحفي يعرف ان سبب الحادثة هو سبب تنظيمي مضاف اليه اشاعة اطلقها شيعي من داخل موكب العزاء.. ولكن الصحفي لا يملك خيار اخر.. بما ان ظلم صدام غير موجود هنا فلابد من ارهاب القاعدة.. القارىء الامريكي سيقوم بافلوفيا بالربط الوهمي بين صدام والقاعدة.

وتستمر الحكاية.. سيدة الصواريخ لم يكن عندها حتى كرسي في مكتبها ايام عملها في النظام السابق.. تصورا هي المسؤولة الرفيعة في التصنيع العسكري!! في العامية العراقية هناك تعبير رائع يطلق على من يذهب في مبالغاته الى حدود اللامعقول فتقول عنه انه "يطيّر فيالة".. أي انه يجعل الفيلة تحلق.. وحكاية الكرسي هي "فيل" خرافي يصعد للسماء تطلقه سيدة الصواريخ.. لا بأس الصحفي بحاجة الى دراما.. و تستمر العذابات ونكتشف في نهاية درب الآلام ان مظلومية سيدة الصواريخ تكمن في كونها لم تعمل في مجال اختصاصها انذاك لانها شيعية في دولة سنية.. ولكنها حتى هنا غير واضحة.. هل كان ذلك بسبب كونها امراة كما قال لها الذكور من حولها.. ام لانها عالمة شيعية اقصتها عدم الثقة السنية.. الاجابة غير قاطعة وهي تقبل الاحتمالين ..الوضوح غير ضروري عندما يتعلق الامر بالنظام السابق.. كل حكاية "ملفلفة" تقبل التصديق.. اطار الكليشات السائد اليوم كفيل بمنحها معنى.

ترى الم يكن بإمكان الحكومة "السنية" الظالمة "اجتثاث" امرأة شيعية بدل من وضعها في منصب اداري رفيع في التصنيع العسكري خصوصا اذا علمنا ان كل زاوية ومفصل في التصنيع العسكري له حساسية امنية وخصوصا المواقع الادارية.. الصحفي يعرف ان علماء شيعة عملوا في المشروع النووي العراقي وهو اكثر حساسية.. ولكن الصحفي يغض النظر عن "فيلة" سيدة الصواريخ.. القارئ الامريكي يحتاج الى قصص معذبين ومظلومين ليستمر افتراضيا في لعب دور المحرر والمنقذ.. واسئلة ساذجة من نوع : ترى كم امراة سنية لم تعمل في مجال اختصاصها انذاك.. وكم امراة سنية عانت من ذكورية مجتمعنا العشائري.. ليست مهمة في مهنة "عدم" البحث عن المتاعب.

كنت اتمنى ان املك سلطة لكي اُمكن سيدة الصواريخ من العمل في مجال اختصاصها.. تصورا تلك القابلية على اطلاق الفيلة للفضاء والتي عُطلت طائفيا.. اي خسارة وهدر للطاقات.. تصورا تلك "السيدة " تمارس مجال اختصاصها وتحرر طاقاتها الابداعية.. يا الهي.. اتصور سماء بغداد.. صواريخ.. وفيلة.. وحمير ملونة!! يا خسارات العراق ..امام هكذا نماذج لانملك الا ان نعترف بأن الدولة "السنية" كانت مذنبة.. مذنبة اولا عندما أصرت على فتح مدارس للبنات رغم معارضة رجال الدين الشيعة.. ومذنبة ثانيا لانها لم تستمع لتظلمات وظلمات رجال الدين الشيعة الذين نظموا المظاهرات والاحتجاجات وعطلوا الاسواق والحوانيت ضد محاولة الحكومة "السنية" فتح اول مدرسة للبنات في النجف عام 1928 كما يروي عبد الرزاق الهلالي (تاريخ التعليم في العراق. ص. 120 ).. ومذنبة اخيرا لان عالمة الصواريخ التي ربّت وعلّمت ودرّبت ليست امينة لعذابات "حبوباتها" واجدادها في العمارة حين كانت سياط الاقطاع المتحالف مع جهل العمامة تلسع ظهورهم و"تخمس" من نزر ارزاقهم.