قبل ثلاثة ايام اوردت وكالة الاسوشيتد برس خبرا مفاده ان السيستاني افتى سرا بان المقاومة المسلحة للمحتل مسموح بها .. ولكن مقربين من السيد (دام ظلامه) سارعو بنفي هذا الخبر مطمئنين ان ليس هناك من انقطاع في "العلاقة التحت ارضية" بين سراديب النجف وسراديب المنطقة الخضراء .. الملفت للانتباه هو ان خوان كول الخبير في الشأن الشيعي والذي استشارته الاسوشيتد برس لم يشكّك بخبر الفتوى .. وهو في مدونته كتب مقال مطول شارحا فيه الاسباب والدوافع من وراءها .. اظن ان كول لم يشكّك بخبر الفتوى لانه يعرف ان مثل تلك الطريقة الكتمانية باصدار الفتاوى شائعة تاريخيا .. من هنا فهو لم يستبعدها خصوصا ونحن في عصر الـ "تكتيك" حبيبي !!
قد يكون خبر الفتوى ملفقا وقد لايكون .. ولكن الخبر يطرح للنقاش موقف السيستاني من الاحتلال .. ويطرح للنقاش ايضا شروط فتوى المقاومة المسلحة.. ساضع جانبا الابتذال الهائل الكامن في مفهوم الحاجة الى فتوى لكي تدافع عن وطنك المحتل .. وساركز على موقف السرداب الاعظم من الشيطان الاكبر .. ولمعرفة موقف السيستاني يجب طرح حيثيات هذا الموقف .. السيستاني ممثل للشيعة .. وهو في تعامله مع المحتل يعمل وفقا لمصالح واولويات طائفته .. وطالما ان الشيطان الاكبر (دام ظله ) يراعي مصالح الطائفة والاهم من ذلك لا يضر بدور المرجعية فان موقف السيستاني هو موقف بازاري .. "شيلني واشيلك" .. من هنا موقف السيستاني المهادن للاحتلال .. وساضع في النهاية مقتطفات من مذكرات بريمر تبين هذا الموقف بكلمات السيستاني نفسه .
اما بخصوص شروط فتوى المقاومة المسلحة للاحتلال .. فهي تخضع لنفس المنطق البازاري الاول .. السيستاني لمح عدة مرات في السنوات الاولى من الاحتلال الى ثورة العشرين ولدور المرجعية فيها ( وما ادراك ما ثورة العشرين !! فتوى الشيرازي في "ثورة" العشرين هي فتوى "دفاعية" بمفرداتها وصياغتها الحمالة الاوجه ، وهي لم تصدر الا بعد ان القى الانكليز القبض على ابن الشيرازي ونفوه الى جزيرة هنجام ، في حين ان كثير من مناطق العراق كانت ملتهبة قبل تلك الفتوى ) .. و مع ذلك فعلينا ان نحلل معنى تلميح السيستاني الى ثورة العشرين .. لان هناك في ثقافة اللطم قراءتين لثورة العشرين : باطنية وعلنية .. باطنيا المرجعية لاتريد تكرار ما تسميه ادبيات ثقافة اللطم بالخطأ التاريخي بعدم التعامل مع الانكليز .. ثورة العشرين في هذه القراءة هي خطأ ان لم تكن خطيئة .. اما في القراءة العلنية فثورة العشرين هي ليست خطأ وانما حدث يحتفى به بالاحرى يلوح به لاستخدامه سياسيا .
من هذه الازدواجية نستطيع ان نستخلص ان تلميح السيستاني الى ثورة العشرين في سنوات الاحتلال الاولى كان لغرض المقايضة .. "تكتيك حبيبي" .. وخصوصا في اللحظات التي كانت المرجعية تشعر فيها ان الشيطان الاكبر (دام ظله) غير واضح النوايا تجاه الشيعة، كما حصل قبل الانتخابات الاولى حين كان الامريكان يريدون تأجيل الانتخابات لعدم توفر شروطها بينما كان "ابناء البيوتات"الشيعية يريدون فرض واقع ميليشياتهم التي اعطتنا الكارثة الحالية .. من كل ما تقدم فان السيستاني لن يصدر فتوى المقاومة المسلحة الا حين يعتقد ان مصالح الشيعة مهددة .. اما حجة " نرفض الاحتلال ولكننا نعمل على طرده من خلال المقاومة السلمية والاعتصامات" فهو تبرير قد يقنع مشاهدي قناة الفرات اللطمية .. اما لمن يمتلك ذره عقل فهو نوع الاستهبال .
موقف السيستاني من الاحتلال بعد كل تلك السنوات الخمسة واضح لا لبس فيه .. ومن يبحث عن ادلة اكثر يجدها في ما يرويه بول بريمر عن اتصالاته العديدة مع السيستاني في كتابه "سنتي في العراق" الذي صدر عام 2005 وبالتحديد في الصفحات 165 و 166 .. وباختصار فان بريمر يقول انه تبادل مع السيستاني عشرات الرسائل بين شهري تموز وسبتمبر فقط .. وبحسب بريمر فان السيستاني في رسائله كان دائما يشكر سلطة التحالف على ما قدمته للشيعة وللعراق .. والسيستاني كان يرفض اللقاء العلني ببريمر "ليس من باب العداء لسلطة الاحتلال" كما يقول السيستاني لبريمر ولكن لانه يعتقد ان "تجنب الاتصال العلني سيسمح له ان يكون اكثر نفعا للاهداف المشتركة" مع سلطة الاحتلال .. وهنا مقتطفات مما يورده بريمر في كتابه بهذا الخصوص:
موقف السيستاني من الاحتلال بعد كل تلك السنوات الخمسة واضح لا لبس فيه .. ومن يبحث عن ادلة اكثر يجدها في ما يرويه بول بريمر عن اتصالاته العديدة مع السيستاني في كتابه "سنتي في العراق" الذي صدر عام 2005 وبالتحديد في الصفحات 165 و 166 .. وباختصار فان بريمر يقول انه تبادل مع السيستاني عشرات الرسائل بين شهري تموز وسبتمبر فقط .. وبحسب بريمر فان السيستاني في رسائله كان دائما يشكر سلطة التحالف على ما قدمته للشيعة وللعراق .. والسيستاني كان يرفض اللقاء العلني ببريمر "ليس من باب العداء لسلطة الاحتلال" كما يقول السيستاني لبريمر ولكن لانه يعتقد ان "تجنب الاتصال العلني سيسمح له ان يكون اكثر نفعا للاهداف المشتركة" مع سلطة الاحتلال .. وهنا مقتطفات مما يورده بريمر في كتابه بهذا الخصوص:
Just after Liberation, the ayatollah had let it be known through private channels that he would not meet with anyone from the Coalition. And I had not pressed for a personal meeting. Hume, who understood Islam and the Arab world well, succinctly analyzed this situation. “He can’t be publicly seen as cooperating with the occupying powers, Jerry,” he had told me. “Shades of 1920 and all that. And he’s got to protect his flanks from the hotheads like Muqtada. But the ayatollah will work with us. We share the same goals.” p.165
While both the Arab and the Western media lamented the supposed breach between Ayatollah Sistani and the Coalition, throughout the Coalition’s time in Iraq he and I communicated regularly on vital issues through intermediaries. ….And Hume was right. In the early summer, Sistani had sent word to me that his position had not been taken “out of hostility to the Coalition.” Rather, the ayatollah believed that avoiding public contact with the Coalition allowed him to be more useful in “our joint pursuits,” that he would forfeit some of his credibility among the faithful were he to cooperate openly with Coalition officials. As had many secular Shiites and Sunnis, as well as devout but lower-ranking Shia clergy.… In subsequent exchanges I assured the ayatollah that I was well aware of the suffering of the Shia, noting that my first trip outside Baghdad had been to Al-Hillah’s mass graves. And I pointed out that the Coalition was pumping lots of money into reconstruction projects in the Shia heartland. … Between July and mid-September alone, I had more than a dozen exchanges with the ayatollah. Sistani repeatedly expressed his personal gratitude for all that the Coalition had done for the Shia and for Iraq. Pp.166
MY YEAR IN IRAQ , By L. Paul Bremer III with Matthew McConnell. Illustrated. 417 pp. Simon
& Schuster