زيد الزبيدي في الاخبار يقول "عندما أنشأ الحاكم المدني الأميركي بول بريمر مجلس الحكم عام 2003، عيّن فيه أمين سر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، حميد مجيد، باعتباره شيعياً".. ثم يقول ما معناه ان الحزب الشيوعي لم تكن له طوال تاريخه علاقة بالهويات المذهبية والطائفية.
القول بان الحزب الشيوعي لم تكن له طوال تاريخه علاقة بالهويات المذهبية والطائفية هو قول إطلاقي ويفتقد للدقة.. فالتاريخ يقول لنا ان الحزب الشيوعي لم يخلوا من "رفاق" انتموا للحزب بدوافع طائفية او عرقية ..حنا بطاطو مثلا يقول لنا ان “المظلومية” الشيعية كانت من بين الدوافع التي دفعت مهدي هاشم للانضمام الى الحزب الشيوعي .. ومهدي هاشم هو واحد من مؤسسي الحزب الشيوعي في عام 1935 .. وهو حتما لم يكن الوحيد في هذا المسار.
والمقارنة بين سلوك مهدي هاشم وبين سلوك عبد القادر اسماعيل امام قضية سحب الجنسية العراقية عنهما مفيدة في هذا الاطار .. فكلاهما من اوائل الشيوعيين العراقيين .. وقد تم اسقاط الجنسية العراقية عن عبد القادر اسماعيل في 10 آب 1937 من قبل حكومة بكر صدقي الانقلابية .. وقد تم اسقاط الجنسية العراقية عن مهدي هاشم في 6 تشرين الاول 1937 من قبل الحكومة اللاحقة.
ان اسقاط الجنسية العراقية عن مهدي هاشم ادى الى ابراز البعد المذهبي من هويته وذلك عبر تركيزه على ثيمة المظلومية الشيعية .. من هنا مقالته في صحيفة مردام الفارسية في عام 1951 حيث يقول مشتكيا " هناك في السلك الدبلوماسي شيعيان فقط. ومن بين 80 ضابط اركان هناك ثلاثة فقط من عائلات شيعية" (بطاطو ، الطبقات ص.423) .. وهي نفس الارقام الكاذبة التي تداولتها بعد ذلك ابواق المظلومية من دون ان تضع في الاعتبار دور المرجعيات الشيعية التي حرّمت على الشيعة الخدمة في الدولة العراقية آنذاك تحت ذريعة ان الدولة قامت تحت حكم المحتل البريطاني.
تعال الان واقرأ رد فعل عبد القادر اسماعيل وهو "سني" على عقوبة اسقاط الجنسية عنه .. ففي عام 1935 استدعى ياسين الهاشمي خليل اسماعيل وهو شقيق عبد القادر اسماعيل وكان يشغل منصب مدير عام في وزارة المالية وقال له بحدة بان صبره قد نفذ بخصوص نشاط عبد القادر ومقالاته في صحيفة الاهالي .. وأضاف ان عبد القادر يستطيع الحصول على وظيفة مرموقة في الحكومة اذا اراد، وبخلاف ذلك فانه يخاطر بفقد الجنسية العراقية .. رجع خليل شقيق عبد القادر الى البيت وهو حانق على شقيقه ..واخبر والدته بذلك .. حاولت الوالدة اقناع عبد القادر بان لا يتسبب بمشاكل للعائلة وان لايكون سببا في تشتيتها لان شقيقه خليل سيتبرأ منه في حالة اصرار على الاستمرار في نشاطاته السياسية .. فاجابها عبد القادر " لي إخوة كثيرين "في الحزب" ..اعتبريني غير موجود". (بطاطو، الطبقات، ص. 422).
بين العائلة والمبادئ اختار عبد القادر اسماعيل المبادئ التي يؤمن بها .. بتعبير اخر بين الروابط الاولية الضيقة وبين المبادئ اختار عبد القادر اسماعيل المبادئ.. اما مهدي هاشم وفي اول اختبار صعب اختار الروابط الاولية على حساب المبادئ .. اختار الطائفة على حساب مبادئ حزبه التي تتعارض كليا مع الروابط الاولية.. وكثير من الشيوعيين الشيعة فعلوا نفس الشيء بعد افلاس الشيوعية .. وبالتحديد بعد ان اختارت الماكنة الاعلامية الامريكية الترويج لشعار المظلومية الشيعية كمقدمة لاحتلال العراق.. من هنا اصطفاف الكثير منهم الى جانب الاسلامجية الشيعة تحت راية المظلومية الشيعية.
باختصار .. حميد مجيد كما مهدي هاشم هما وجهان لنموذج واحد وهو نموذج ماركس ابو دشداشة الهش فكريا .. انهما يحكيان قصة مسار في التاريخ العراقي المعاصر: مسار خروج من عباءة الملا .. ثم دخول في معطف كارل ماركس .. وعودة اخيرا الى عباءة الملا .. انها قصة "الاسود" الذي صبغ وجهه بالاحمر.. قصة الافكار الحمراء التي ولجت رؤوس مظلمة .. وكما يقول المؤرخ الفرنسي هيبوليت تين " عندما تلج فكرة سياسية مثل تلك الرؤوس فانها تنحط بدل ان ترتقي بها."