حين شبت "الثورات" العربية في تونس ومصر هللت ايران والاحزاب الشيعية في العراق لهذه الثورات .. لا بل انهم ذهبوا حد التزاحم من اجل ادعاء الاولوية في الهام هذه الثورات .. ايران قالت ان الثورة الايرانية هي من الهمت الثورات العربية !! اما الاحزاب الشيعية في العراق فقد ادعت ان "انتفاضة" ١٩٩١ هي من الهمت الثورات العربية اليوم .. وفي ذلك تصدق المقولة المأثورة : التاريخ هو حكايات مجانين تروى لاغبياء.
اما حين اشتعلت "الثورة" في سوريا فان خطاب ايران والاحزاب الشيعية في العراق اخذ نبرة مختلفة تماما .. امام اتساع الثورة السورية وخطر سقوط النظام في سوريا .. تغير الخطاب ..خامنئي قال في ٣١ حزيران الماضي إن "الثورة السورية نسخة مزيفة عن الثورات في مصر وتونس واليمن وليبيا" واتهم الولايات المتحدة الأمريكية بصنع هذه النسخة المزيفة .. اما المالكي فقد قال في ايلول الماضي ان : "إسرائيل هي الرابح الأكبر من الربيع العربي" !! باختصار الثورة السورية هي من صنع الولايات المتحدة الأمريكية .. اما الحكومة الشيعية في العراق فهي من صنع الملائكة !!
لا تحتاج ان تكون خبيرا استراتيجيا لكي تفهم ان خلف هذه الازدواجية الشيعية تقف المصالح الجيوشيعية.. احد الاقلام التي يمولها حزب الله واسمه ايلي شلهوب وهو مقرب من اصحاب القرار الشيعي في ايران والعراق كتب قبل فترة يقول ان "المالكي قد قام أوائل تموز الماضي بزيارة لطهران لمناقشة موضوع الانسحاب الامريكي، تم فيها التطرق الى الوضع السوري، انقسم فيه اصحاب القرار الشيعي إلى فئتين: الأولى فضلت المرونة مع امريكا، لأن الأميركي محشوراً في الزاوية، ولن يقبل بأن ينسحب من العراق ويبقى نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، وبالتالي لا ضرر من التجاوب مع محاولات الغرب في القيام بنوع من المقايضة بين تخفيف الضغط على الأسد في مقابل إبقاء بضع آلاف من الأميركيين في العراق. أما المجموعة الثانية، التي حسمت النقاش لمصلحتها، فقالت بعدم وجود مبرر دفع ثمن أشياء قد أصبحت أصلاً بين أيدينا، بمعنى أن طهران قادرة على فرض الانسحاب الكامل من العراق وحماية نظام الأسد في الوقت عينه، مشددة على أن المعادلة التي وضعتها القيادة الايرانية هي «سوريا مقابل الخليج»، لا «سوريا مقابل العراق».
هكذا يفكر ايات الله في ايران .. المشرق العربي اصبح بضاعة في بازار طهران .. التاجر الايراني يقول : لماذا ندفع ثمن أشياء قد أصبحت أصلاً بين أيدينا وهو يقصد العراق .. بمعنى ان المضاربة مع الامريكي هي ليست «سوريا مقابل العراق» .. لا،لا التاجر الايراني يريد «سوريا مقابل الخليج» .. هذا هو تفكير المرشد الاعلى الشيعي باطنيا في حين انه يقول لك في الاعلام "اخوان سنة وشيعة...." الى اخره من الكلام الفارغ .
ما لا يفهمه التاجر الايراني المتشاطر هو انه خسر سوريا منذ اشهر طويلة .. من يقول للتاجر الايراني ان يفتح اذنيه ليستمع الى الشارع السوري ليفهم حجم العداء الذي تحمله شعارات المتظاهرين السوريين لايران.. لقد خسرت ايران سوريا في اللحظة التي صرح فيها المرشد الاعمى ان الثورة السورية هي نسخة مزيفة عن الثورات العربية صنعتها امريكا .. وخسرت ايران سوريا في اللحظة التي نظم فيها حزب الله مؤتمرات لدعم شيعة البحرين في حين انه ابدى تأييده للنظام العلوي في سوريا.. وخسرت ايران سوريا في اللحظة التي ارتفعت ابواق الاحزاب الشيعية في العراق لتعرب عن خشيتها من وصول السلفيين المتطرفين إلى السلطة في سورية مما قد يؤدي الى تعاظم المشكلة الطائفية في المنطقة كما قال جلال الدين الصغير القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي!!
تصورا الصفاقة .. جلال الدين الصغير الذي حوّل جامع براثا الى سجن لتعذيب وقتل عراقيين ذنبهم الوحيد انهم يحملون اسم عمر اوعثمان يخشى من ان صعود السلفيين في سوريا قد يؤدي الى تعاظم المشكلة الطائفية في المنطقة !! الاحزاب الشيعية التي سخرت سياسيا شعارات المظلومية والمواكب التطبيرية المجترة لاحقاد القرون الوسطى تتخوف من وصول احزاب متطرفة الى السلطة في سوريا !! احمد الجلبي صاحب فكرة البيت الشيعي والذي قال ذات يوم لصحفي امريكي ان الطائفية مفيدة انتخابيا قلق من تعاظم المشكلة الطائفية في المنطقة !!
كان على الشيعيون ان يفهموا ان الطائفية هي سلاح مدمر عابر للحدود.. كان عليهم ان يفهموا ان من يزرع الريح يحصد العاصفة .. الكارثة الحقيقية هو ان الشيعيين في العراق لا زالوا ينامون في اكاذيبهم عن الارهاب والسلفيين كما لو انهم لم يساهموا في اشعال الحرب الطائفية .. لم يفهموا بعد ان التطرف فكرة قبل كل شيء وبهذا المعنى فان محكية المظلومية المجترة لتجاذبات صريفة بني ساعدة هي اصل التطرف .. لقد صنعوا برميل بارود طائفي وسموه ديمقراطية.. وهم اليوم قلقون من تعاظم المشكلة الطائفية في المنطقة !! توماس هوبز الذي وضع اول نظرية سياسية لحل الحرب الاهلية يقول: "الجحيم هو حقيقة نراها متأخرين".
Hell is truth seen too late