نشر البير داغر وهو أستاذ جامعي لبناني مقال يناقش فيه كتاب الباحث ستيفان وينتر «شيعة لبنان في ظل الحكم العثماني، 1516-1788» الصادر في 2010 .. ويبدو ان كتاب وينتر الذي يؤرخ للعلاقة الجيدة بين النخب الشيعية اللبنانية وبين السلطة العثمانية قد ازعج داغر لانه يُكذب محكية المظلومية الشيعية .. فحوى مقال داغر هو ان وينتر قد اخطأ في اختيار عنوان كتابه لان العنوان لا يعكس مضمون الكتاب .. فـ وينتر بحسب داغر قد تطرق لتاريخ اقطاعيين من أبناء الطائفة الشيعية معتبراً أنّه إنما يؤرخ للشيعة .. من هنا تساؤل داغر : كيف تحوّل تاريخ النخب الشيعية التي كانت تتولى جباية الضرائب إلى تاريخ لمذهب وطائفة بكاملها؟ .. داغر يقول ان وينتر قد استخدم على الدوام في معرض الحديث عن الاقطاعيين الشيعة صفة هؤلاء المذهبية بدل تسميتهم بالاسم.
هل ترون ما ارى ؟ لا !! اذا تعالوا نطرح اسئلة داغر بطريقة اخرى .. تصورا انفسكم امام حسن العلوي او امام اي كويتب شيعي اخر ممن اشاعوا محكية المظلومية .. وبادروهم بهذه الاسئلة : كيف تَحوّل تاريخ النخب السنية التي كانت تتولى الحكم في العراق إلى تاريخ لمذهب وطائفة بكاملها؟ ولماذا في معرض حديثكم عن الحكام السنة تستخدمون صفة هؤلاء المذهبية بدل تسميتهم بالاسم ؟؟ هذه الاسئلة هي اسئلة ازمتنا .. اسئلة خرابنا.. اسئلة الطائفية السياسية التي قتلت العراق وهي في طريقها لبعثرة كل منطقتنا .. وهي اسئلة غيبها صراخ الكتاب الشيعة الذين اشاعوا محكية المظلومية.. فهذه الاسئلة تقول لنا ان هناك منظور اخر للنظر للفعل السياسي ولتقييمه والحكم عليه.. فلماذا شاع المنظور الطائفي عند الكتاب الشيعة؟؟ هنا سؤال في غاية الاهمية.. سؤال يكشف خواء الثقافة العراقية التي يسود فيها الشعراء واللغة الشعرية المخربة للرؤوس.. الثقافة التي لم تنتهي بعد من حزورة الاجيال الشعرية!!
علينا هنا ان نذْكر شيئا مهما وهو ان ما يقوله ستيفان وينتر بخصوص العلاقة الجيدة بين النخب الشيعية اللبنانية وبين السلطة العثمانية يمكن ان نقوله مع حنا بطاطو بخصوص العلاقة الجيدة بين النخب الشيعية في العراق وبين السلطة العثمانية.. وحنا بطاطو يقول ان اغنى الاغنياء في العراق وحتى عام ١٩٥٨ كانوا من الشيعة.. وحنا بطاطو يضيف بعد ان يفكك حجج المظلومية الشيعية: " كان هناك فقراء سنة كما كان هناك فقراء شيعة وان بغداد كما كل مدن العراق كانت حتى العهد الملكي مدينة تنتمي الى العصور الوسطى والاحياء السنية لا تختلف في درجة الاهمال عن الاحياء الشيعية " (بطاطو،الطبقات، الطبعة الاصلية لعام ١٩٧٨، ص. ٤٩ـ ٥٠).
اذهبوا الان وقولوا للكتاب الشيعة لماذا اعتبرتم ان الفقر والحرمان في العراق المعاصر كان من نصيب الشيعة فقط ؟؟ اذهبوا وقولوا للكتاب الشيعة لماذا اعتبرتم عبد الرحمن النقيب او عبد المحسن السعدون ممثلين للسنة في حين انكم تميزون الان بين شيعة العراق وشيعة السلطة..اذهبوا وقولوا لابناء البيوتات الشيعية لماذا في معرض حديثكم عن عارف او صدام حسين استخدمتم صفة هؤلاء المذهبية بدل تسميتهم بالاسم.
ولكن احذروا بعد ذلك من الحديث في هذا الموضوع مع "عبيد السادة" .. فـ ارسطو يعلمنا درسا في غاية الاهمية وهو "ان بعض الناس خُلقوا لكي يعيشوا عبيد".. والعبيد في العادة لا يعرفون تاريخهم .. فهم يكتفون بذاكرة اسفنجية تمتص الحدث القريب وتلفظ الحدث البعيد..هل نستغرب ان الجلبي حفيد الاقطاعي الذي كان يبتز فقراء الشيعة لكي يرضي الباشا العثماني اصبح اليوم متحدثا باسم فقراء الشيعة !!
واخيرا، اياكم ثم اياكم ان تتكلموا بهذا الموضوع مع العلمانيين من صنف "شيعي شيوعي".. فهذا الصنف من العلمانيين ظلوا طوال فترة ارتدائهم لمعطف كارل ماركس يعتقدون بشفاعة الحسين يوم القيامة.. .. ثقافة "الطواطات" الشيوعية هذه هي احد الاسباب التي اوصلتنا الى الحال المزري الذي نشهده اليوم.