عندما فاز الحزب الاشتراكي الفرنسي بالانتخابات الرئاسية عام ١٩٨١ بعد عقود من الوقوف في خانة المعارضة صرح الرئيس المنتخب فرانسوا ميتران قائلا " لقد بدأت المشاكل".. وصول "الاخوان المسلمين" الى السلطة في مصر سيضعهم اخيرا امام اختبار السلطة .. فـ نقد السلطة شيء .. وممارسة السلطة شيء اخر مختلف تماما .. الاسلامجية الشيعة في العراق عاشوا تجربة العُري السياسي هذه في السنوات الاخيرة .. الاسلامجية السنة يخوضون التجربة للمرة الاولى .. وداعا للشعارات .. ومرحبا ايتها المشاكل .
لقد اختبرت منطقتنا حركة المد القومي في خمسينيات القرن الماضي .. والتي كانت حركة جارفة تغلبت فيها العاطفة على العقل .. والانفعال على الحكمة .. كثير من العفوية .. كثير من القطيعية الجماهيرية .. كثير من الشعارات .. كثير من الاحلام .. كثير من الوعود .. ومع اختبار الاحزاب القومية للسلطة جاء التعسف .. جاء الفساد .. جاءت الروح الانتقامية .. جاء العنف.. والنتيجة .. كثير من الخيبات والهزائم .. ترى هل استفدنا من تلك التجربة ؟ اشك في ذلك.
انظر لحركة المد الاسلامي اليوم .. ماذا ترى .. كثير من العفوية .. كثير من القطيعية الجماهيرية .. كثير من الشعارات .. كثير من الاحلام .. كثير من الوعود الوردية .. وخطابات تبعث سذاجتها على الغثيان.. يبدوا اننا سننتظر خمسين سنة اخرى .. لنعي متأخرين فشل شعار خادع اخر : "الاسلام هو الحل" !!
تحضرني في هذا الاطار مقولة رائعة للمفكر الفرنسي ارنست رينان بخصوص عناد الاشتراكيين بعد كل تجربة فاشلة من تجاربهم السياسية .. وهي مقولة قالها رينان قبل فشل الشيوعية بعقود:
بعد كل تجربة فاشلة يعاودون الكرّة قائلين : "لم نجد الحل، ولكننا سنجده مستقبلا" . لا يخطر على بالهم ابدا أن ليس هناك حلا .
بعد كل تجربة فاشلة يعاودون الكرّة قائلين : "لم نجد الحل، ولكننا سنجده مستقبلا" . لا يخطر على بالهم ابدا أن ليس هناك حلا .
Après chaque expérience manquée ils recommencent; on n'a pas trouvé la solution, on la trouvera. L'idée ne leur vient jamais que la solution n'existe pas
رينان يريد ان يقول .. في السياسة التي هي فن ادارة المجتمعات ليست هناك حلول جاهزة كما اعتقدت الايديولوجية الاشتراكية .. فكل الايديولوجيات المتحجرة التي تاتي للسلطة بحلول جاهزة نهايتها الفشل.. ونحن اليوم امام أناس يقولون لك "الاسلام هو الحل".. الاسلام السياسي الذي في طريقه لاشعال ابشع حرب طائفية في منطقتنا هو الحل !! لما لا !
عزائنا الوحيد هو اننا نعرف ماذا سيقول جيل عام ٢٠٦٢ بعد فشل تجربة الاسلام السياسي؟؟ سيقولون "الافكار جيدة ولكن الساسة هم السبب".. الخ من التبريرات الكبشفدائية.. اوليس هذا ما تقوله "الاصابع البنفسجية" في العراق اليوم .. اليس هذا ما قالته "جماهير شعبنا العظيم" !! فالقطيع جماهير في الخمسينات .. وضحايا في التسعينات .. وهلم جرا .. "الشعب يريد" في عام ٢٠١٢ و"الشعب لا يريد " في عام ٢٠٦٢ !!
ماذا تعني خمسين سنة اخرى من منظور التاريخ ؟؟ جيلا ضائعا اخر او جيلين .. في منطقة مثل منطقتنا.. ليس بالثمن الباهض .. الى الامام رفاق !!