في الاسبوع الماضي نشرت رويترز تقريرا عن ما سمته بـِ"مشروع قانون تزويج القاصرات".. يستوقفني فيه قول لـ "رجل دين" شيعي اسمه محمد الحميداوي.. هذا الملا يقول: "لأكثر من ألف سنة يعيش الشيعة تحت الأرض وغير معترف بهم رسميا وأن هذا "القانون" هو إثبات لوجودنا أكثر مما هو تعبير عن الفقه الشيعي".
القوانين تُشرع في العادة لكي تلبي حاجة عملية للناس.. اما في "دولة القانون الشيعية" فأن القوانين تُشرع لإثبات الوجود.. قانون سيعود بنساء العراق الى عصر الجواري يُشرَع فقط لان الشيعي يريد ان يقول: "انا هنا".. قانون سيسمح بتزويج بنات في التاسعة يُشرَع فقط لاثبات وجود الشيعي!! "انا افكر اذا انا موجود" قالها ديكارت واخرج العقل الانساني من القرون الوسطى.. والملا الحميداوي يقول: انا عندي قانون جعفري اذا انا موجود!! الى الوراء در!!
شخص يُشّرع قانون لاثبات وجوده هو مثل مراهق يطالب بسيارة وحساب بالبنك ليثبت وجوده!! فقط انسان هش داخليا وروحيا يتصرف بهذه الشكلية والسطحية.. الانسان الواثق من نفسه لا يلجأ الى هذه السطحية.. عندما تُشّرع قانون فقط لاثبات وجودك فأنت تقول بنفس الوقت بأنك شخص غير واثق من وجوده.. شخص غير واثق من نفسه.. شخص قلق.. شخص خائف ما زال يعيش تحت الارض.
وهذا البعد السايكولوجي لا يفهمه الملا ..لا غرابة ان هذا الملا يعتقد ان القانون الجعفري سيسمح للشيعة بالخروج من تحت الارض.. ما لا يفهمه الملا هو ان مشروع القانون الجعفري الذي يُميز ويمايز الشيعة عن غيرهم من العراقيين هو في واقع الامر عودة الى الغيتو الشيعي.. عودة الى العزلة الفكرية الشيعية.. ونحن هنا امام نفس التناقض الفكري لمحكية المظلومية الشيعية.
واروع وصف لهذا التناقض الفكري نجده عند الكاتب ارثر كوستلر الذي ينتقد عقلية الغيتو اليهودية قائلا بأن: "اليهود يعترضون ضد التمييز العنصري الذي يمارس ضدهم ولكنهم بنفس الوقت ينادون باستعلائية بتفوفقهم العرقي مستندين الى مقولة شعب الله المختار".. وهو نفس التناقض الموجود في محكية المظلومية الشيعية.. فالشيعة يعترضون على التمييز الطائفي وعدم المساواة ولكنهم بنفس الوقت يطالبون بقوانين تميزهم وتمايزهم عن غيرهم باستعلائية "الفرقة الناجية".. هم يريدون ان تتم معاملتهم كمواطنين ولكنهم يحصرون انفسهم داخل الاطار المذهبي وداخل التصورات المذهبية.. داخل الغيتو الشيعي.
باختصار.. مشروع القانون الجعفري هو ليس وسيلة للخروج من الف عام من العيش "تحت الارض" كما يقول الملا.. لا .. مشروع القانون الجعفري الذي يُميز ويمايز الشيعة عن غيرهم من العراقيين هو عودة الى العزلة الشيعية الالفية.. عودة الى "الغيتو الشيعي" الذي ازالته الدولة العراقية بقانون الأحوال الشخصية لعام ١٩٥٩.. رجال الدين الشيعة حاربوا قانون ١٩٥٩ سابقا ويريدون تغييره حاليا لانه قانون يرفض الطائفة كأساس للتنظيم الاجتماعي.. ومشروع القانون الجعفري ما هو الا اعادة رسم لحدود الطائفة التي كانت سائدة قبل تأسيس الدولة العراقية.. اعادة رسم لحدود الغيتو الشيعي.. فمن قال اذا ان الشيعة خرجوا من "تحت الارض" !!