يبدو ان الدرون الامريكي ضرب "عصفورين" بحجر.. فهو لم يحرق قاسم سليماني فقط .. ولكنه وبصورة غير مباشرة "حرق" اوراق مقتدى الصدر ..الضربة الامريكية وتبعاتها اجبرت مقتدى على الخروج من المنطقة الرمادية والاصطفاف بلا مواربة الى جانب ايران ومشروعها في العراق في وقت يغلي فيه جزء كبير من الشارع الشيعي حنقا ضد ايران.. الضربة الامريكية بهذا المعنى ادت الى توضيح للمواقف وتغيير للاولويات وبالتالي فرز للصفوف في الداخل الشيعي.. بعد الضربة الامريكية وخصوصا بعد محاولة ايران جعل العراق ساحة لتصفية حساباتها مع امريكا لم يعد كافيا ان ترفع علم عراقي وتقول "شلع قلع" لتصبح وطني.. سقف الوطنية بعد الضربة الامريكية والاستهتار الايراني بأمن العراق ارتفع كثيرا واصبح يتطلب اكثر من ذلك.. بعد الضربة الامريكية اصبح سقف الوطنية يطرح نفسه على شكل سؤال حدي: هل انت مع مصلحة العراق التي تقتضي اخراجه من دوامة الحروب بالوكالة.. ام انك مع مصلحة ايران التي تريد ان يبقى العراق ساحة لتصفية "حساباتها" مع امريكا ؟؟
امام هذا السؤال المصيري اختار مقتدى الصدر المصلحة الايرانية .. وهو بذلك ارتكب خطاء تكتيكي من العيار الثقيل جعله يخسر في ايام معدودة ما خسره جماهيريا في السنوات السابقة.. مقتدى لازال "يتكتك".. بينما الشارع العراقي بدأ يفكر استراتيجيا.. فالشارع العراقي لا يريد فقط انهاء سلطة فاسدة.. لا ..الشارع العراقي يرفض ان يبقى العراق ساحة لتصفية حسابات ايران مع امريكا.. الشعب العراقي الذي انهكته الحروب ما عاد يريد حروب اخرى وشعارات "ما توكل خبز" .. الشعب العراقي يريد يعيش.. يريد وطن.. يريد ماء وكهرباء وشوارع خالية من كلاب وسرسرية ايران.. لهذا السبب خرجت المليونية الوطنية كرد فعل على "مليونية الذيول".. مليونية ضد مليونية .. العدد هو سلاح مهم في المعركة الدائرة اليوم.
العدد وتنظيم العدد والتحكم بالعدد هو عنصر مهم في فن الاستراتيجيا.. ولكن فن الاستراتيجيا يقتضي قبل كل شيء تقييم دقيق لسايكولوجيا الحاضنة والخصم.. تقييم دقيق "لمزاج" الحاضنة وسايكولوجيا الخصم.. ومقتدى الصدر ومن خلفه ايران لم يفهموا بعد انقلاب مزاج "الحاضنة الشيعية" في العراق .. امريكا فهمت ذلك بسرعة اكبر منهم وتصرفت مؤخرا وفقا لذلك.. امريكا ما كانت لترسل الدرون الذي بعثر سليماني لو لم تكن تعرف بأن ايران وذيولها ما عادوا يتحكمون بشيعة العراق.. امريكا ما كانت لترسل الدرون لولا المظاهرات العراقية التي رفعت شعارات "ايران برا برا".. امريكا ما كانت لترسل الدرون لو لم يحرق ثوار النجف قنصلية ايران.. امريكا ما كانت لترسل الدرون لو لم تسمع شيعة ذي قار يرددون "منريد قائد جعفري وتاليها يطلع سرسري".. باختصار.. امريكا ما كانت لترسل الدرون لو لم تكن متأكدة بأن ايران فقدت الحاضنة الشيعية في العراق.. نحن هنا امام درس عملي في كيفية استخدام فن الاستراتيجيا: تقييم دقيق للمزاج الشيعي .. تقييم دقيق لعدد الخصم .. واستخدام ذكي للمعدات.. استخدام ذكي للدرون.
ايران بخسارتها الحاضنة الشيعية في العراق اصبحت نمر من ورق.. وايران التي اظهرت تخبطا عسكريا مضحك مع اول اختبار عسكري جدي.. ايران التي لم تميز بين طائرة مدنية وبين طائرة حربية .. ايران هذه لا تستطيع ان تواجه الدرون وما يعنيه من طفرة تكنولوجية احدثت ثورة في طرق المواجهة العسكرية التقليدية.. من هنا محاولتها استخدام العراق كورقة تفاوضية مع امريكا.. من هنا "مليونية الذيول" التي كانت تهدف الى شيئين.. الاول.. ارسال رسالة "عددية" الى امريكا مفادها بان ايران لازالت تسيطر "عدديا" على العراق وبالتالي تحسين شروط التفاوض مع امريكا.. اما الهدف الثاني فهو ارهاب ساحات التظاهر العراقية سايكولجيا من خلال سلاح العدد.
ولكن "مليونية" مقتدى التي رددت فيها شعارات "ايران تبقى حرة" استفزت العراقيين الذين دفعوا ما يقارب الف قتيل وثلاثين الف جريح من اجل شعار "ايران برا برا".. من هنا المليونية الوطنية التي خرجت كرد فعل على مليونية الذيول .. المليونية الوطنية كانت بمثابة صفعة سياسية للذيول ..المظاهرات الوطنية بهذا المعنى هي صاروخ اخر ذكي اطلقه هذه المرة "درون" عراقي وطني واصاب مقتدى رمزيا .. السياسة رمز قبل كل شيء .. ومن يحترق رمزيا.. يحترق سياسيا..مليونية الذيول بهذا المعنى هي رصاصة اطلقها مقتدى المتخبط على قدمه اليسرى..البصرة قالت له ولاول مره وبوضوح طك بطك :"يا مقتدى يا دودة، ذب العمامة السودة".. بغداد ومن ساحة التحرير قالت له: "باي باي سيد مقتدى" و"التحرير تخبل ما بيها ذيوله".. الرسالة الاهم جاءت من ذي قار :"وصلوها للحنانة.. مقتدى مو ويانه".. وهي رسالة تقول لمقتدى ما يلي : عندما تصطف مع ذيول ايران فأنت "مو ويانة".. عندما تقبل ان يتحول العراق الى"حديقة خلفية" تصفي فيها ايران "حساباتها" مع "المفاوض" الامريكي على حساب العراق .. فأنت "مو ويانة".. نحن هنا امام رسالة "فك ارتباط" .. رسالة توضّح معيار الوطنية.. اذا لم تكن مع العراق ومصلحة العراق فانت ذيل تابع .. رفع ملايين الاعلام العراقية لم يعد كافيا لتكتسب مظاهراتك صفة الوطنية.. معيار الوطنية اليوم هو الموقف من ايران وتدخلات ايران.. الولاء لا يقبل القسمة على اثنين.
المثل الانكليزي يقول :" لا يمكن للمرء ان يخدم سَيّدين".
a man cannot serve tow masters
والعراق سَيّد.. لا يقبل خدم وذيول ايران.