كنت وانا صغير استغرب من مشهد شائع في الافلام وهو مشهد المجرم الذي يقترف أبشع الجرائم ثم تراه بعد ذلك يصلي بخشوع في الكنيسة.. لانني كنت اعتقد وبسذاجة الاطفال ان فعل السرقة والصلاة فيهما تناقض .. خلف هذا الاعتقاد الساذج تقف فكرة اكثر سذاجة وهي فكرة ان الدين او المعتقد يكفيان لمنع الانسان من اقتراف "المعاصي".. استحضرت سذاجتي هذه مؤخرا وانا اشاهد فيديو حرامي يدخل خلسة في متجر.. يتوجه مباشرة الى حيث يوجد صندوق المال.. يفتحه فيجد فوق المال قرآن .. يحمل القرآن .. يطبع قبله عليه.. يضعه جانبا .. ويسرق المال .. هذا المشهد صورته احدى كاميرات المراقبة داخل متجر مسروق في احدى بلاد الله الواسعة.
الدين هنا في ابهى طقوسه الشكلية.. ميكانيك غبي.. نحن هنا امام انسان آلي.. مسلم آلي.. القرآن في هذا المشهد هو "فرضية" غير نافعة عمليا لانه لا يمنع الحرامي من فعل السرقة.. القرآن يتحول الى مجرد طقس احترام شكلي (التقبيل).. وهنا يأتي السؤال .. لماذا لم يمنع القرآن هذا الحرامي من السرقة ؟ ودفع هذا السؤال الى نهايته المنطقية يحتم طرح سؤال اعم : ما قيمة الدين اذا فشل عمليا في منع "المتدين" من السرقة او الغش ؟
سيقولون لك ان هذا الحرامي جاهل بتعاليم القرأن وبالتالي فهو لا يفهم الدين .. وهذا كلام غير دقيق .. كل من يعيش في "بلدان الله" الواسعة يعرف التناقض المخيف بين سلوكيات الملايين اليومية وبين طقوسهم الدينية الشكلية .. وما يقوم به هذا الحرامي الصغير هو عينة لسلسلة الفساد السائد في "بلدان الله" الواسعة.. من سائق التاكسي الذي يزين سيارته بآيات قرآنية وكل همه ابتزازك.. مرورا بالموظف الحكومي المرتشي.. وانتهاءً بـ"علية القوم" السارقين للملايين.. كلهم يسرق ثم يذهب في نهاية يومه "يضرب" بضعة ركعات بميكانيكية انسان آلي.. ان الله غفور رحيم !
حفيد مؤسس حركة الاخوان المسلمين طارق رمضان لا يجهل تعاليم القرآن او الدين .. وهو "مفكر" اسلامي معروف .. ومع ذلك طارق رمضان "يزني" في الفنادق مع "عاهرات" ويذهب بعد ذلك في جولات مكوكية حول العالم يحاضر في الشريعة الاسلامية.. هذا "المفكر الإسلامي" قدم أكثر من ٣٠٠ فيديو وألف صورة لإقناع القضاة بأن علاقاته الجنسية هي علاقات "رضائية"!! عذر اقبح من ذنب اذا ما ستندنا الى مفهوم الزنى في الشريعة الاسلامية .. لحسن حظ هذا "المفكر" الاسلامي هو انه يعيش في بلد لا يطبق الشريعة الاسلامية والا لكانت عقوبته الرجم "بالطابوق" في الساحات العامة.
نفس النفاق الديني يحصل في الكثير من البلدان المسيحية وخصوصا في امريكا اللاتينية حيث تقطع الرقاب وترمى في الشوارع يوميا من قبل صغار تجار المخدرات الذين يوشمون اجسادهم بصور المسيح.. وحيث يقوم رؤساء مافيات الكوكايين ببناء الكنائس والتصدق على الفقراء والصلاة بخشوع امام تمثال "العذراء".. اما فضائح رجال الكنيسة فحدث ولا حرج.. قبل بضعة ايام فتح الفاتيكان تحقيقا في واقعة "إعجاب" حساب البابا الرسمي على إنستغرام بصورة لعارضة "الأزياء" البرازيلية ناتاليا جاريبوتو، "ترتدي" فيها زي مدرسي مثير يظهر اردافها.. تقرير الـ "بي بي سي" يقول ان مصادر مقربة من المكتب الصحفي للفاتيكان قالت لوكالة الأنباء الكاثوليكية إن حساب البابا "يديره فريق من الموظفين في الكنيسة ويجري حاليا تحقيق داخلي".. تقرير البي بي سي يضيف ان عارضة "الازياء والارداف" جاريبوتو قالت لأحد متابعيها على إنستغرام إن اعجاب حساب البابا أثّر فيها كثيرا لأنها متدينة .. وأضافت "على الأقل سأدخل الجنة".
لما لا.. صاحبنا الحرامي ايضا سيدخل الجنة .. تاجر المخدرات سيدخل الجنة .."الاسلامجي المحشش" الذي يدخل كنيسة ويذبح رجل في السبعين من عمره سيدخل الجنة.. كل الطرق الملتوية تؤدي الى الجنة .. "لايك" مقدس من "البابا" يكفي "عارضة ارداف" للذهاب الى الجنة .. قبلة على القرآن لحرامي هي ايضا جواز سفر للجنة .. التمسح بقبور "الائمة" ورمي بضعة دنانير فيها تكفي سراق المال العام في العراق لشراء"مفتاح جنة".. حج الى "بيت الله" ينسف كل "ما تقدم وما تأخر" من السيِّئات.. مرحى للحرامية.
ارجوك لا ترمني بآية قرآنية.. او تصفعني بمقولة جميلة من التراث الاسلامي.. الخطابات ليست معياري في الحكم على الاشياء.. انا على مذهب الواقعية السياسية..الواقع هو معياري في الحكم على الاشخاص والاشياء.. ثم ارجوك لاتقل لي "الاستعمار" او "والنيوليبرالية" هما السبب في خراب القيم المحلية كما يقول لنا مؤخرا واحد من ديناصورات اليسار العربي المقيم في عاصمة غربية "نيوليبرالية".. فبؤسنا الاخلاقي .. فساد مجتمعاتنا.. حروبنا الاهلية الخ .. كل ذلك عمره قرون.. لا نحتاج الذهاب بعيدا في التاريخ.. اذهب وشاهد صور سكان العراق قبل مئة عام.. تمعن في البؤس الذي يغلفهم من قمة رؤوسهم الى اخامِص اقدامهم الحافية.. ستعرف عندها ان البريطانيين كانوا افضل مستعمرين مروا على هذه الارض الخراب.. وستعرف عندها ان التحضر الاجتماعي البسيط الذي حصل في عراق منتصف القرن الماضي حصل بفضل مدارس وجامعات ومستشفيات وطرق وسدود شيدها "الاستعمار".
قبل الاستعمار البريطاني كانت المكتبات العراقية تغص بكتب من عيار "السيف البتار على الكفار الذين يقولون المطر من البخار".. قبل الاستعمار البريطاني كانت الأوبئة والامراض تفتك دوريا بسكان العراق.. قبل الاستعمار البريطاني كان "تفال" الملا هو علاج "كورونا" ذلك الزمان .. قبل الاستعمار البريطاني كان المرجع محمد حسن النجفي يحمل نهج البلاغة بيد ويسرق الروبيات الهندية باليد الأخرى .. اما عن "سالفة" القيم المحلية "فخلوها سكته رحمة لوالديكم".. يكفي ان نشير هنا "بحياء" لظاهرة اللواط التي كانت منتشرة حتى بين ابناء البيوتات الدينية (انظر ما تسجله المس بيل بهذا الخصوص).. نحن هنا امام وقائع تاريخية وليس خطابات.
اذا امنحونا وقائع يا "سادة" وليس خطابات .. ثقافة صكوك الغفران السائدة في مجتمعات الفضيلة الزائفة ماذا اعطتنا في الواقع ؟ انا اقول لك .. حرامي صغير يُقبِّل القران ويسرق .. سائق تاكسي تملأ الآيات القرآنية سيارته من الداخل .. تتفق معه على اجرة الطريق قبل ان "تصعد" في السيارة.. ولكنه ما ان يتقدم بك بضعة كيلومترات حتى يطالبك بمبلغ اكبر (تجربة شخصية عشتها مؤخرا في احدى بلدان الفضيلة الزائفة) .. وقائع يا سادة .. نريد وقائع .. ثقافة صكوك الغفران السائدة في مجتمعات الفضيلة الزائفة ماذا اعطتنا في الواقع ؟ مفكر اسلامي "يزني" في الفنادق ثم يذهب بعد ذلك لكي يحاضر في مؤتمر اسلامي عن الاخلاق الاسلامية ..ثقافة مفاتيح الجنة ماذا اعطتنا على ارض الواقع ؟؟ رجال دين شيعة سرقوا المليارات تحت شعار "اليد التي تتوضأ لاتسرق".
كنت وانا صغير استغرب ساخرا من مشهد المجرم الذي يقترف ابشع الجرائم ثم تراه بعد ذلك يصلي بخشوع في الكنيسة .. اليوم وانا اشاهد الحرامي يسرق ويقبل القرآن ما عاد الاستغراب رفيقي.. فانا اليوم انظر للامر من منظور اخر.. انظر للامر من خلال نظارات الكاتب الألماني غوته الذي يقول :
Wer Wissenschaft und Kunst besitzt, hat auch Religion; wer jene beiden nicht besitzt, der habe Religion
"من يملك علما او "فنا" يمتلك ايضا "دين".. من لا يملك ايا منهما يحتاج الى دين"..الترجمة الحرفية هي دائما خيانة للنص الاصلي.. ما يريد ان يقوله غوته هو ان من يمتلك ما يسمو به من نبل او علم او "ثقافة" لا يحتاج الى دين .. لان مثل هكذا شخص طور منظومته الاخلاقية الذاتية .. طور"اناه العليا" بلغة فرويد.. وبالتالي طور "رقيبه الذاتي".. مثل هكذا شخص لايحتاج شرطي لكي يلتزم بالقواعد الاجتماعية .. لايحتاج عقوبة النار لكي يمتنع عن السرقة.. ولايحتاج الى مكافأة الجنة لكي يفعل الخير .. هو يفعل الخير بلا مقابل .. لان فعل الخير من اجل الحصول على الحسنات او المكانة الاجتماعية هو عمل غير اخلاقي بمنظوره.. اما من لا يمتلك منظومة اخلاقية ذاتية .. وبالتالي رقيب ذاتي.. فمثل هذا يحتاج الى دين.. يحتاج الى شكليات وطقوس وصلاوات وبخور.. يحتاج الى محفزات وعقوبات.. يحتاج الى وعد بالجنة والى تخويف بالنار .. يحتاج الى مفاتيح جنة وصكوك غفران.. ومثل هكذا "اخلاقيات" تنتج انسان نفعي.. انسان يُقبّل القرآن ثم يسرق .. حسنة مقابل سيئة والنتيجة تعادل "الفريقين" !! الدين هنا هو تجارة مع الرب.. ومثل هكذا منظومة "اخلاقية" هي "مانع حمل" للرقيب الذاتي .. مثل هكذا منظومة اخلاقية تمنع ظهور انسان يفعل الخير فقط من اجل الخير.. او تجنب فعل الشر فقط لانه فعل شر مؤذي للاخر.. مثل هكذا منظومة اخلاقية تنتج اناس منافقين .. ذوات مزدوجة .. ارواح بائسة تسرق تقتل تبتز ثم تذهب بعد ذلك تصلي بخشوع وتذرف الدموع تكفيرا عن سيئاتها.. الدين بهذا المعنى هو مخدرات روحية .. أوليس الله غفور رحيم .. أوليس حج الى بيت الله في أرذل العمر يمحو ما تقدم وما تأخر من السيئات .. اذا لماذا يمتنع الحرامية عن السرقة في عز شبابهم.
اذا لم يسرق الانسان فقط لانه خائف من العقوبة فهو مذنب .. هو مذنب حتى وان لم يسرق.. نيّة السرقة التي تراوده حتى وان لم يرافقها فعل السرقة هي عمل غير اخلاقي.. هكذا تكلم ايمانويل كانط في فلسفة "اخلاق النية".. هنا نحن امام منظومة اخلاقية حقيقية.. هنا نحن امام نبل اخلاقي يبعد ملايين السنوات الضوئية عن الكواكب التي تحكمها "اخلاقيات الشرطة والحرامية".. الكواكب التي تديرها اخلاقيات صكوك الغفران ومفاتيح الجنة والتي اعطتنا انسان مشوه اخلاقيا يُقبّل القرآن ويسرق.. اعطتنا سرسرية "حزب الدعوة" الذين سرقوا المليارات رافعين شعار "اليد التي تتوضأ لاتسرق" !!