على طول مرج ترعى فيه الأبقار وتركض الخيول .. كان هناك جدار حجري قديم.. داخل ثقوب هذا الجدار كانت تعيش عائلة ثرثارة من الفئران الحقلية
مع اقتراب فصل الشتاء، راحت الفئران الصغيرة كعادتها تجمع الذرة والمكسرات والقمح والقش.. كل الفئران شاركت في جمع مؤونة الشتاء.. الكل .. باستثناء الفار فريدريك
"فريدريك ، لماذا لا تعمل؟".. صاحت به الفئران.
"أنا أعمل".. أجاب فريدريك .. "أنا أجمع أشعة الشمس لأيام الشتاء الباردة والمظلمة".
واستمرت الفئران بعملها.. وعند مرورها بقربه من جديد .. كان فريدريك جالسًا يحدق في الحقل .. فسألته الفئران : " فريدريك ماذا تفعل؟ »
"أنا أجمع الألوان فالشتاء سيكون رماديا " .. أجابهم فريدريك.
وعند مرورهم مرة اخرى بـ فريدريك .. بدا لهم نصف نائم .. فسألوه بسخرية معاتبة : " فريدريك هل تحلم ؟"
فَرَدّ فريدريك قائلا : "أوه .. لا ، أنا أجمع الكلمات لأيام الشتاء الطويلة حين لن يعود لدينا ما نقوله".
وعندما حل الشتاء و سقط أول الثلج .. هرعت الفئران الخمسة الصغيرة إلى مخبأها في الجدار الحجري.. في البداية كان هناك الكثير من الطعام ..وروت الفئران قصصًا عن الثعالب الحمقاء والقطط السخيفة.. وعاشوا أياما سعيدة .. وشيئًا فشيئًا استنفذت معظم مؤونتها من المكسرات والتوت والقمح .. واختفى القش .. وأصبحت حبات الذرة مجرد ذكرى.
كان الجو باردًا في الجدار الحجري.. وساد الصمت ولم يشعر أحد بالرغبة في الكلام .. وهنا تذكروا ما قاله فريدريك عن أشعة الشمس والألوان والكلمات .. وسألوه : "فريدريك؟ اين مؤونتك التي جمعتها؟"
فرد عليهم فريدريك وهو يتسلق حجر كبير : "أغمضوا اعيُنكم الآن .. سأرسل لكم أشعة الشمس.. هل تشعرون بوهج الذهب الذي يغلفها.... »
وما أن لفظ فريدريك مفردة الشمس حتى بدأت الفئران الأربعة الصغيرة تشعر بالدفء.. هل كان صوت فريدريك هو السبب ؟ هل كان سحرا ؟
"وماذا عن الألوان يا فريدريك؟" سألته الفئران بقلق.
فقال لهم : "أغمضوا اعيُنكم مرة أخرى".. وراح يحدثهم عن أزهار العناقية الزرقاء.. وشقائق النعمان المتناثرة بين سنابل القمح الصفراء .. والأوراق الخضراء لشجيرات التوت .. عندها رأوا هذه الألوان بوضوح كما لو كانت أمامهم.
"وماذا عن الكلمات يا فريدريك؟"
وهنا .. وبعد لحظة صمت قصيرة .. راح فريدريك ينشد:
من ينثر رقاقات الثلج ؟ من يذيب الجليد؟
من يفسد الطقس؟ من يجعله جميلا؟
من يزرع البرسيم ذو الأربع أوراق في حزيران؟
من يخفت ضوء النهار؟ من يضيء القمر؟
.............
...........
واستمر منشدا على هذا المنوال .
وعندما انتهى فريدريك .. صفق له الجميع بإعجاب وصرخوا بصوت واحد : فريدريك أنت شاعر! »
وهنا احْمَرّ وجه فريدريك وانحنى بخجل.
.................................
"فريدريك" هي قصة اطفال للكاتب الإيطالي ليو ليوني.. اترجمها هنا بتصرف .. الصورة المرفقة هي غلاف كتاب "فردريك".. قرأت القصة بالصدفة مؤخرا واحسست بدفء كلمات فريدريك.. جملة "شقائق النعمان المتناثرة بين سنابل القمح الصفراء" فيها من الضوء ما يكفي لمليون شتاء سويسري.