2024/06/02

فصل الخطاب في اثبات اسطورية شخصية أبو تراب

 "خبز و سرك" كانت وسيلة اباطرة روما للتلاعب بالغوغاء واشغالهم .. "هريسة وعطل رسمية وسرك حسيني" هي وسيلة "رجال الدين" الشيعة للتلاعب بالغوغاء واشغالهم .. في الأسبوع الماضي اقر برلمان الشيعة في العراق قانون اعتبر فيه الثامن عشر من ذي الحجة عطلة رسمية احتفالا بـما يسمونه "عيد الغدير".. البرلمان هذه المؤسسة السياسية الحديثة تحول في العراق الشيعي الى حسينية للطم واجترار الماضي الشقاقي وادامة الخلاف الطائفي .. سفهاء الشيعة يريدون فرض سرديتهم الطائفية من خلال القوانين والعطل الرسمية .. يريدون فرض خزعبلاتهم بمنطق القوة "شاء من شاء وابى من ابى".. هم يعتقدون ان تصويت برلماني وعطلة رسمية يكفيان لتحويل الخزعبلات الشيعية الى حقائق مقبولة من جميع العراقيين .. ولكن التجربة التاريخية تقول لنا ان المعتقدات لا تفرضها علاقات القوة السياسية .. والا لكانت معتقدات المغول سائدة اليوم في العراق .. المأمون الذي كان يحكم امبراطورية لم يستطع فرض معتقداته المعتزلية على سُنة بغداد .. واشاعرة بغداد ورغم كل عسس وعساكر المأمون رفضوا سردية المأمون آنذاك !! فهل يعتقد شيعة العراق حقا ان تصويت برلمان مكون من حرامية سوف يدفع سُنّة العراق اليوم بقبول سخافات حديث "غدير خم" !! 

إقرار "عيد الغدير" كعطلة رسمية برلمانيا لا يجعل من حديث غدير خم حقيقة تاريخية مقبولة .. الحقائق التاريخية لا تُشرع برلمانيا .. مصداقية حدث تاريخي ما او حديث ما مرهونة بمعايير علم التاريخ.. وليس بتصويت برلماني واغلبية عددية وعلاقات قوة سياسية .. كل كنائس القرون الوسطى ومحارقها لم تستطع فرض سرديتها التي كانت تقول ان الأرض ثابتة والشمس تدور حولها.. ومحاكمة غاليليو وسجنه لم تستطع اغتيال نظريته .. حتى اغبى طفل وفي أي مدرسة متوسطة اليوم يعرف ان الأرض كروية وتدور حول الشمس وان ضوء القمر هو انعكاس لضوء الشمس وان القمر ليس نجم مشع كما كان يعتقد رجال الكنيسة مستندين الى نصوص "الكتاب المقدس" المسيحي.

 

فيلسوف عصر النهضة دافيد هيوم كان يقول "حتى لو اجتمعت البشرية جمعاء وخلصت الى ان الأرض ثابته والشمس تتحرك حولها فأن الشمس سوف لن تتحرك مقدار بوصة واحدة تبعا لهذا المنطق"

 

  Though all human race should for ever conclude, that the sun moves, and the earth remains at rest, the sun stirs not an inch from his place for all these reasonings

 

بمعنى ان الحقائق ليست مرهونة بمنطق العدد او برغبات العدد او بخزعبلات العدد .. وبنفس المعنى .. فأن مصداقية حديث ما ليست مرهونة بتصويت اغلبية برلمانية او بمظاهرة مليونية .. لو اجتمعت كل برلمانات العالم بقرار من الأمم المتحدة ومجلس الامن واقروا "عيد الغدير" عطلة رسمية عالمية !! فان هذا ليس شرطا كافيا لجعل حديث غدير خم "حديث صحيح".. و بالتالي سوف لن يمنح أبو تراب "شورت" الخلافة !! لان مصداقية حدث تاريخي ما او حديث ما مرهونة بمعايير علم التاريخ وليس بمعايير العدد.

 

 "مختبر" التاريخ اثبت من خلال "اشعة الرنين المغناطيسي" ان علي بن ابي طالب شخصية فاشلة سياسيا.. وهذا التشخيص لم يقم به ابن تيمية او الجاحظ .. لان هؤلاء وان بينوا وفضحوا الكثير من سخافات القُصّاص الشيعة .. ولكنهم ظلوا يدورون في فلك الابستيمة السُنيّة التي منعتهم من الذهاب بنقد شخصية علي الى نهاياته المنطقية لأنه ابن عم "النبي".. من قام بهذا التشخيص "الاشعاعي" لشخصية علي بن ابي طالب هم مؤرخون من عيار فلهاوزن و فيكيّا فالييري .. من قام بـذلك هم مؤرخون لا تأخذهم في "العلم" لومة لائم !! ونتيجة تحليلاتهم بينت ان شخصية علي في السرديات لا تتوافق مع شخصية على في الواقع التاريخي .. علم التاريخ الحديث ومن خلال قراءة تفكيكية للروايات وغربلة لتناقضات ما بين السطور التي تغص بها كتب التاريخ الإسلامي .. علم التاريخ الحديث هذا بَيَّنَ ان علي التاريخي لا يمت بصلة لـ علي السرديات والاحاديث المفبركة.

 

 فـ علي التاريخي ذو بطن.. في حين ان علي السرديات زاهد "لا يزيد على ثلاثة لقم" !!!!  زاهد "لا يزيد على ثلاثة لقم" و ذو بطن !!!! افتونا يرحمكم الله !!!!!  وعلي التاريخي بعد ذلك رجل مزواج وكان ينكح الجواري ( له تسعة زوجات وعدة جواري انجبن له ١٤ صبيا و ١٩ بنت.. وابن الحنفية هو ابن جارية من جواريه ) !!! سيقولون لك "محلل وموهوب" !! ولكن الإشكالية تظهر عندما تعرف ان علي السرديات هو شبه ناسك يرفض ملذات الحياة الدنيا التي هي عنده "اتفه من عفطة عنز" !!! وعلي التاريخي بعد هذا وذاك شخص يفتقد للقدرات الإدارية ولا يمتلك كاريزما القائد كما يقول فلهاوزن .. اما سايكولوجيأََ .. فكان علي فظا سريع الغضب وتنقصه المرونة في العلاقات الاجتماعية لذلك كان يلقب بالـ "محدود" كما تقول فيتشيا فالييري.

 

من بعثته الى اليمن حيث اثار سخط كبار قادة الجيش بسبب "غلظته وسوء الصحبة" كما يقول ابن كثير.. وصولا الى خلافته التي حصل عليها بانقلاب دموي فتح من خلاله "أبواب الحرب الاهلية التي لم تغلق حتى اليوم" بتعبير فلهاوزن .. كل التجارب السياسية التي خاضها علي بينت واقعيا انه رجل "لا يحسن السياسة" وبالتالي لا يصلح للإمارة .. وشخصيته المترددة المتقلبة جعلت حتى اقرب اتباعه ينفضون من حوله في الكوفة .. وخصوصا بعد ان قام بمذبحة النهروان (علي أيضا مسؤول عن مذبحة بني قريضة ) .. حتى اخوه عقيل ابن ابي طالب حارب ضده في صفين .. باختصار علي التاريخي هو كارثة سياسية تمشي على قدمين .. اما علي السرديات والاحاديث المفبركة فهو قائد اسطوري و"حلّال مشاكل" يملك حلولا جاهزة لكل مشاكل البشرية !! حتى عمر ابن الخطاب الذي يعتبره فلهاوزن اهم رجل سياسي بعد محمد لأنه الباني الحقيقي للدولة الإسلامية.. حتى عمر هذا جعلته السرديات (التي فبركت في العصر العباسي) تحت رحمة علي الاسطوري .. من هنا حديث "لولا علي لهلك عمر" .. وفيتشيا فالييري تستسخف هذه الفكرة نظرا لقامة عمر السياسية مقارنة بشخص "محدود" كعلي. 

 

 لورا فيتشيا فالييري مستشرقة معروفة .. وهي كاتبة مقال علي ابن ابي طالب ومقال غدير خم في الموسوعة الإسلامية .. لماذا ؟؟ لأنها كرست حياتها لدراسة التاريخ الإسلامي وبالتحديد الشيعي .. وهي لم تتلمذ علي يد ابن تيمية وبالتالي فهي ليست ناصبية !!!! وهي في مقالتها عن غدير خم تَمُرُ مرور الكرام على الطرح الخزعبلاتي الشيعي .. للموضوعية احكام .. ولكنها تتبنى بالنهاية رواية ابن كثير بهذا الخصوص .. لماذا ؟؟ لأن رواية ابن كثير برأيها تضع حدث غدير خم ضمن اطاره التاريخي .. واصل الحديث بحسب ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" .. هي مشكلة حصلت اثناء حملة اليمن بين علي وقادة جيشه بسبب توزيع الغنائم ..( وراء كل فتن صدر الاسلام ابحث عن جدلية "مال الله" ام "مال المسلمين".. وهو صراع استمر لاحقا بين اقتصاد "الدولة" الناشئة واقتصاد الغنيمة .. صراع بين الخليفة وبين "المقاتلة") .. و"لما كثر القيل والقال " بين الناس بخصوص ما جرى في اليمن .. "قام (النبي)  في الناس خطيبا فبرّأ ساحة عليّ وليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس". 

 

بتعبير اخر .. ما كان نوع من التزكية و تبرئة لساحة علي في غدير خم .. تحول مع مرور الوقت الى حديث طويل عريض فيه كل علامات الاحاديث المفبركة .. من مستهله حيث يتلفظ النبي محمد بالشهادة الثانية !! وكأن النبي يحتاج ان يقول لنفسه اشهد انني رسول الله !!!! وانتهاءً بعلامة الفبركة الكبرى الشائعة في الكثير من الاحاديث والكتب الشيعية (كتاب السقيفة انموذجا) حيث تجد إشارات الى اشخاص واحداث جرت بعد زمن الحديث .. والى هذا النمط من الاستحمار تنتمي خاتمة "حديث الغدير" :  "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ....." وصولا الى عبارة " والولاية لعلي من بعدي"!!  بخ بخ !

 

ومسار الفبركة الشيعية هذا يتحدث اليوم عن "امر الهي  بتنصيب علي خليفة للمسلمين" !!!! وعندما تسأل "فطحل" من فطاحل الشيعة : لماذا لم ينص القرآن على ولاية علي ولم يذكره بالاسم خصوصا وان امر الخلافة امر جلل ترك امة محمد "كالخراف في الليلة الممطرة" "يعدو بعضها على بعض" !! سيقول لك لان القرآن تم تحريفه وان كل الآيات التي نصت على ولاية علي استبعدها عثمان عندما جَمَعَ القرآن !! وهو سيدعوك عندها لقراءة كتاب "فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الارباب".. بمعنى ان "عبد الحسين" يتقبل فرضية ان القرآن محرّف .. ولكنه لا يقبل ان تقول له ان "حديث" غدير خم مفبرك !!!!! 

 

هناك قاعدة ذهبية مشهورة في علم التاريخ .. عندما تريد ان تحكم على شخصية تاريخية بموضوعية عليك اول ما عليك فعله هو تجنب النصوص التي كتبها عنه اتباعه ومريديه .. نحن هنا امام  اولى قواعد التاريخ الرصين .. وهذه القاعدة تزداد أهمية اذا عرفت ان اتباع هذه الشخصية يمتلكون عقلية خزعبلاتية مفرطة في شطحاتها التي لا يقبل بها عقل سليم .. انسان من العصر الحجري كمقتدى الصدر كان أبوه يعتقد ان أمريكا نشرت قواتها في الخليج تحسبا لظهور المهدي !! وريث مثل هكذا عقلية خزعبلاتية يمكن ان يصدق "سالفة" ان حديث غدير خم هو "امر الهي  بتنصيب علي خليفة للمسلمين" .. وله بعد ذلك ان يصدق "سالفة" ان "نادى منادِِ  في السماء" قائلا " لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي " .. ولكنك عندما تضع مثل هذه الاحاديث امام مؤرخ رصين من عيار فلهاوزن فهو سوف لن يعيرها دقيقتين ونصف من وقته.. ليس بسبب "ضعف اسانيدها وركة متنها" كما تقول لغة المؤرخين العرب.. ولكن لأن فلهاوزن انسان يتمتع بكامل قواه العقلية.. "ولسنا نحتاج في هذا الباب الى اكثر من هذا" .. لكي نستعير لغة الجاحظ  في كتابه "العثمانية".. بضعة غرامات من العقلانية هو كل ما تحتاجه امام الخزعبلات الشيعية.