بعد "الأسبوع" الدراماتيكي في بيروت والذي قامت فيه إسرائيل بتصفية الهرم القيادي لحزب الله.. وفي عملية استخباراتية تشبه في أسلوبها التنفيذي الشطرنج السريع والخاطف الذي يمارسه بطل العالم ماغنوس كارلسون.. وهو أسلوب مزعزع لثقة الخصم ومدمر لمعنوياته.. بعد هذا الأسبوع الدامي الذي شهد انهيار منظومة "حزب الله" الأمنية ودمر معنويات "محور المقاومة".. شهدت إيران نقاشات عاصفة وجدل حاد تطايرت فيه الاتهامات بالخيانة والاختراق والجُبن الخ.. تيار "المحافظون" وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلامهم قاموا بشن حملة اعلامية قاسية على "غصن الزيتون" الذي حمله الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان في اجتماعات الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي.. في نفس الوقت الذي كان فيه نتنياهو يعطي أوامر تصفية حسن نصر الله من مكتب في بناية الأمم المتحدة.. حتى الرئيس الإيراني الأسبق احمدي نجاد وبعد يومين من مقتل نصر الله ادلى بدلوه في هذا الجدال.. وراح من على قناة "سي أن أن" التركية يصفي حسابات قديمة مع الحرس الثوري.. كاشفا عن اختراق الموساد الإسرائيلي للمنظومة الأمنية الإيرانية.. وقال ان رئيس وحدة مكافحة التجسس الاسرائيلي في الامن الإيراني كان عميلا مزدوجا للموساد.. وأضاف ان الموساد نجح بتجنيد عشرين عنصر من هذه الوحدة المكلفة بالأصل بمكافحة التجسس الإسرائيلي!! يقال ان السمكة تبدأ بالتفسخ من الرأس!!
بعد هذا الأسبوع البيروتي الدامي والمزعزع للمعنويات وخلال أيام شهدت أروقة القرار الإيراني ايضا اجتماعات عاصفة وجدل حاد بين اقطاب القيادة الإيرانية بخصوص الأسباب التي أدت الى انهيار الهرم القيادي لـ"حزب الله" وهو البيدق الأثمن في الساتر الامامي للشطرنج الإيراني وبخصوص ما يجب فعله بعد هذه الانهيار الكارثي.. صحيفة "نيويورك تايمز" وقبل اربعة أيام نشرت تفاصيل من هذه الاجتماعات نقلا عن مقربين من أروقة القرار الإيراني.. وانا شخصيا اعتقد ان هذا التسريب تم عن طريق مفاوضي الإدارة الديمقراطية في وزارة الخارجية الايرانية وهو لذلك تسريب مدروس لنقل رسالة للإدارة الديمقراطية فحواها: ان الإصلاحيين ما زالوا على العهد!! وهنا عليك ان تعرف ان هناك رهانات متضادة بين ايران وإسرائيل حول من سيفوز بالانتخابات الامريكية القادمة.. اسرائيل تفضلها جمهورية ترامبية لأن ترامب سيمنحها "كارت بلانش" (كما يقول التعبير الفرنسي) تفويض غير محدود بالتحرك ضد إيران .. اما ايران فهي تفضلها ديمقراطية.. أولا لان ترامب سيكون كارثة سياسية لإيران.. وثانيا إمكانية عمل اتفاق نووي جديد كما وعدهم بايدن لقاء عدم التصعيد وبالتالي زيادة فرص فوز الديمقراطيين بالانتخابات القادمة.. و"فيلسوف" السلام "بزشكيان" الذي شنف اذان وسائل الاعلام الامريكية مؤخرا بـِترنيمة "قُصر مدة الحياة البشرية قياسا لعمر الكون اللامتناهي فلا داعي لتضيّعها بالحروب" يدخل ضمن هذه الرهانات.. وهناك حتى بين المحلليين الجديين من بدأ يدرس فرضية تصفية إبراهيم رئيسي بحادث الطائرة ضمن هذا المشروع التفاوضي.. لأنه غير مرغوب به أمريكيا.. من يدري.. السياسة رقعة شطرنج!!
لا غرابة ان "حمامة السلام" مسعود بزشكيان كان في اجتماعات القيادة العاصفة الاخيرة من دعاة ضبط النفس وهو قد حث على توخي الحذر لان إسرائيل تحاول جر ايران الى حرب مفتوحة وهذا سينهك ايران المنهكة أصلا ويضعفها استراتيجيا.. وهذا الخطاب لمن يعرف التحولات السوسيولوجية التي طرأت على الشارع الإيراني منذ مظاهرات ٢٠٠٩ يعبر عن مشاعر الشريحة "القومية" في المجتمع الإيراني والتي تقول ان سياسة ايران الإقليمية يجب ان تتبنى مواقف اكثر بازارية.. ايران لا يجب ان تكون "ملكية اكثر من الملك".. لا يجب ان تكون عربية اكثر من عرب الخليج الذي يتمتعون بمليارات النفط في حين يشقى احفاد "اردشير" تحت الحصار الاقتصادي!! وهي تبعا لذلك لا ينبغي لها ان تضحي بـ الامن القومي الايراني من اجل غزة او الضاحية.. لغزة رجال تحميها وللضاحية ايضا.. كما قال خامنئي في النسخة الإيرانية فقط من خطابة قبل ثلاثة ايام بمعنى انه اخذ بنظر الاعتبار هذه النقمة الداخلية.. اما في النسخة العربية من خطابه فقد ساد "المزامط" التقليدي لأنها موجهة الى جمهور "الجزيرة" العربي.. باختصار.. خطاب الإصلاحيين يعبر عن رغبات قاعدتهم الشعبية المتذمرة من صرف المليارات من قوت الايرانيين على حزب الله وحماس والحوثيين.. "لا غزة لا لبنان روحي فدى ايران" هو شعار هذه الشريحة الواسعة من الإيرانيين.. وهناك اليوم داخل منظومة الحكم الايراني أصوات كثيرة تضع الامن القومي الإيراني فوق كل اعتبار.. "الشاهنشاه" اثمن من كل "البيادق".. وإرث "اردشير" لا يجب ان يتعرض لـِ "كش مات" من اجل "جلف صحراء جاء يعلم الفرس كيف يركع"!!! وعنصرية التعليقات ضد العربي في اوساط جمهور الإصلاحيين تحتاج الى أطروحة دكتوراه لو كان عندي الوقت.
امام الطرح "الإصلاحي" الذي دعا للتهدئة وقف "صقور" الحرس الثوري في هذه الاجتماعات معارضين بشدة.. وقالوا ان قرار التهدئة الذي اتخذته ايران بعدم الرد على اغتيال إسماعيل هنية.. فسرته إسرائيل كنوع من الضعف.. وان عدم الرد بعد تصفية الهرم القيادي لحزب الله سيزيد من انطباع الضعف الإيراني لدى إسرائيل.. وبالتالي سيشجعها على ضرب ايران في الداخل.. ولهذا السبب يجب إعادة قواعد الردع خارجيا بأسرع ما يمكن.. والمرشد الأعلى الذي يمتلك الكلمة الفصل انحاز لرؤية صقور الحرس الثوري.. وهنا نفهم حدود سلطة الرئيس المنتخب في "ديمقراطية" ولاية الفقيه.. كل ما يملكه "الرئيس" في ولاية الفقيه هو بلع الإهانة.. وداخل هذه الأجواء "غير الودية" تم اتخاذ قرار رشقة الصواريخ الأخيرة ضد إسرائيل.
وهنا عليك ان تتوقف ملياََ امام "ديالكتيك" القيادة الإيرانية لتفهم الهوة بين الشطرنج الإيراني على ارض الواقع وبين الخطابات الحماسية.. فما تقوله لنا هذه النقاشات هو ان ايران وجدت نفسها بعد الأسبوع الدامي امام خيارين احلاهما مر.. وقرار الضربة كان ضمن منطق "مجبر اخاك لا بطل".. فهذه النقاشات تقول لنا ان القيادة الايرانية وبعد اغتيال إسماعيل هنيه اتخذت قرار بالتهدئة وعدم الرد.. في حين ان الخطاب الإعلامي آنذاك وعد بيوم قيامة لإسرائيل.. اما الضربة الثانية فقد قدمت إعلاميا كونها انتقاما لمقتل هنية وحسن نصرالله.. في حين انها ضمن العقيدة العسكرية للأمن القومي الايراني كانت لإعادة قواعد الردع مع اسرائيل.. خوفا من ان عدم الرد هذه المرة سيفسر من جديد كضعف مما سيدفع إسرائيل لضرب العمق الايراني.. باختصار.. هذه التسريبات تكشف لنا الفجوة بين خيارات القيادة الايرانية المحدودة (خياران احلاهما مر) وبين تحليق الخطاب الإعلامي في فضاء الشعارات.
في الساعات التي تلت ضربة إيران الاخيرة نشر وزير خارجية ايران عباس عراقجي "تغريدة" على موقع "اكس" قال فيها بأن إيران "مارست حق الدفاع عن النفس" وإن "تحركها انتهى في حال لم ترد إسرائيل على هذه الضربة" .. وهي لمن يعرف تاريخ ودور عراقجي في الشطرنج الإيراني يعرف انها رسالة الى أمريكا بان ايران لا تريد التصعيد اكثر وترغب بالتهدئة.. وهو وضمن رغبة التهدئة هذه زار بيروت قبل يومين ومنها قال إن طهران "تدعم جهود وقف إطلاق النار في لبنان".. عباس عراقجي هو مهندس كل الاتفاقات مع الإدارة الديمقراطية واهمها الاتفاق النووي عام٢٠١٥ حين كان يعمل مستشارا لجواد ظريف.. وهو بحسب نيويورك تايمز مصاب بخيبة امل لأن "الدول الغربية خدعتنا مرتين في الآونة الأخيرة.. مرة عندما طلبت منا عدم الرد على مقتل زعيم حماس إسماعيل هنية (من اجل اتفاق مستقبلي شامل بعد فوز الجمهوريين وهذا حلم ايران في السنوات الأخيرة ).. والمرة الثانية عندما طرحت فرنسا وبدعم امريكي هدنة لثلاثة أسابيع لمنع إسرائيل من "اجتياح" لبنان.. والهدف كان من فكرة الهدنة هو اتاحه الوقت لتفعيل قرار اممي يعود الى ما بعد حرب ٢٠٠٦ ويقوم بمقتضاه حزب الله بالتراجع الى ما وراء الليطاني.. وايران كانت موافقة على فكرة هذه الهدنة لإنقاذ "حزب الله" من حرب مفتوحة مع اسرائيل تعرف نتائجها مسبقا نظرا لعدم توازن القوى.. ولكن إسرائيل بهجومها الخاطف على حزب الله نسفت هذا المشروع (ايران دائما متأخرة "خطوة" على إسرائيل).. من هنا قول عراقجي بان الدول الغربية خانتهم.. ومفردة الخيانة في كلام عراقجي هنا ليست دقيقة.. فـ فرنسا عملت كل ما بوسعها من اجل هذه الهدنة من اجل انقاذ لبنان لأنه حديقتها الخلفية في منطقتنا.. ولكن نتنياهو لم يرضخ للضغوط الفرنسية.. وماكرون في غضبه من نتنياهو ذهب يوم أمس حد المطالبة بإيقاف تزويد إسرائيل بالسلاح مما اثار ازمة دبلوماسية بين إسرائيل وفرنسا.. وتصريح ماكرون يدل على حجم النقمة السائد في أروقة الخارجية الفرنسية من سلوك إسرائيل في لبنان.. لأنهم يعرفون ان القادم في لبنان اسوء اذا ما ذهبت إسرائيل في خطتها لتدمير حزب الله.
الشطرنج هي لعبة استراتيجية بامتياز.. لا غرابة انها سميت بلعبة الملوك.. عليك دائما ان تفكر ليس فقط بالخطوة الأولى ولكن أيضا بالخطوة التي بعدها والتي بعدها وهكذا دواليك.. وعليك أيضا ان تأخذ بالحسبان ردود فعل الخصم على كل هذه الخطوات.. وهي لذلك لعبة تتطلب لياقة فكرية عالية والاهم بروده أعصاب وهدوء.. ولتسهيل مهمة اللاعبين المحترفين الذين تعمل رؤوسهم بسرعة الكومبيوترات تم وضع قواعد مواجهة وبروتوكولات سلوكية صارمة.. واحدة من هذه البروتوكولات السلوكية التي يجب ان يلتزم بها اللاعبان اثناء المواجهة.. هو ان اللاعب الذي يحرك يده باتجاه الرقعة فقط ليضع قطعة خرجت قليلا عن مربعها في مكانها الصحيح.. عليه ان يقوم بإعلام خصمه مسبقا بحركته هذه.. بمعنى ان يقول له بانه سيقوم بلمس كذا قطعه فقط من اجل وضعها في مكانها الصحيح.. وليس من اجل القيام بخطوة "تصعيدية".
تصريحات عباس عراقجي من على موقع إكس بعد الضربة الأخيرة هي معادل دبلوماسي للبروتوكول الشطرنجي الانف الذكر.. ضرب الخصم ثم العودة الى سلوك مؤدب في المواجهة !! وهي بلغة الاستراتيجيا العسكرية تعني ان إيران تريد الاستمرار بالحرب الغير المتماثلة (اسّيميتريك).. الحرب الغير مباشرة.. الحرب بواسطة البيادق وعن بُعد (بعيدا عن الداخل الإيراني).. اما تصريح عراقجي من بيروت والذي يدعو للهدنة فهو مثل لاعب شطرنج مبتدئ يلعب مع كاسباروف ويدعوه في منتصف "الداس" لعقد هدنة بعد ان شاهد خيول وفيلة كاسباروف تصول وتجول على الرقعة !!!.
وزير خارجية ايران ورغم المستجدات الأخيرة يريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء ويريد الاستمرار بالعقلية الشاهنشاهية الامبراطوري والتي تقسم "رقعة الشطرنج" الاقليمي الى قسمين: قسم خلفي هادئ تركض فيه خيول "الملك اردشير" بطمأنينة ويدخن فيه أبناء الحرس الثوري الافيون الافغاني في ليالي طهران الماجنة.. ولا يجب على الخصم المساس به وتعكير مزاج الشباب!! وقسم امامي "حلال دم الغزال" تُدَمَْر فيه المدن والعواصم العربية عن بكره ابيها ويشرد اطفالها في العراء!!! وهذه الاستراتيجية الايرانية ليست جديدة .. وأفضل من عبر عن هذه الاستراتيجية العسكرية الايرانية الاستعلائية هو مجتبي باشائي مسؤول ملف الشرق الأوسط في جهاز السافاك أيام الشاه حين قال: "يجب علينا مقاتلة واحتواء خطر [المد الناصري] في الساحل الشرقي للبحر المتوسط لمنع سفك الدماء على الأراضي الإيرانية".
“We should combat and contain the threat [of Nasserism] in the East coast of the Mediterranean to prevent shedding blood on the Iranian soil
تغيّر النظام الايراني ولكن منطق الدولة الايرانية وامنها القومي لم يتغير.. فعندما احتلت داعش نصف العراق خرج علينا آنذاك واحد من قادة الحرس الثوري الكبار وكرر جملة مجتبى باشائي مع وضع مفردة التكفيريين محل مفردة المد الناصري.. وهم اليوم يضعون مفردة إسرائيل محل المد الناصري كما تقول لنا فحوى نقاشات القيادة الإيرانية الاخيرة: الامن القومي الايراني يقتضي "ضرب اسرائيل في "الساحل الشرقي للبحر المتوسط" لكي "ترعوي" ولا تفكر بسفك الدماء على الأراضي الإيرانية.. من هنا الضربة الأخيرة .. والكرة الان في ملعب إسرائيل.. شخصيا لا اعتقد ان اسرائيل ستقوم بالتصعيد والذهاب الى حرب مفتوحة الان.. هي ربما ستقوم برد محدود ومؤلم على ضربة ايران.. ولكنها ستنتظر وصول ترامب للسلطة.. إسرائيل في الوقت الحالي ستركز على لبنان وهي لا تريد تشتيت قوتها في هذه المرحلة.. ثم انها تعرف ان الـ"كش مات" يتطلب منها أولا تصفية البيادق!! ولبنان للأسف سيدفع ثمنا باهضاََ واكبر من حرب ٢٠٠٦.. ودائما بسبب دور حزب الله البيدقي في الشطرنج الإيراني.
خروتشوف اثناء الحرب الباردة مع الغرب كان يقول: "برلين هي خصية الغرب وفي كل مرة اريد فيها إيجاع الغرب اضغط على برلين"!! ودور حزب الله في الاستراتيجية الايرانية هو ليس للدخول في حرب مع إسرائيل وتحرير القدس.. فقط شخص "مكبسل" عقائديا يصدق هذا الهراء.. دور حزب الله في الاستراتيجية الإيرانية هو فقط للضغط على "خصية أمريكا" إسرائيل في كل مرة تريد ايران مقايضة أمريكا والغرب!! واليوم وبعد ان قطعت إسرائيل أصابع الكثير من عناصر حزب الله "بالبيجرات" المفخخة!! سيكون من الصعب على حزب الله اداء هذه المهمة "النبيلة"!! وانا اعتقد ان ايران وبعد "تقليم اظافر" حزب الله من قبل اسرائيل ..ستتحول في خطاب الايجاع والمقايضة مع الغرب الى التهديد بالضغط على "خصاوي أمريكا" في الخليج !!
في عام ٢٠٠٦ قام حزب الله بخطف جنديّان إسرائيليان من وحداتهم على الحدود.. مما دفع اسرائيل بشن حرب دمرت البنية التحتية اللبنانية.. تدمير البنية التحتية اللبنانية من اجل جنديّان إسرائيليان!! حتى ابسط مزارع لبناني في الجنوب فهم آنذاك ان حسابات الحقل لم تكن بمستوى حسابات البيدر!! كما يقول المثل الشامي اللطيف.. وتلك "الرعونة" السياسية أدت الى تذمر جزء كبير من اللبنانيين (كما هو الحال اليوم).. من هنا اعتراف حسن نصر الله وبعد "خراب البصرة" ان خطوة اختطاف الجنود التي أدت الى نشوب تلك الحرب كانت خطأ في الحسابات.. وايران التي تعرف موازين القوى ولا تريد ان تخسر بيدقها الثمين نبهت "السيد" حسن آنذاك ان خطف الجنود الاسرائيليين هو خطأ تكتيكي وخروج عن "قواعد الاشتباك" كما يسمونها.. والشاطر حسن ومنذ تلك الأيام وعد المرشد الاعلى ان يكون تلميذاََ نجيباََ ولا يتجاوز "قواعد الاشتباك" احتراما لسياسة الصبر الاستراتيجي الايراني!! وهنا عليك ان تفهم ان إسرائيل ما قبل هجوم حماس كانت تقبل بـ "قواعد الاشتباك" لسببين.. أولا من اجل الاحتفاظ باللياقة العسكرية من خلال استخدام الجنوب اللبناني كميدان رماية!! وثانيا وهنا المهم.. من اجل تبرير الدعم العسكري الأمريكي السنوي امام الكونغرس.. إسرائيل خط الدفاع الأول لأمريكا في المنطقة!!! كما يقول اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.. ولهذا السبب قبلت إسرائيل في السابق بالاستمرار باللعب مع "زعاطيط" حزب الله طالما انهم يحترمون قواعد الاشتباك.
ولكن اسرائيل بعد هجوم حماس غيرت اسلوبها في "لعب الشطرنج" مع حماس وحزب الله ..في حين ان حسن نصرالله استمر باللعب باسلوب "قواعد الاشتباك" كما وعد المرشد وكأن شيئاََ لم يكن.. انه منطق البيدق .. وافضل من عبر عن عقلية البيدق هذه هو هادي العامري حين كان متجحفلا ضمن جيش خميني اثناء الحرب العراقية الإيرانية وقاتل ضد "بلده" العراق.. وهناك فيديو مشهور نشاهد فيه هذا البيدق يقول فيه بـ قرقوزية مضحكة : "الامام يقول حرب .. حرب .. الامام يقول سلم .. سلم ".. وحسن نصرالله طبق هذا المنطق بحذافيره طوال السنة الماضية ..وهو اثناء هذه السنة تلقى ضربات موجعة كثيرة من قبل إسرائيل.. ضربات نسفت كل "قواعد الاشتباك" السابقة.. ولكن السيد حسن كان بعد كل ضربة ينظر بوجل للمرشد.. فيأتيه الجواب: الصبر الاستراتيجي.. عليك بالصبر الاستراتيجي يا حسن.. وضربة بعد أخرى ..ورأس بعد اخر .. وجد حسن نصرالله نفسه بلا مبادرة.
وهذا السلوك البيدقي هو بالتحديد من قتل "السيد" حسن .. لأنه ذهب لمقر الحزب في الضاحية التي اخلتها إسرائيل من سكانها.. والادهى في أسبوع صَفَت فيه كل الهرم القيادي لحزبه.. كيف للسيد حسن الذهاب لمقر الحزب بعد هذا الاختراق الاستخباراتي المذهل !!! لماذا لم يغير بروتوكوله الامني !!! يتساءل حتى اغبى اغبياء الضاحية اليوم .. والجواب هو لان السيد حسن تعود تنفيذ تعليمات المرشد.. والمرشد بعث له في ذلك اليوم تعليمات مهمة عن طريق "مبعوث".. ومبعوث المرشد استدعاه لمقر حزب الله !! والبيدق لا يمتلك حيز حركة كبير!! البيدق ميكانيك غبي على رقعة الشطرنج ..الى الامام .. توقف .. الى اليمين در .. الى اليسار در !! ولهذا السبب بالتحديد تسقط البيادق اولاَََ.
باختصار.. إسرائيل بعد هجوم حماس الذي صدمها امنيا ونفسيا قامت بتحديث جميع تطبيقات حاسوبها الاستراتيجي وبدأت تستخدم الذكاء الاصطناعي للتحضير لعملياتها.. في حين ان حزب الله استمر باستخدام كُتيب "قواعد الاشتباك" الإيراني العتيق .. ولكي نستخدم مجازيات الشطرنج وافتتاحياته الكلاسيكية.. حسن نصر الله استمر باستخدام "افتتاحية كاروكان" الدفاعية التقليدية والتي كان يفضلها كاربوف في القرن الماضي.. في حين ان إسرائيل بعد هجوم حماس راحت تستخدم "الافتتاحية الصقلية" التي تمنح قطعها الكبيرة حيز حركة اوسع وبالتالي فرص هجومية أكبر.. وهي الافتتاحية التي يفضلها اليوم بطل العالم ماغنوس كارلسون المختص بالشطرنج الخاطف السريع!!
فريدريك نيتشه يقول "الافعى التي لا تُجدد جلدها تموت".