It is haram to kill cats, but it is good to kill the Jaish al-Mahdi
هنا مفهوم ما بعد الحداثة للقتل .. المأساة العراقية تبلغ ذروتها .. والسؤال الشكسبيري في عراق اليوم قد تم تحويره : " تقتل او لا تكون ، هذا هو السؤال" .. عمار،"هاملت" العراقي، يصحو باحثا عن انتقام لـ "أمه" .. و"الحجية" شخصية تليق باحدى روايات دستويفسكي .. حفارة قبور ربما .. هنا "ابطال من زماننا" .. شخصيات مجتمع قتلته ثقافة الثأر .. نجدهم "بلحمهم و شحمهم" في مقالة لي اندرسون في النيويوركر .. عمار وكريم في هذه المقالة هما ايضا نموذج لجيل عصر العمامة .. ومسارهما يؤرخ لمسار سقوط شعارات المظلومية في وحل الجريمة .. وهما بعد هذا وذاك نموذج لصحوة اخرى في زمن الصحوات المتأخرة.. لم يفهموا في البداية معنى الجريمة.. اليوم وقد وقع فأس جيش المهدي على الرأس بدؤوا يعون حجم الجريمة .. من هنا مفهوم ما بعد الحداثة لمعيار القتل : قتل القطط حرام .. قتل جيش المهدي ليس حرام .. بل هو مستحب كما يقول عمار الشيعي .. لنا ان نتخيل مفهوم القتل عند الجيل القادم .. مفردة القطط هنا ذكرتني بجملة اخرى قرأتها في مقالة غيث عبد الاحد عن "فرسان العامرية" ونشرتها الغارديان قبل اربعة ايام .. وهي جملة لشيخ يصف فشل السياسة الأمريكية في العراق :
"It's like someone who brought cats to fight rats, found himself with too many cats and brought dogs to fight the cats. Now they need elephants
من قال ان العراق لم يصبح بعد غابة !! مقالة لي اندرسون ومقالة عبد الاحد هما الاهم من بين جميع ما نشر من مقالات في الاسابيع الاخيرة عن الوضع في العراق .. والقطط ليست المشترك الوحيد بينهما .. ما يثير الانتباه فيهما هو الحيز الذي يحتله الشيخ او كلام الشيخ في كِلاهما .. والمثير اكثر ان كلام الشيخ في مقالة عبد الأحد/ الغارديان لا يختلف كثيرا عن كلام الشيخ في مقالة لي اندرسون/ النيويوركر .. كلا الشيخان يعطي رؤيته لما يجري في العراق او لما سيجري ايضا .. كلاهما يمر على الفشل الامريكي في العراق ..كلاهما يشير الى فشل "الحكومة .. وكلاهما يطرح نفسه كبديل .. هل هي مصادفة !!
ينبغي قراءة مقالة غيث عبد الاحد الاخيرة كتتمة لمقالة اسبق عنوانها "الجهاد الان ضد الشيعة" نشرتها له الغارديان في بداية هذه السنة .. ونجد فيها اسباب انفصال بعض الفصائل السنية عن تنظيم القاعدة وتحالفها مع الامريكيين .. فمنذ حملات التهجير التي قام بها جيش المهدي للسنة في بغداد لم يعد اليانكي هو العدو بالنسبة لتلك الفصائل .. لقد توصلوا الى قناعة ان جيش المهدي في طريقه لاخلاء بغداد من السنة اذا ما استمروا في القتال على جبهتين : الامريكان والميليشيات الشيعية .. منذ ذلك الحين والمعركة مع المليشيات الشيعية هي المعركة الاهم عندهم .. مقالة عبد الاحد الاخيرة لاتضيف شيئا بهذا الخصوص عندما تتحدث عن خطط قائد "فرسان العامرية" الذي ينوي محاربة المليشيات الشيعية في حي الجهاد .. ما هو مهم في المقالة الاخيرة يكمن في كونها تعطي لمحة للصراع المتشرنق بين المكونات السنية المتعاونة مع الامريكان .. وهو هنا بين "الحزب الاسلامي" وبين "فرسان العامرية" ذوي الارتباطات العشائرية .. ففي طبيعة و نتيجة هذا الصراع سيتحدد حجم الدعم الذي سيحصل عليه الشيخ في الوسط السني .. وبالتالي مصير الصراع بين الشيخ و"القاعدة" وهو ما سيحدد جزء مهم من مصير العراق.
محاولات كسب الفصائل السنية بدأت منذ سنتين تقريبا .. وقد ترافق ذلك مع اقرار الامبراطورية التدريجي بعدة حقائق : عدم استطاعتها القضاء على المقاومة مما افشل" العملية السياسية" وبالتالي موتها السريري الحالي .. فشل محاولاتها للاتفاق مع الاجنحة الايرانية"المعتدلة" على تحديد قواعد للعمل اوللنفوذ الاقليمي .. مما وضعها في النهاية امام حقيقة لم تقبلها بسهولة وهي انها قد ارتكبت خطأ استراتيجيا فادحا في غزو العراق .. ذلك ان ايران هي الرابح الاكبر اقليميا من احتلال العراق .. وايران لا تريد التفريط بهذا المكسب الاستراتيجي .. مما يفرض اعادة للحسابات وجرد لبضاعة الوكلاء الصغار ومستحقاتهم .. من هنا محاولة الامبراطورية تصحيح مسار عجلتها في الداخل العراقي.
ادوات تقليم مخالب "القطط الفارسية" الجارحة قد تم وضعها الان على الطاولة .. و مثل هكذا استدارة في الداخل العراقي كما في الاقليم لابد من ان تسبقها وتهيئ لها استدارة اعلامية .. خطوات جنود الامبراطورية يصاحبها دائما قرع شديد ومركز ومستمر للطبول الاعلامية .. من هنا التحول الذي نراه في معالجة المشهد العراقي .. من هنا الحديث المتزايد عن فشل الحكومة الشيعية : جرائم واختلاسات الحكومة هو جزء من الغسيل القذر الذي بدأت تنشره الماكنة الاعلامية بكثرة في الاسابيع الاخيرة .. رغم انه قديم قدم الاحتلال .. وبالمقابل بدأ القارئ الأمريكي يسمع عن معاناة السنة : كيف يُمنعون من الدخول الى المستشفيات .. وكيف اذا دخلوا سهوا يشنق مرضاهم بالانابيب البلاستيكية المعدة طبيا لتغذيتهم تقطيرا .. وكيف تحولت "وزارة الصحة" الى وزارة موت .. وكيف يقتلون ويهجرون من احيائهم على ايدي جيش المهدي المسنود من قبل اجهزة الحكومة :
"It's just a slow, somewhat government-supported sectarian cleansing," said Maj. Eric Timmerman, the battalion's operations officer.
هذا التركيز الغير مسبوق في الصحافة الامريكية الواسعة الانتشار على فشل وفساد الحكومة الشيعية وعلى جرائم مليشياتها بحق السنة ليس من قبيل الاهتمام الانساني .. من يصدق دموع التماسيح .. والمساحة الصحفية الواسعة التي تكرس للشيخ .. ليس من باب الضيافة المجانية .. وانما هي موسيقى طالما عزفتها اوركسترا الامبراطورية الاعلامية .. وهي هنا قد ادخلت الربابة ضمن الجوقة تحية للكوفية التي ترافق الاستدارة .. فالشيخ اليوم هو الورقة الاثمن في يد الامريكي المنهك في العراق .. و لا بد من "اكرام" الشيخ امام ابناء عشيرته وطائفته املا في تكوين قاعدة شعبية اكبر للشيخ .. تحسبا لما يمكن ان يضطلع به من دور سياسي مستقبلا.
ما اشبه اليوم بالبارحة .. العم سام يتبع اليوم سياسة العم ابو ناجي مع بعض التحوير .. الشيخ والبنادق كانت وسيلة بريطانيا في النصف الاول من القرن العراقي الماضي .. وهي قد نجحت بكبح جماح فيصل الاول وطموحه في دولة قوية حين عملت كل ما في وسعها من اجل تقنين سلاح وعدد افراد الجيش العراقي انذاك والمراوغة بخصوص قانون التجنيد الالزامي .. من هنا مقولة الملك فيصل الاول المشهورة : "في هذه المملكة هناك اكثر من مئة الف بندقية في حين اننا كحكومة لانملك اكثر من 15 الف بندقية" .. وفيصل الاول كان يعرف ان" الدولة بنادق" .. وان الاستقلال بنادق .. وبنادق بعض التحالفات العشائرية الكبيرة كانت اكثر من بنادق الدولة انذاك كما يقول حنا بطاطو:
Under such circumstances the English could always use one group or other of the big tribal chiefs to check any possible deviation by the king from the line upon which they had their will fixed. When, for instance, in 1922 Faisal took upon himself to work for the defeat of the British “mandatory” scheme for Iraq, Shaikh ‘Addai aj-Jaryan of Albu Sultan and fifteen other shaikhs from the Hillah Shatt strongly protested in a telegram to the high commissioner their “support for this useful scheme without which the ‘Iraq and her sons cannot achieve progress. The sheikhs of Bani Rabï’ah, for their part made known that they viewed “with sincere horror the possible withdrawal of British supervision. More than that, Shaikh ‘Ali Sulaiman of the Dulaim and forty other tribal chiefs, in an audience with Faisal, unabashedly reminded him that “they had –sworn allegiance to him on condition that he accepted British guidance. “ Batatu, The old social classes, p. 134
في ذلك الوقت نقل الانكليز علي السليمان بطائرة من بغداد الى الرمادي كرسالة رمزية لأبناء عشيرته تدليلا على مقامه ومكانته عندهم واعلاء لهيبته وبالتالي لسلطته النافعة لسياستهم .. في زمن كانت الطائرة اعجوبة من عجائب العالم حتى للبريطاني العادي .. سماء الرمادي استقبلت طائرة "عجيبة" اخرى قبل اسابيع .. هل هي مصادفة !!! هبوط طائرة جورج بوش وكبار معاونيه في الرمادي قبل اسابيع لِلقاء ابو ريشة في ديرته ارسلت نفس الرسالة الرمزية .. والانثروبولوجيا قد جندت اليوم علنا .. هبوط "الاير فورس وان" على مقربة من "خيمة" الشيخ تشرح اهمية الشيخ الاستراتيجية في نظر الامبراطورية اليوم.
ملاحظة حنا بطاطو تذكرنا بشيء مهم وهو ان الشيخ كان العنصر الاهم في مساعدة بريطانيا في فرض سياسيتها وشروطها انذاك .. امريكا تحاول اليوم ان تفعل نفس الشيء .. ففي مجتمع ينوح ويلطم "علمانيوه" على فرس ماتت عطشى قبل اكثر من الف وثلاثمئة عام لم يعد هناك فيه الا منظومتين ذات فعالية : الجامع والعشيرة .. امريكا قد اعتمدت حتى الان على العمامة وبالنتيجة التي نعرف .. هي اليوم تستعين ببنادق الشيخ.
"The history of the shaikhs, as traced thus far, reveals that powerful sheikhs were a concomitance of weak cities; and that, inversely, the growth of cities involved the political decline of the sheikhs." Batatu, The old social classes, p. 78
هذا ما يقوله حنا بطاطو ومن منظور سوسيولوجي تاريخي بخصوص العلاقة الجدلية بين الشيخ والمدينة .. ضعف المدينة قوة للشيخ وقوة المدينة ضعف للشيخ .. كُثر هم ابناء المدينة اليوم ممن يعيدون اكتشاف نسب عشائري ضائع املا بحماية وسط غابة البنادق التي لا ترحم .. المهجر هو السبيل الوحيد لمن لايعترف بخيمة او بجامع او حسينية .. ولفريد ثيزيغر في كتابه عن عرب الاهوار يعطينا الوجه الاخر من المسار الجدلي بين الشيخ والمدينة ،حيث يصف لنا بشكل رائع ظروف الهجرات الجنوبية من الارياف الى المدينة في خمسينات القرن العراقي الماضي .. نمو المدينة انذاك سهل الفرار من قسوة وسياط الشيخ .. مسكينة هي بغداد ومسكينة هي البصرة .. قتلتهما كثرة الرعاع .. المدينة العراقية شوهتها "تقدميات" الارياف التي نهض بها انصاف المتعلمين الذين خرجتهم مدارس العراق وجامعاته بالجملة .. وهذه الفئة من الناحية السوسيولوجية البحتة هم حطب المجتمعات الغير مستقرة .. والمدينة اليوم يحكمها ويقتلها من "لبس" من هولاء العمامة في منتصف الطريق .. كثرة الجرذان تعلن نهاية الحضارة .. تعلن موت المدينة .. وعندما تموت المدينة يحيا الشيخ.