هناك كومة من الكتاب العراقيين يدّعون مناهظة الاحتلال ولكن عندما تقرأ كتاباتهم يخال لك ان العراق محتل من قبل المقاومة العراقية وليس من قبل امريكا وايران .. فهم نادرا ما يتصدون للاحتلال او مماليكه.. ولكنهم بالمقابل يكرسون جل جهدهم لتسقّط هفوات المقاومة .. عبد الامير الركابي واحد من هولاء .. وهذا الركابي هو راكب موجات معروف ما ان يجف فيه وبه تيار ايديولوجي حتى "ينط" راكبا موجة اخرى سابحا مع التيار.. باختصار تلميذ نجيب لـ عزيز الحاج الذي قايض رفاقه وحزبه الشيوعي بمنصب ممثل العراق في اليونسكو .
قبل ثلاثة اشهر وامام نتائج الانتخابات المحلية الاخيرة اعتقد الركابي انه امام موجة جديدة .. وهو وبحس راكب الموجات المتمرس اعتقد انه لابد من ركوبها .. وهكذا كان .. عاد للعراق وقابل المالكي .. واخذ يصرخ من كل المنابر بضرورة عودة المعارضة العراقية للعمل من الداخل .. وحجة راكب الموجات هذا هو انه لمح عند المالكي ارهاصات "قناعة يضمرها ضد العملية السياسية الأميركية" .
هذا الذي يقدم نفسه على انه منظّر زمانه ..هذا المحلل الفلتة اعتقد ويعتقد ان المالكي الذي هو صنيعة العملية السياسية الامريكية ودميتها الاكثر طاعة سوف يقلب الطاولة على اللاعب الاكبر !! لا تستغربوا .. فمثل هكذا سذاجة في تحليل الاحداث السياسية ليس شيئا جديدا على هذا الصنف من "الرفاق" .. فهذا الرجل الذي كان يشغل منصب "نائب عريف" في فصيل عزيز الحاج الشيوعي، له تاريخ حافل بتحليلات فنطازية تحتوي على كم هائل من "منعطفات تاريخية" و "لحظات مصيرية" و "كينونة"... الى اخره من الاسلوب الحشوي الذي يميز لغة اليسار العراقي .. نعم .. فالرجل كان ولا يزال من الصنف الذي لا يميز بين الثورة وبين زوبعة في فنجان .. وهذه ليست المرة الاولى التي تتحول فيها زوبعة في فنجان (كنتائج الانتخابات الاخيرة) الى"ثورة" ولحظة مصيرية ومنعطف تاريخي الى اخره من "الخريط" اليساري ..ولكنها حتما المرة الاولى التي يعود فيها راكب الموجات بهذه السرعة من تعرجات "المنعطف التاريخي" ..وبخفّي حُنين .. ومن هنا زعيقه الاخير الذي يشبه زعيق تلميذ فاشل .
الزعيق الاخير لهذا المحلل الفاشل هو عبارة عن مقال يقول لنا فيه بان المقاومة العراقية جزئية وطائفية .. ورغم انه في هذا المقال يدحرج ذاته برفقة كلمات رنانة كـ "علم الاجتماع السياسي" و "الواقعية الاصطلاحية" و"الحيادية"، ولكنك تقرأ المقال من اوله الى اخره وبشق الأنفس (بسبب رداءة الاسلوب الخالي من اي تسلسل منطقي) ولا تجد لا علم اجتماع سياسي و لا اصطلاحية ولا حيادية ولا هم يحزنون .
اولى مسلمات علم الاجتماع السياسي هو ان الكلمات لا تحمل مضامينها .. من هنا الحاجة الى نقل الكلمات من مستوى الاستخدام الكليشاتي المتداول الى المستوى الاصطلاحي التخصصي .. وهذا لا يتم الا من خلال عملية التعريف "العلمي" للكلمات .. ومقال الركابي خال من اي تعريف لا لمفردة "الجزئية" و لا لمفردة "الطائفية" وهما قنبلتاه الصوتيتين .. ولا لأي من كلماته الرنانة .. عندما يعيب كاتب ما على خصومه عدم تقبلهم للطرح الاصطلاحي ويأتي بنفس الوقت بمقال خال من اي تعريف اصطلاحي فهذا يسمى ادعاء اجوف .. وهو اسلوب ينم عن نرجسية متعالية لا تمتلك مكونات التعالي .. من يقول لهذا "الرفيق" ان زمن حشو المقالات بالكلمات الرنانة وتوظيفها كقنابل صوتية من اجل الارهاب الفكري قد ولى .
مقال الركابي ورغم وهم الحيادية هو عبارة عن قناعات شخصية تتدحرج على هيئة كليشات على طول مقاله .. وبتخبط من لا يسيطر على موضوعه .. وانا هنا اخصص جائزة رمزية لمن يستطيع قراءة وفهم الفقرة الاولى من مقال الركابي .. متمنيا حظا سعيدا لمن يحاول .. اسلوب "الشرطة وحرامية" هذا هو سمة مميزة للكثير من كتاب اليسار العراقي ..وهو اسلوب ناتج عن هشاشة تصوّرية .. فمن لا يملك تصورا واضحا عن فكرته يترجم ذلك اوتوماتيكيا في كتابة غير واضحة .
تعالوا الان "نتعارك" مع فحوى مقال الركابي الذي يقول : لقد عالج العالم العربي قضية الطائفية وخصوصا في لبنان (الذي هو نموذج الركابي في هذا المجال !!) ولكننا في العراق متخلفين عن الركب .. و"هذا شأن يتجلى اليوم في التدني الرهيب في استعدادات تقبل حتى الواقعية المصطلحية، أو تعلم مبدأ حيادية الفكرة أو المصطلح" .. "فالعراقيون" لا يقبلون حتى تعبير الركابي الاصطلاحي " المقاومة العراقية هي مقاومة جزئية وطائفية" .. على العكس هناك من يصر على ان «المقاومة هي الممثل الشرعي للشعب العراقي» .. وهذا نكران لطائفية المقاومة بحسب الركابي .. فالمقاومة طائفية لعدم وجود "أي وطني من منبت شيعي في موقع متقدم ومقرر في الكتلة التي توجّه العمل المقاوم أو تقوده .. هذا مع العلم أنّ نسبة العراقيين من الشيعة، تفوق عددياً السنّة، والوطنيين المناهضين للاحتلال منهم كثر" .. وخلاصة الركابي "هنالك فرضية نهائية لا تقبل الجدل تقول إنّ العراق يجب أن يعرف ظهور مقاومة «وطنية»، بمعنى شاملة لكل المكونات" ( الجمل المُنصّصة هي حرفيا للركابي) ..انتهى
ساترك جانبا سذاجة الركابي المذهلة بحيث يعتبر نفسه محايدا !! فعندما ينكر شخص ما "الموقع الذي يتكلم منه" او "خلفيته" فهو يجهل اولى قواعد علم الاجتماع السياسي .. وساترك جانبا عدم فهم الركابي لمعنى الفرضية حين يقول " فرضية نهائية لا تقبل الجدل" .. فهذه اول مرة في حياتي اسمع ان من خصائص الفرضية عدم قبولها للجدل !! وهذه الجملة لوحدها تكشف عن جهل الركابي بادوات البحث السوسيولوجي .. وساترك جانبا سخافة الركابي حين يقول لنا ان لبنان هو نموذج في التطرق لمشكلة الطائفية .. لما لا .. كل له الحق ان يكون شخابيطيا .
ولكنني ساركز على فحوى مقال الركابي محاولا اعطاءه ترابطا منطقيا يفتقده .. فاسلوب "الشرطة وحرامية" الذي يستخدمه الركابي حمال اوجه و يسمح للخناجر الملتفة بالتقية بالظهور وكأنها ابتهالات عذراوات بريئة .. اولا .. ان تقول ان المقاومة محصورة في الوسط السني هو شيء .. ولكن ان تقول ان المقاومة طائفية فهو شيء مختلف تماما .. وهذا ما فات الركابي الملوّح بفزاعة المصطلح من دون استخدامه .. ثانيا، نعم العراق بحاجة لظهور مقاومة «وطنية» شاملة لكل المكونات .. ولكن عدم ظهور تلك المقاومة الوطنية الشاملة لكل المكونات هو ليس مسؤولية المقاومة السنية.. وتحميل المقاومة السنية مسؤولية ذلك هو كمن يقول للمقاومة: "يا مقاومة لا تقاومي الى حين ظهور مقاومة لكل المكونات الاخرى" !! وهذا منطق اعرج .
طرح الامور بتلك الطريقة المترابطة منطقيا يكشف عن الغائب والمُغيّب في طرح الركابي ..فهذا الطرح يضع امام انظار الركابي سؤال سبب غياب "المكون الاخر" في المقاومة .. وخصوصا مسؤولية قادة ونخب ذلك المكون عن تلك الحالة .. فما معنى الوطنية حين ينتظر "الشيعي" فتوى السيد لكي يقاوم من احتل بلده !! نحن هنا امام اهم سؤال في العراق العماماتي .. وكالعادة هو سؤال غائب عن طرح الركابي وكومة الكتاب التي تدور في فلكه .
ثالثا .. الركابي يقول لنا انه يرفض الطائفية ويتهم الاخرين بالطائفية ولكنه يستخدم ويوظف في حجته جوهر الخطاب الطائفي ..فحين يقول لنا ان المقاومة طائفية لانه "لم يصادف أن وجد أي وطني من منبت شيعي في موقع متقدم ومقرر في الكتلة التي توجّه العمل المقاوم أو تقوده" و يضيف "علما أنّ نسبة العراقيين من الشيعة، تفوق عددياً السنّة" .. فهو يدحض نفسه بنفسه .. فالوطنية هو ان تنظر للعراقي على اساس المواطنة، على اساس عراقيته .. اما ان تقول ان نسبة العراقيين من الشيعة، تفوق عددياً السنّة فهو نفي لمفهوم "العراقيين" كشعب من وجهة النظر الاصطلاحية .. وهذا تناقض داخلي في منطق الركابي .. وسبب هذا التناقض هو غياب اصطلاحي تام في استخدام الركابي للكلمات .
باختصار .. الركابي يريد الغاء العملية السياسية الامريكية لانها قائمة على المحاصصة الطائفية التي اعطتنا الكارثة الحالية .. ولكنه وياللغرابة يطالب فيما يخص المقاومة باحياء المحاصصة .. من هنا مطالبته بـ "كوتا" طائفية في المقاومة وحجته ان نسبة الشيعة في العراق تفوق عددياً السنّة .. وهذا ليس "منطق" من لا يمتلكون منطق .. لا، لا .. انه "منطق" من لم يخرجوا بعد من المنطق الطائفي .. لعدم امتلاكهم رؤية اصطلاحية للهوية العراقية .. لذلك هم غير قادرين على رؤية الاخر الا من خلال انتمائه المذهبي .. من هنا فان المقاومة هي سنية وطائفية فقط لعدم وجود "أي شيعي في موقع متقدم ومقرر في الكتلة التي توجّه العمل المقاوم أو تقوده" .. هل ترون ما ارى ؟؟ هل يذكّركم هذا الخطاب بالماضي القريب ؟؟ حتى امام المقاومة هناك مظلومية شيعية !!
صدمة الركابي .. وهستريا الناشرين
ردحذفhttp://alialhamdani.blogspot.com/2009/04/blog-post_4360.html