في عام 1907 كان ستالين في المانيا للمشاركة في مؤتمر شيوعي للاممية الثانية عقد في شتوتغارت.. في الطريق الى المؤتمر رفض بعض الشيوعيين الالمان ركوب القطار لعدم وجود مفتش وقاطع التذاكر.. وقد منعهم هذا الالتزام الصارم بالقواعد من حضور جلسات المؤتمر الذي جاؤوا لحضوره من مسافات بعيدة.. ستالين روى تلك الحكاية بعد ذلك لـ تشرتشل مضيفا: "الالمان شعب قطيعي، يتبعون الكبش اينما ذهب".
انا شخصيا لا افهم اين تكمن القطيعية هنا.. لو كان ستالين وفيا لِلغة الشيوعيين الخشبية لقال ان احترام الالمان الصارم للقواعد هنا هو "برجوازية".. فالقطيعية هي السير"عمياوي" خلف الاخر الاعمى.. القطيعية هي ميكانيك غبي.. وما يقوم به الالمان هنا هي وقفة.. وقفة تنتفي معها الحركة.. وبلا حركة ليس هناك قطيعية.. الالمان هنا يتوقفون عن الحركة ليس لان شخص ما قال لهم توقفوا.. ليس هناك وجود للكبش او للراعي.. هناك شيء في داخلهم جعلهم يتوقفون.. الوقفة هنا دليل إعمال فكر.. إشتغال فكر.
ما لم يراه ستالين في سلوك الالمان هنا هو مسار تحول سايكولوجي في شخصياتهم.. او مايسميه عالم الاجتماع نوربرت الياس بـ"مسار التحضّر".. وهو مسار تغيُّر في العلاقة بين القيود المجتمعية الخارجية والقيود الذاتية الفردية.. عندما يلتزم فرد ما بقاعدة اجتماعية من دون رقيب خارجي فهو دليل نمو الرقيب الذاتي عند الفرد.. دليل تحضّر عند الفرد .. والمجتمعات المتحضرة هي مجتمعات انتجت عدد كبير من مثل هولاء الافراد القادرين على الالتزام بالقواعد الاجتماعية من دون رقيب خارجي.. والمجتمعات "الفاشلة" هي مجتمعات لم تستطع انتاج ما يكفي من هولاء.. الفرد في المجتمعات "الفاشلة" يحتاج دائما الى رقيب خارجي.. الى شرطي .
نوربرت الياس يعطي مثلا رائعا بخصوص الرقيب الذاتي : تصوروا طفلا يُعاقب دائما من قبل والده بسبب سلوكه السيء.. مثل هذا الطفل سيتعلم تجنب السلوك المنبوذ فقط بدافع الخوف من ابيه.. ولكن جهاز القيود الذاتية/الرادع الذاتي عند هذا الطفل سيظل قاصراً وغير كافي لحمله على تصويب نفسه بنفسه.. هو سيظل بحاجة الى تهديد الاخرين من اجل كبح جماح سلوكه السيء.. وقدرة هذا الطفل على كبح جماح سلوكه السيء كانت ستتطور بشكل اكبر لو اتبع والده سلوك اخر غير العنف، الاقناع مثلا.. مما قد يساعد الطفل تراكميا على تجنب السلوك السيء من تلقاء نفسه.
المجتمعات الفاشلة تفشل لانها لم تستطع خلق مواطن يلتزم بالقاعدة الاجتماعية من دون شرطي ..لانها لم تستخدم وسائل تربية اخرى غير العنف .. والعنف ينتج "مواطنين" يحملون جهاز رقابة ذاتيه فاشل.. بالاحرى لايحملون بالمرة جهاز رقابة ذاتية.. من هنا فعندما يغيب "الشرطي" يظهر الحرامي.. يظهر العلاس.. يظهر السرسري .
الموضة اليوم عند ديكة ثقافة اللطم وبعد الفشل الذريع للعمامة هو رمي مسؤولية الفساد الحاضر على الماضي.. "عبد السادة" فاسد لانه نتاج حكم دكتاتوري.. لم لا.. التبرير رياضتنا المفضلة.. ولكن المجتمع الالماني ايضا عاش تحت حكم الدكتاتور.. اذا ما الذي جعله ينهض بهذه السرعة من كبوة الدكتاتور؟ لأنه اجتماعيا انتج افراد يحملون جهاز رقابة ذاتية.. افراد عندما يشاهدون خطأ ما يتوقفون.. افراد يعرفون معنى المنفعة العامة.. افراد لايسرقون اجهزة المستشفيات التي وجدت لخدمتهم.. افراد لا يحرقون مدارس ابنائهم لانهم يعتبرونها ملك الدولة او النظام.. الفشل يا سادة.. او ياعبيد السادة.. الفشل مجتمعي وثقافي قبل ان يكون سياسي.. فقرون من قراءة نهج البلاغة لم تخلق فرد يحمل رقيب ذاتي .
ثقافة اللطم لا ولن تخلق فرد يحمل رقيب ذاتي.. ولا حتى بعد الف عام.. لسبب بسيط.. لانها ثقافة اسكاتولوجية قائمة على مقايضة الارضي بالسماوي.. فرد يؤمن بمُخلّص هو فرد هش لايؤمن بقدرته على الخلاص.. فرد ينتظر عودة المهدي هو فرد قاصر فكريا ونفسيا.. ومثل هكذا فرد قد يطور كل شيء الا رقيب ذاتي.. ثم لماذا نذهب بعيدا في التحليل.. اذا كان "اية الله" لم يطور رقيبه الذاتي.. والدليل انه تحول الى سمسار عقارات في لندن.. فهل يطور مسحوق رقيبه الذاتي؟
الالماني الذي يرفض ركوب القطار لان قاطع التذاكر غير موجود هو نتاج قيم معينة.. نتاج فلسفة معينة.. هذا الالماني تعلم ان نيّة الكذب.. وليس الكذب.. مجرد نيّة الكذب هي عمل غير اخلاقي.. قالوا له وظلوا يرددون على اسماعه: اذا لم تسرق فقط لانك خائف من الشرطي فانت مذنب.. انت مذنب حتى وان لم تسرق.. نيّة السرقة بحد ذاتها حتى وان لم يرافقها فعل السرقة هي عمل غير اخلاقي.. انها فلسفة اخلاق النيّة لـ ايمانويل كانط.. اين انتم من هولاء وقد جعلتم من التقية اسلوب حياة ؟
* العنوان هو مقطع من قصيدة لـ غوته .
? Kennst du das Land wo die Zitronen blühen
انا شخصيا لا افهم اين تكمن القطيعية هنا.. لو كان ستالين وفيا لِلغة الشيوعيين الخشبية لقال ان احترام الالمان الصارم للقواعد هنا هو "برجوازية".. فالقطيعية هي السير"عمياوي" خلف الاخر الاعمى.. القطيعية هي ميكانيك غبي.. وما يقوم به الالمان هنا هي وقفة.. وقفة تنتفي معها الحركة.. وبلا حركة ليس هناك قطيعية.. الالمان هنا يتوقفون عن الحركة ليس لان شخص ما قال لهم توقفوا.. ليس هناك وجود للكبش او للراعي.. هناك شيء في داخلهم جعلهم يتوقفون.. الوقفة هنا دليل إعمال فكر.. إشتغال فكر.
ما لم يراه ستالين في سلوك الالمان هنا هو مسار تحول سايكولوجي في شخصياتهم.. او مايسميه عالم الاجتماع نوربرت الياس بـ"مسار التحضّر".. وهو مسار تغيُّر في العلاقة بين القيود المجتمعية الخارجية والقيود الذاتية الفردية.. عندما يلتزم فرد ما بقاعدة اجتماعية من دون رقيب خارجي فهو دليل نمو الرقيب الذاتي عند الفرد.. دليل تحضّر عند الفرد .. والمجتمعات المتحضرة هي مجتمعات انتجت عدد كبير من مثل هولاء الافراد القادرين على الالتزام بالقواعد الاجتماعية من دون رقيب خارجي.. والمجتمعات "الفاشلة" هي مجتمعات لم تستطع انتاج ما يكفي من هولاء.. الفرد في المجتمعات "الفاشلة" يحتاج دائما الى رقيب خارجي.. الى شرطي .
نوربرت الياس يعطي مثلا رائعا بخصوص الرقيب الذاتي : تصوروا طفلا يُعاقب دائما من قبل والده بسبب سلوكه السيء.. مثل هذا الطفل سيتعلم تجنب السلوك المنبوذ فقط بدافع الخوف من ابيه.. ولكن جهاز القيود الذاتية/الرادع الذاتي عند هذا الطفل سيظل قاصراً وغير كافي لحمله على تصويب نفسه بنفسه.. هو سيظل بحاجة الى تهديد الاخرين من اجل كبح جماح سلوكه السيء.. وقدرة هذا الطفل على كبح جماح سلوكه السيء كانت ستتطور بشكل اكبر لو اتبع والده سلوك اخر غير العنف، الاقناع مثلا.. مما قد يساعد الطفل تراكميا على تجنب السلوك السيء من تلقاء نفسه.
المجتمعات الفاشلة تفشل لانها لم تستطع خلق مواطن يلتزم بالقاعدة الاجتماعية من دون شرطي ..لانها لم تستخدم وسائل تربية اخرى غير العنف .. والعنف ينتج "مواطنين" يحملون جهاز رقابة ذاتيه فاشل.. بالاحرى لايحملون بالمرة جهاز رقابة ذاتية.. من هنا فعندما يغيب "الشرطي" يظهر الحرامي.. يظهر العلاس.. يظهر السرسري .
الموضة اليوم عند ديكة ثقافة اللطم وبعد الفشل الذريع للعمامة هو رمي مسؤولية الفساد الحاضر على الماضي.. "عبد السادة" فاسد لانه نتاج حكم دكتاتوري.. لم لا.. التبرير رياضتنا المفضلة.. ولكن المجتمع الالماني ايضا عاش تحت حكم الدكتاتور.. اذا ما الذي جعله ينهض بهذه السرعة من كبوة الدكتاتور؟ لأنه اجتماعيا انتج افراد يحملون جهاز رقابة ذاتية.. افراد عندما يشاهدون خطأ ما يتوقفون.. افراد يعرفون معنى المنفعة العامة.. افراد لايسرقون اجهزة المستشفيات التي وجدت لخدمتهم.. افراد لا يحرقون مدارس ابنائهم لانهم يعتبرونها ملك الدولة او النظام.. الفشل يا سادة.. او ياعبيد السادة.. الفشل مجتمعي وثقافي قبل ان يكون سياسي.. فقرون من قراءة نهج البلاغة لم تخلق فرد يحمل رقيب ذاتي .
ثقافة اللطم لا ولن تخلق فرد يحمل رقيب ذاتي.. ولا حتى بعد الف عام.. لسبب بسيط.. لانها ثقافة اسكاتولوجية قائمة على مقايضة الارضي بالسماوي.. فرد يؤمن بمُخلّص هو فرد هش لايؤمن بقدرته على الخلاص.. فرد ينتظر عودة المهدي هو فرد قاصر فكريا ونفسيا.. ومثل هكذا فرد قد يطور كل شيء الا رقيب ذاتي.. ثم لماذا نذهب بعيدا في التحليل.. اذا كان "اية الله" لم يطور رقيبه الذاتي.. والدليل انه تحول الى سمسار عقارات في لندن.. فهل يطور مسحوق رقيبه الذاتي؟
الالماني الذي يرفض ركوب القطار لان قاطع التذاكر غير موجود هو نتاج قيم معينة.. نتاج فلسفة معينة.. هذا الالماني تعلم ان نيّة الكذب.. وليس الكذب.. مجرد نيّة الكذب هي عمل غير اخلاقي.. قالوا له وظلوا يرددون على اسماعه: اذا لم تسرق فقط لانك خائف من الشرطي فانت مذنب.. انت مذنب حتى وان لم تسرق.. نيّة السرقة بحد ذاتها حتى وان لم يرافقها فعل السرقة هي عمل غير اخلاقي.. انها فلسفة اخلاق النيّة لـ ايمانويل كانط.. اين انتم من هولاء وقد جعلتم من التقية اسلوب حياة ؟
* العنوان هو مقطع من قصيدة لـ غوته .
? Kennst du das Land wo die Zitronen blühen
.. لانها ثقافة اسكاتولوجية قائمة على مقايضة الارضي بالسماوي ..
ردحذفعفوك ..سيدي المُفكر ,
ألا تعتقد ان ألاصح (مقايضة السماوي بالارضي ؟)
المُعتقد العام هو شئ (فلنسميه ) سماوي ! ولكن بتدخٌُل (الارضيين) ...يميل اللطامة (القطيعيين) الى الاعتقاد (بالارضيين) اكثر من اعتقادهم (بالسماوي) ...وهنا يقايضون ما هو سماوي بألارضي.... ما رأيك ؟
عراق
مرحبا عزيزي الكاتب
ردحذفكتاباتك وتحليلاتك جيدة ولاكن وجهت نظرك فيها احادية فلديك فئة مخطئة دائما وانت جاهز لنقدها وهنا تفتقد للموضوعية الكثير من القيم القديمة التي مزقت وتمزق مجتمعنا مازالت تلعب دورا كبيرا في كتاباتك.
لاتنظر الى الامور من الزاوية التي تحب ان تنظر منها فأن الحقيقة اوسع من ذلك
ولا تطلق التسميات على الناس عجافا وابتعد عن الطائفية فأنك تغطس بها في كل مرة تكتب فيها.
تعالى على الأمر التي لاتخدم إلاأعداء العراق وكن من ادوات الاصلاح لا التفسيد
انتقد من تراه مخطأ ولكن بموضوعية الناقد لا الحاقد فلا تزر وازرة وزر اخرى.
ومن كان يستحق الغيبة فأستغبه ولاكن في مجال فسقه.
لقد بالغة كل المبالغة في تشوية طرف وهذا اخرجك عن عدالتك في وصف الامور.
وتقبل مني النصيحة فانا محب لك وأحببت ان اذكرك ان تكون من المنصفين الذين ينصفون حتى اعدائهم وان احببت الدقة اكثر كتبت لك كل ملاحظاتي عما اراه غير منصف في كتاباتك
مع أطيب التمنيات
الشمري
الأخ الشمري
ردحذفلا فض فوك أخي العزيز ...وضعت اصبعك على الجرح ... كتابات الاستاذ كريم فيها الكثير من التحليل العميق والبصيرة. ولكن ، ومع الأسف ، تشوه كتاباته وتفقد موضعيتها لما فيها من الطائفيه والنظرة الاحادية للأمور.
الهاشمي
مرحبا اخ كريم
ردحذفتحليلك اكثر من رائع لكن استوقفني كما استوقف الاخوين الشمري والهاشمي بعض الامور.
لا اقول ان في كتاباتك عدم الحياد ولكني ارى بعض التشنج في الكتابة..
كتاباتك لا تنبع عن استرخاء مطلقا وارجح الظن انك مررت بتجربة شخصية قاسية خلال سنوات الظلام...
لاالومك في هذا فاي الناس تصفو مشاربه..
يشدني الى مقالاتك اني ارى في تحليلك جراة تعمل العقل فكرا وان اختلفت معك في بعض الاراء.
اثار انتباهي انك ناقضت نفسك على ما ارى في مقالك الاخير لانك اقررت باثر الثقافة المجتمعيةفي خلق الرقابة الذاتيةوبالتالي واقع افضل ناسياانك عزوت واقعناالذي ليس بافضل حال الى اسباب سياسيةبحته....
ارجو ان تتقبل نقدي المتواضع وتاخذ الامور من منظار اوسع قليلا...
تحياتي
ياسر