واحد من اغرب التصريحات التي قرأتها موخرا هو تصريح من يسمى بالمرشد الروحي لحزب الفضيلة الشيخ محمد اليعقوبي الذي يقول ان «الديموقراطية أثبتت فشلها في العراق». والسبب هو أن «النظرية الغربية المبنية على الديموقراطية أثبتت فشلها في تحقيق العدالة لأن أساس الحكم هو العدل، والهدف منه توزيع الحقوق والواجبات على الناس بالقسط والعدل وهذا ما لم تستطع تحقيقه تلك النظرية الغربية».
الديمقراطية هي مجموعة ضوابط لتنظيم العمل السياسي في بلد ما.. وهي بذلك لاتختلف عن مجموعة الضوابط والقواعد المرورية التي تنظم حركة السير في شارع ما .. وعندما لا يلتزم الناس بقواعد المرور .. يتحول الشارع الى فوضى .. فهل هذا يعني ان قواعد المرور هي السبب ؟ بالطبع لا.. السبب يكمن في عدم التزام الناس بقواعد المرور .. ونفس الشيء يمكن ان يقال عن الديمقراطية التي هي مجموعة ضوابط وقواعد لتنظيم حركة المرور السياسي بين الاحزاب والتيارات المتصارعة على السلطة.. وعندما تفشل الديمقراطية فالسبب في ذلك هُم من يدّعون ممارستها ولايلتزمون بضوابطها.
اما القول بان الديمقراطية هي نظرية غربية وانها لاتتوافق مع "المجتمع الاسلامي" كما يدل المتضمن في تصريح "المرشد الروحي".. فهي حجة قرووسطوية ولا تقنع الا ساذج .. فهناك بلدان اسلامية تطبق نظرية الديمقراطية وتنعم باستقرار سياسي وتطور اقتصادي لابأس به.. تركيا انموذجا.. ثم تعال يا شيخ وقل لي.. المطبعة التي تطبع نهج البلاغة هي ايضا من اختراع غربي..السيارة اوالطائرة التي تحمل السيستاني للعلاج في لندن هي اختراع غربي!! حتى ملابس نسائكم الداخلية هي صناعة غربية!! فلماذا تستخدمون كل المنتجات الغربية وتنتفعون منها وتعيبون على الديمقراطية منشأها الغربي.. ثم ماذا لديكم انتم كبديل في هذا الاطار.. الف واربعمئة عام وكل مالديكم هي حروب جمل لم تنتهي بعد.. الف واربعمئة عام وكل ما لديكم هو مشروع حرب اهلية.. هذا هو نموذجكم السياسي حتى الان.. فمن نصدق .. لغوتكم عن العدل والعدالة ام فسادكم ودريلاتكم!!
ثم من قال ان هدف الديمقراطية هو تحقيق العدالة الاجتماعية ؟ فلو كان هدف الديمقراطية هو تحقيق العدالة الاجتماعية لكان علينا اعتبار الاتحاد السوفيتي نظام ديمقراطي.. لانه العدالة الاجتماعية كانت متوفرة في الاتحاد السوفييتي.. ونفس الشيء ينطبق على الصين.. ثم ان هناك بلدان ديمقراطية كثيرة ولكن العدالة الاجتماعية فيها تتفاوت.. امريكا هي بلد ديمقراطي من ناحية الحريات.. ولكنها متخلفة في حقل العدالة الاجتماعية قياسا للبلدان الاسكندنافية.. بمعنى ان الديمقراطية هي عدالة سياسية قبل ان تكون عدالة اجتماعية.. جوهر نظرية الديمقراطية هي الحريات المتساوية للجميع.. والعدالة الاجتماعية من دون حرية سياسية هي دكتاتورية.. واستخدام الملا الفضفاض لمفردتي العدالة والعدل هدفه دفن مبدأ الحريات الذي يرفضه الاسلامجية.
للديمقراطية شروط واهمها هو شرط الحرية.. ومن دون تلك الحرية ليست هناك ديمقراطية.. مبدأ الديمقراطية الاول هو "وان فويس، وان فوت" بمعنى ان كل مواطن يملك صوته.. وهذا المبدأ يتعارض مع منطق الفتوى التي هي مصادرة وقتل لهذا المبدأ .. ان تُخيّر"عبد السادة" بين التصويت لقائمة شيعية او حرمانة من حصته التموينية هو اغتصاب فكري لعبد السادة وقتل للحرية التي هي اساس الديمقراطية.. اذا من فشل في العراق.. الديمقراطية ام من اغتصبوا مبادئها ويحاولون اليوم رمي مسؤولية الفشل عليها ؟؟ لا ، ما فشل في العراق هو ليس الديمقراطية.. ما فشل في العراق هي ديمقراطية الملا.. ديمقراطية المرشد الروحي.. "ديمقراطية الفتوى".. وهنا نحن امام صراع اضداد.. تناقض منطقي.. لأن الفتوى هي نقيض ونقض لمبادئ الديمقراطية.
هناك مقولة رائعة لـ برناردشو يصعب ترجمتها من دون خيانة جماليتها الاسلوبية وعمقها.. لذلك ساحاول ان اترجمها حرفيا.. لانها مقولة تشاكس وتفضح المنطق التبريري الكبشفدائي والضدي النائم في تصريح "المرشد الروحي" لحزب الفضيلة المفقودة .. برناردشو يقول :
Democracy is a device that ensures we shall be governed no better than we deserve
الديمقراطية هي جهاز يضمن اننا لن نُحْكَم افضل مما نستحق.
ومع بعض التصرف بالمقولة العربية الشهيرة فهي تعني كما تكونوا تكون ديمقراطيتكم .. وهذا ما لم ولا ولن يفهمه "المرشد الروحي".. مرشد روحي بحاجة الى ارشاد!! هل نستغرب كل هذا الخراب !!