2012/04/14

عرب فوبيا .. استكان شاي مع هيرودوت


نشر طالب الشطري مؤخرا مقال فحواه ان فيلم القادسية قد كون صورة نمطية باذهان العرب عن الامة الفارسية.. وان معركة القادسية الاولى مزقت الحضارة الفارسية التي عمرها الاف السنين.. والشطري يتسائل: "لماذا يكره العرب بلاد فارس؟".. فطبيعة الحضارة الفارسية بحسب الشطري "غير هجومية وقليلا ماخرجت عن حدودها في مهمة استعمارية.. وهي قد قدمت الكثير للانسانية على العكس تماما من جيرانها العرب الذين ظلوا في حالة هجوم دائم على جيرانهم".

ساضع جانبا اعتقاد الشطري الساذج بان فلم القادسية (الذي لم يسمع به ولم يشاهده اغلب العرب) كان السبب في تكوين صورة نمطية باذهان العرب عن الفرس.. فكل من ينظر ابعد من انفه للعالم يعرف ان العداوات والضغائن بين الشعوب المتقاربة جغرافيا هو شيء شائع.. والضغائن الموجودة بين الفرنسيين والالمان او بين الصينيين والكوريين هي نماذج من امثلة كثيرة.. السؤال الذي يطرح نفسه عندها هو لماذا يقوم بعض الكتاب الشيعة بتقديم الامور من منظور مانوي قائم على ثنائية الخير والشر.. كما لو ان العرب هم السبب في العداء التاريخي بين العرب والفرس ؟ كيف تحول ما هو مشترك بشري من منظور انثروبولوجي تاريخي الى عربفوبيا عند الكتاب الشيعة ؟؟ والجواب على هذا السؤال ليس صعبا.. انها الرابطة المذهبية.      

من يعرف التاريخ سيضحك على سذاجة الشطري الذي يجتر الكليشة الايرانية التي تقول بان" الحضارة الفارسية غير هجومية وقليلا ماخرجت عن حدودها في مهمة استعمارية" !! فمفردة "قليلا" في هذه الجملة تضعنا امام مفارقة ساخرة.. وهي ان "الحضارة" الفارسية كانت تخرج من حدودها ولكن في اغلب الاحيان في مهمات انسانية من اجل توزيع "الحامض حلو" على الشعوب المحيطة بها !! فلو قام الشطري باعادة قراءة  كتاب الاول المتوسط عن التاريخ القديم وتمعَن في الخرائط وشاهد البقعة الجغرافية الهائلة التي كانت تحت سيطرة فارس..ربما سيفهم ان خلف ما يطلق عليه اسم "حضارة" لاغراض تزويقية تختفي حقيقة تاريخية اسمها "امبراطورية".. وبعد ان يبحث الشطري عن مفردة امبراطورية وتعريفها في كتاب الاول المتوسط.. سيجد ان جوهر الامبراطورية هو التوسع الجغرافي على حساب الشعوب المجاورة.. ولو كنت معلم الشطري لعاقبت هذا التلميذ الكسول بكتابة كلمة امبراطورية وتعريفها مئة مرة..عله يفهم الفرق بين ظاهر"الحضارة" وجوهر"الامبراطورية".. ومع بعض الحظ قد يفهم ان الحضارة هي الدرجة الاخيرة في مسار التوسع والتراكم الامبراطوري.. بمعنى ان الغزو والنهب واستعباد مئات الالوف من اسرى الحروب هي الاسس الاقتصادية والشروط التاريخية التي مكنت الحضارة الفارسية وكل الحضارات القديمة .. قولوا "آمين"!!

كل من يعرف قسوة الحروب في الماضي سيضحك ايضا عندما يسمع الشطري يقول لنا ان معركة بويب التي سبقت معركة القادسية "هي مجزرة تخلو من روح الفروسية والشهامة قام خلالها القائد العربي بقطع طرق الانسحاب على الجيش الفارسي لتتم ابادته بالكامل ثم عاد هذا القائد ليعترف بانه ارتكب خطئا اخلاقيا".. وهذه في الحقيقة احدى كليشات العرب فوبيا.. خذوا كل تاريخ العرب وقارنوه بتاريخ الفرس ستجدون ان العرب ورغم كل حروبهم وعنفهم هم حَمامات وديعة مقارنة بوحشية الفرس اثناء الحروب.. فعندما احتل الفرس مدينة بابل قاموا بخوزقة ثلاثة الاف من خيرة رجالها وعلمائها!! وعلماء التاريخ يقولون ان ما فعله الفرس بـِ بابل بعد احتلالها قد اعاق التقدم العلمي لعدة قرون.. والشطري يستنتج غياب روح الفروسية والشهامة عند العرب فقط لان قائد عربي طبق قاعدة "الحرب خدعة" وقطع الطريق على جيش العدو اثناء انسحابه من معركة ضارية.

استنتاج الشطري الساذج هذا يدفعنا للاعتقاد بانه لم يسمع عن روح "الفروسية والشهامة" عند الفرس.. ففي احدى الحملات العسكرية للامبراطورية الفارسية من اجل توزيع الحامض حلو على السكوثيين قام اب طاعن في السن تم تجنيد ابناءه الثلاثة بالتوسل الى داريوس ملك الفرس وقائد الحملة من اجل ان يترك له احد ابناءه الثلاثة على الاقل.. فاجابة داريوس:"طلبك منطقي لذلك ساعيد لك الثلاثة بالمرة".. وامر بذبح الابناء الثلاثة وتسليمهم الى ابيهم !! تصورا اذا حجم الوحشية التي كانت تنتظر الشعب الذي كان هدفا لحملة الفرس هذه.. اما دموية الحكام الصفويين فهي مضرب للامثال.. فـ اغا محمد شاه قام بذبح نصف سكان مدينة كرمان وفقء عيون النصف الاخر فقط لأن سكان كرمان استقبلوا في مدينتهم الشاه السابق وهو خصم اغا محمد في الصراع على العرش.. والكتاب الشيعة يريدون ان يقنعوننا بكليشة بداوة العربي وعنفه.

من يريد ان يقرأ عن حملات وعنف الامبراطورية الفارسية فليقرأ المؤرخ اليوناني الهائل هيرودوت.. ففي احدى حملات الامبراطورية الفارسية لتوزيع الحامض حلو على الجزر اليونانية قام الفرس باسقاط مدينة ميله اليونانية وقاموا باستعباد كل سكانها.. وقد بلغ تأثر الاثينيين باحداث سقوط ميله الى درجة ان العمل المسرحي الذي اخرجه فرينكوس عن هذه المأساة قد ابكى جميع الحضور في المسرح.. مما دفع بسلطات اثينا الى منع العرض المسرحي وفرض غرامة على المخرج..لان اثينا كانت تعتقد ان هدف الفن هو رفع معنويات الجمهور من خلال امتاعه وتثقيفه وليس تأجيج الجروح.. تُرى كم من كويتب او حكواتي سيتعرض الى هذه العقوبة الاثينية لو انها طبقت في عراق اليوم.. العراق الذي اصبح فيه الشعراء الشيوعيين يكرسون وقتهم لدراسة وتحليل تصاوير "الامام" علي.. وبات مسرحيوه يتناولون سالفة الحسين بحجة انها ميثولوجيا.. ولكن اين نحن من اثينا ومن قوانينها !!

فـ اثينا، المدينة التي منحت العالم الفلسفة وبذورالديمقراطية، هي ايضا تعرضت الى حملات الامبراطورية الفارسية لتوزيع الحامض حلو!! وفي احدى هذه الحملات دخل الجيش الفارسي الى اثينا فوجدها فارغة من سكانها..لأن الاثينيين رفضوا العيش تحت ذل الاحتلال الفارسي فهاجروا الى جزيرة سَلَمين..فارسل القائد الفارسي اليهم مبعوثا يطالبهم بالاستسلام وقبول سلطة الملك الفارسي عليهم.. وقد حمل المبعوث الفارسي هذه الشروط الى ممثل السلطة الاعلى في اثينا وهو مجلس الخمسمائة نائب.. فاجتمع الاثينيين لسماع مداولات نوابهم.. فوقف احد النواب واسمه ليسيداس فاقترح التفاوض مع الفرس والقبول بشروطهم.. وقد بلغ غضب الاثينيين من هذا الاقتراح حدا انهم سحبوا هذا النائب وقتلوه على الفور.

 هل يفهم الشطري لماذا تصرفت اثينا رمز الديمقراطية والحرية بهذا العنف مع احد نوابها الذي عبر عن رأيه اثناء نقاش سياسي؟؟ هل يفهم هذا المتشاطر الذي يعتقد ان الامبراطورية الفارسية غير هجومية !! اشك في ذلك.. فسكان اثينا كانوا يعتقدون ان الاوطان قبل الرموز ومن يتعاون مع المحتل فهو خائن.. اما امثال الشطري فهم مع نموذج النجف التي قالت للجنود الامريكيين في مشهد تاريخي مخجل: "سيتي يَس، امام علي نووو"!! فعند امثال الشطري القبور تأتي قبل الاوطان.. ومع ذلك فمن يدري .. فربما سيعيد الشطري قراءة كتاب الاول متوسط عن التاريخ القديم.. وربما سيفهم لماذا يكره اليونانيون الفرس..عندها .. وعندها فقط .. سيفهم ان الامبراطورية الفارسية لم تكن تخرج عن حدودها من اجل توزيع الحامض حلو على الشعوب.

هناك 3 تعليقات:

  1. صباح هاشم15 أبريل, 2012

    ربما لا يزال هذا المتعالم سادرا في أوهام الدعاية الشاهنشاهية والخمينية حول أسطوانة كورش.. التي لم تكتب إلا بعد أن فرض "مسيح الرب" هذا سيطرته الدامية على بابل بمعونة اليهود، أملا منهم بالعودة إلى هيكلهم الذي هدمه نبوخذنصر حتى أسسه.

    ردحذف
  2. غير معرف20 أبريل, 2012

    بالاضافة لما ذكرت في مقالك القيم , نحن نعرف ان حدود جميع الدول العربية كانت مفتوحه لمن هدب و دب في فترة الاستعمار و ان العدوة التاريخية للعرب (ايران) , كانت سواء بالتخطيط او الفقر الذي تعيشه او من خلال الترابط العقائدي و التزاوج , حدثت هجرة من ايران كبيرة جداً جداً جداً تغلغلت مثل السم الزعاف في المجتمع العربي خصوصاً بالعراق و غيرها فغيروا اسمائم و ألقابهم و انتسبوا الى قبائل عربية عريقة و طبعاً الانتساب لأل البيت من قبل الدجالين المعروفين  و هذا نراه يحدث امام أعيننا الان و في عصر تكنولوجيا المعلومات فصولاغ صار زبيدياً و جواد صار مالكياً و باقر صار ربيعياً و و هادي و قاسم عطا من ال البيت ايضا و الصدر و جلبي و مشيمع عيسى قاسم و و الخ و القائمة تطول فكيف كان الامر في حقبة تكنولوجيا ركوب الحمير . 
    و صدق الشاعر الرصافي :
    نظرنا لامر الحاضرين فرابنا
                                      فكيف بأمر الحاضرين نصق
    فهل يعقل ان الاستاذ طالب الشطري عنده دم عربي اصلاً لكي يقول كلاماً غير ما ذكر .
    عزيزي المدون البارع هناك الملايين الملايين من الدماء الوسخة في العراق و سوريا و لبنان و غيرها و ستضل القادسية عقدتهم ليوم الدين فمن المؤكد ان طالب واحد منهم حتى لو عاش بالشطرة و تخفى بها الف عام   .

    ردحذف
  3. غير معرف21 أبريل, 2012

    تصحيح لبيت الشعر في التعليق الثاني:
     نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا    فكيف بأمر الغابرين نُصدقُ     

    ردحذف