كان يحمل فانوسا في وضح النهار ويمشي في الشوارع.. قائلا للمارة المستغربين :"ابحث عن انسان".. انه الحكيم اليوناني ديوجين.. ديوجين وبسخريته المستفزة كان في هذا المشهد يبحث عن "الانسان" الذي كان يقرأ عنه في الكتب ويسمع عنه في الخطابات ولم يعثر عليه في الواقع .. ديوجين كان يبحث عن الانسان المثالي الذي رسمه افلاطون في جمهوريته الفاضلة.. ديوجين كان يريد ان يقول ان هذا الانسان المثالي غير موجود في الواقع .. الانسان الذي كان يراه ديوجين في الواقع هو انسان يختلف تماما عن انسان الكتب والخطابات.. الانسان الذي كان يمشي في الشوارع يختلف تماما عن الانسان المستلقي في النظريات الطوباوية .. الانسان الذي كان يراه ديوجين هو انسان غرائزي.. انسان يأكل ويشرب.. يحب ويكره.. يفرح ويغضب.. يغار ويحسد ويتنافس ويتخاصم ويتقاتل من اجل المال والسلطة واللذات.. الانسان الذي كان يراه ديوجين في السوق هو انسان يغش ويكذب.. يتحايل ويسرق.. الانسان الذي كان يراه ديوجين في السلطة هو انسان مخادع ومتعسف ومتسلط.
تسعة من تلامذة افلاطون تحولوا الى حكام فاسدين ما ان استلموا السلطة .. تسعة من "الفلاسفة الملوك" الذين ربتهم قيم "المدينة الفاضلة" الافلاطونية تحولوا الى حكام دكتاتوريين ما ان استلموا السلطة .. باختصار .. قيم افلاطون لم تمنع الفساد الاجتماعي والسياسي.. قيم افلاطون فشلت في خلق انسان لا يغش ولا يسرق .. قيم افلاطون فشلت في خلق انسان لا يتقاتل من اجل السلطة .. قيم افلاطون فشلت في انتاج رادع اجتماعي للانسان الغرائزي السلطوي الذي يعيش على كوكب الارض.. عندما تريد ان تبني مجتمع يعيش فيه انسان غرائزي محب للمال والسلطة والجاه.. وكل ما في جعبتك هي قيم مثالية طوباوية فانت في طريقك لنسف وتحطيم هذا المجتمع.. لان الانسان الغرائزي لا تنفع معه مقولات وخطب اخلاقوية وقيم مجردة.. النظرية السياسية الافلاطونية تحوي على قيم اخلاقية رائعة .. ولكنها في الواقع لم تنتج "المدينة الفاضلة" ولم تنتج النخب النبيلة التي يتحدث عنها افلاطون في جمهوريته الفاضلة.
تعال الان واحمل فانوسك وتجول في الشوارع والمدن التي رفعت شعار "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن".. تعال الان وابحث في "جمهورية الحسين الفاضلة" عن "الانسان" الذي بناه منهج الحسين .. عن "الوطن" الذي بناه منهج الحسين.. ماذا ستجد.. ستجد ان منهج الحسين انتج واحد من افسد الانظمة السياسية على كوكب الارض.. ولكنك اذا ما اطلت البحث والتقصي قليلا ستجد ما هو ادهى من ذلك .. ستجد ان "المواطن" الذي تم استغفاله وسرقته تحت شعار "الحسين بضمائرنا".. ما زال يرفع لافتة "كذب يا حسين ما شفناك بضمائرهم".. ما زال يبحث عن الحسين في الضمائر.
سبعة عشر عاما فساد تحت شعار "الحسين بضمائرنا" ولازال القوم يبحثون عن الحسين في الضمائر.. سبعة عشر عاما من التقصي والبحث عن الحسين ولم يعثروا عليه حتى اليوم.. وعندما نفهم قصة فانوس ديوجين سنفهم لماذا لم يجد "الباحثون" عن الحسين حسينهم حتى الان.. لانهم يبحثون عن حسين اسطوري مثالي .. حسين كتب وروايات مفبركة .. لا غرابة انهم لم يجدوه لا في ضمائر "النخب" السياسية ولا في ضمائر "النخب" الدينية.. عندما تبحث عن فكرة طوباوية في الواقع.. فانت ستبحث طوال حياتك عن شيء غير موجود.. كمن يبحث عن الانسان الافلاطوني في الواقع.. هذا هو درس ديوجين.
الحسين التاريخي هو انسان من كوكب الارض .. وهو ككل انسان ارضي يمتلك رأس ومعدة وجهاز تناسلي.. انسان كان يأكل ويشرب ويتبرز .. انسان كان يتعطر باثمن العطور وينكح الجواري.. انسان كان يتنعم بهدايا وعطايا معاوية خلال ما يقرب العشرين عام .. وهو ذات طموح غرائزي استغل ظرف انتقال السلطة وتصارع على السلطة وقتل من اجلها.. وهو في ذلك لا يختلف عن الالاف من ابناء البيوتات والورثة الذي تقاتلوا على السلطة بعد وفاة "الملك" كما يقول لنا التاريخ البشري .. هذا هو الحسين التاريخي الانثروبولجي .. ولكن العقلية الغنوصية الاسطورية حولت هذا الحسين الى انسان مثالي اسطوري.. ما كان محاولة انقلابية فاشلة يحفل بها تاريخ البشرية.. تحول الى ثورة .. والادهى تحول الى ثورة قيم .. ما هي هذه القيم ؟؟ اين هذه القيم في الواقع ؟؟ لا احد يعرف.. الجميع يبحث عنها اليوم ولا يجد غير الفساد.. الواقع يعري الاسطورة.
كيف حصل ان قيم الحسين اعطتنا حسينيون يسرقون الملايين من خبز الفقراء والارامل واليتامي .. كيف حصل ان قيم الحسين (التي يقال انها ثورة ضد التوريث والفساد السياسي) انتجت دولة مافيات فاسدة يديرها ورثة وابناء البيوتات الشيعية .. كيف حصل ان قيم الحسين اعطتنا سرسرية يقايضون طالبة متفوقة جامعيا على جسدها من اجل التعيين في وظيفة .. وهذه السلوكيات الحسينية تحصل في وزارات يديرها "احفاد الحسين" .. كيف حصل ان قيم الحسين انتجت مسوخ على هذا المستوى من التفسخ الاخلاقي ؟؟ كيف حصل ان "قيم" الحسين انتجت كل هذا الخراب السياسي .. هنا نحن امام اسئلة الخراب الحسيني .. هنا نحن امام اسئلة "الفكر" السياسي الشيعي المعطوب.
وهذه الاسئلة الحيوية للوطن المسروق بالخرافات .. لاتخطر ببال من يحمل لافتة "كذب يا حسين ما شفناك بضمائرهم ".. هو لازال مشغول "يُدَوّرْ" عن الحسين الاسطوري.. وفعل دَوّرَ في اللهجة العراقية هو فعل رهيب لانه يتضمن فعل البحث والدوران في حلقة مفرغة.. لذلك .. فمن "يُدَوّرْ"عن الحسين هو كالهائم الذي يدور في حلقة مفرغة .. لانه يبحث بدون فانوس وعقل ديوجين.
الاخ القدير كريم
ردحذفاولاً حمداً لله انكم رجعتم تكتبون مرة اخرى وان شاء الله نقرأالمزيد من كتاباتكم الهادفة
عادة ما يعلو شعار “دستورنا القرآن” إبان الانتخابات، وخلال الاحتجاجات، وأثناء المزايدات الاحتجاجية، ثم سرعان ما يحتجب حين يصل الإسلام السياسي إلى السلطة، أو حين تكون علاقته مع السلطة قائمة على التواد أو التودد. وللتذكير، فبعد الترخيص لجبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، طغى شعار “القرآن دستورنا” بنحو ملفت للأنظار، وأصبح أهم شعار انتخابي لاستقطاب أصوات الناخبين.
قديما عندما رفع الخوارج شعار “لا حكم إلا لله”، كان جواب علي بن أبي طالب أن الأمر يتعلق بكلمة حق يراد بها باطل. كان الرجل يقول عن الخوارج أيضا “إن من ابتغى الحق فأخطأه ليس كمن ابتغى الباطل فأدركه”. لكننا هذه المرة، إزاء شعار “القرآن دستورنا”، فإننا ندرك بأن الأمر يتعلق بكلمة باطلة (طالما القرآن لم يصف نفسه بأنه دستور) ويراد بها باطل أيضا (طالما الهدف متعلق بالطموح إلى السلطة).
“دستورنا هو القرآن”.. خديعة تروّج لها كل الجماعات الإسلامية
سعيد ناشيد / كاتب مغربي
الجمعة 2018/06/08
سيف
اخي كريم مواضيعك راقية وياريت لو تراسلني على الايميل حته اغيرلك تصميم المدونه رجاءاً لأن طكت روحي :) لاقائمة المواضيع على اليسار تنشاف ولا الخط بي حظ و شي داخل بشي :)
ردحذفراسلني على الايميل شوكت ماتحب jocker.1943@gmail.com