كتاب "شاه ايران واكراد العراق وشيعة لبنان" يستحق القراءة .. الكتاب يتطرق لانشطة ايران السرية في دعم حركة التمرد الكردي في شمال العراق ودعم شيعة لبنان لمواجهة المد الناصري.. وهو يركز على الفترة الزمنية الممتدة من عام ١٩٥٨ الى نهاية عهد الشاه ١٩٧٩ .. اهمية الكتاب بنظري تكمن في استناده لارشيف المخابرات الايرانية (السافاك) ايام الشاه .. وهو بذلك يسمح لنا بالاطلاع على خفايا جزء من تلك الحقبة المهمة في تاريخ العراق والمنطقة.. مؤلف الكتاب ايراني يعمل في احدى الجامعات الامريكية .. لا غرابة بعد ذلك انه يقدم وجهة نظر ايرانية تشوبها الكثير من المغالطات التحليلية.
المجال لا يتسع في مقال واحد للتطرق لكل هذه المغالطات.. ولكنني ساكتفي فقط بتفنيد الاساس الذي تستند اليه فرضيته العامة في الكتاب.. هذه الفرضية تقول ان تدخل ايران الشاه في شمال العراق ما بعد ١٩٥٨ كان رد فعل على تهديدات "جيوفكرية" (كما يسميها) مصدرها العراق والمنطقة العربية .. بمعنى ان الانظمة السياسية في عراق ما بعد ١٩٥٨ كانت انظمة ثورية قريبة من الشيوعية تارة او من الناصرية تارة اخرى.. وهي من هذا المنظور تمثل "تهديد جيوفكري" للنظام الملكي الايراني بحسب المؤلف.. وهو يبرر تدخل الشاه في لبنان من خلال دعم وتنظيم شيعة لبنان مذهبيا لنفس السبب وهو ان المد الناصري كان "تهديد جيوفكري" لايران.
اولا.. اختيار المؤلف لمنطقة شمال العراق والاكراد هو ليس اختيار بريء.. لانه بذلك يضع "تحت الزولية" تدخلات ايران في مناطق اخرى من العراق وخصوصا في المناطق التي ينشط فيها رجال الدين الشيعة واغلبهم من اصول ايرانية ولهم ارتباطاتهم وشبكات تمويلهم الايرانية.. لذلك فأن المؤلف يمر مرور "الكرام" عن علاقات السافاك مع رجال الدين الشيعة في العراق ويركز على علاقات السافاك مع موسى الصدر الذي اُرسل الى لبنان بدعم وتمويل من السافاك من اجل تنظيم الشيعة طائفيا واحياء روح المظلومية الشيعية من اجل مواجهة المد الناصري العروبي.. ولكن من يعرف تاريخ العراق في تلك الفترة ويعرف تحركات رجال الدين الشيعة آنذاك سوف لن يحتاج الى ذكاء حاد لكي يفهم بالمقارنة ان السافاك كان يدعمهم لمواجهة المد الشيوعي والقومي العربي في صفوف الشيعة العراقيين.. فتوى المرجع محسن الحكيم بتحريم الانضمام الى الحزب الشيوعي يجب ان تقرأ ضمن هذا الاطار.
ثانيا.. حتى وان ركزنا على شمال العراق.. القول بأن ايران لم تبدأ بدعم وتمويل الاكراد بالمال والسلاح الا بعد انقلاب ١٩٥٨ هو استخفاف بالحقائق التاريخية.. ذلك ان ايران القاجارية حتى ١٩٢٥ ثم البهلوية بعد هذا التاريخ كان لهما مواقف معادية للدولة العراقية الناشئة.. لا بل ان الشاه الاب رضا بهلوي رفض الاعتراف بالمملكة العراقية خلال سنوات طويلة.. والاهم وخلافا لفرضية الكاتب الايراني هو ان ايران دعمت تمرد الشيخ محمود البرزنجي طوال العقد الاول من العهد الملكي.. ومحمود البرزنجي هو قائد اول تمرد كردي في شمال العراق وتلقى دعم لوجستي وتسليح من ايران ومن تركيا انذاك.
ثالثا.. المؤلف يقول لنا مستندا الى وثائق السافاك بأن الشاه بعد انقلاب تموز ١٩٥٨ كان يخطط مع الملك حسين ملك الاردن بالتحضير لانقلاب مضاد لاعادة النظام الملكي في العراق .. ولكن الشاه اوقف التعاون مع الاردن لانه اكتشف من خلال مصادر السافاك ان الملك حسين كان يخطط لتولي حكم العراق والاردن في اتحاد هاشمي ملكي بعد الانقلاب المضاد.. وهذا ان دل على شيء فهو يدل على ان ايران الشاه كانت تعتبر كل دولة عربية قوية حتى وان كانت ملكية هو تهديد لايران.. وهذا يدحض حجة المؤلف القائلة بأن ايران تدخلت في شؤون العراق في الشمال لان النظام السياسي بعد انقلاب ١٩٥٨ يشكل تهديد "جيوفكري" لها لانه نظام جمهوري ثوري مناهض للملكية.
هناك جملة مهمة يوردها المؤلف في معرض تبريره لسياسة شاه ايران تجاه مشروع الوحدة العربية بين سوريا ومصر والعراق.. وهي جملة قالها مجتبى باشائي مسؤول ملف الشرق الاوسط في جهاز السافاك .. مجتبى باشائي قال في احدى اجتماعات السافاك :"يجب علينا مقاتلة واحتواء خطر [المد الناصري] في الساحل الشرقي للبحر المتوسط لمنع سفك الدماء على الأراضي الإيرانية".
“We should combat and contain the threat [of Nasserism] in the East coast of the Mediterranean to prevent shedding blood on the Iranian soil ”
من هنا خطة الشاه بدعم شيعة لبنان واعادة تنظيمهم طائفيا من خلال احياء المظلومية الشيعية لمواجهة المد الناصري العروبي.. جملة ضابط السافاك هذه تذكرني بجملة قالها مسؤول في الحرس الثوري الايراني قبل بضعة سنوات ابان الحرب على تنظيم "الدولة الاسلامية" : "نحارب داعش على ابواب بغداد ودمشق لكي لا نضطر الى محاربتهم على ابواب طهران".
بين الجملتين اكثر من نصف قرن .. تختلف الانظمة السياسية وتختلف تبعا لذلك الايديولوجيات .. ولكن المنظور الجيوسياسي الايراني يبقى ثابتا.. منطق "الدولة" الايراني يعمل بمسلمة ان العربي هو تهديد لأيران مهما تغيرت ايديولوجيته .. لاغرابة ان ضابط السافاك الايراني الذي يخطط لاحياء المظلومية الشيعية في جنوب لبنان لا يرى طابع العروبة الناصرية العلماني الذي قمع الاسلام السياسي السني في مصر.. لأن مفردة "العروبة" في القاموس الايراني هي مرادف فكري لمفردة "السُنة".. وهذه القراءة المذهبية الايرانية هي في صميم الكارثة السياسية التي يعيشها العراق والمنطقة اليوم.
الاخ الكريم كريم
ردحذفاولاً شكراً لكم على هذا المقالة وانا اعتبره موضوع مهم وان متابع لبعض ممكن يكتبون بالشأن العراقي والايراني ولكن الملاحظ هناك شيئين:
1. هناك الكثير ممن هم من اصل ايراني ممن هم في مناصب او يعملون في الجامعات ومراكز ابحاث عالمية وكذلك وسائل الاعلام الاجنبية.
جمعياً ممن يتكلمون ويكتبون فان الشيء المشترك بينهم انهم بصوره ما يدافعون عن ايران بالرغم من تصرفات نظام الملالي
ودائماً يذكرون ان الإيرانيين هم مع الغرب وغيره من الأساليب ويخفي دافعاً عن النظام وعدم اتخاذ اجراءات قاسية ضد ايران ويقدمون دراساتهم ومشورتهم ان هذا الاسلوب لا ينفع مع الإيرانيين ويقدمون النصيحة بالتباحث والاتصال وايجاد ارضية عمل مع النظام الايراني وهذا دائماً توجههم دائماً بهذا الاتجاه.
2. ان الكثير ممن ذكرناهم اعلاه اضافة الى اخرين داخل ايران او خارجها دائماً هم من يتكلم ويصرح بأمور الداخل العراقي والجميع بلا استثناء متوزعون على وسائل الاعلام او باحثين في جامعات ومراكز البحوث عالمية بأمور وتحليل الوضع العراقي ويقدمون نصائحهم للساسة في الغرب. وهنا ممكن ملاحظة المراسلين من داخل العراق او من المتواجدين في الدول المجاورة هم من ايران او اتهم اسمائهم وكنيتهم ايرانية او باكستانية ممن هم موالين لايران.