2007/01/11

الحجاج يدق الباب من جديد


قبل ايام التقيت الحجاج .. شاهدته يطرق ابواب رؤوس ارهقتها خساراتنا المتتالية .. نعم التقيت الحجاج على صفحات الجرائد وفي كلمات كتاب عراقيين وعرب لا بل وحتى غربيين .. استذكرته خطبة بليغة حفظناها في المدارس .. خطبة تكمن في سحرها الخطابي معاني قمع مدمرة .. حفظناها ونحن صغار فهزمتنا ونحن كبار .. وها هو الحجاج يزورنا من جديد .. كل هزيمة والحجاج بخير!!

التقيت الحجاج في كلمات الكثير من الكتاب العراقيين بهيئة استكانة تجتر مقولات التاريخ لتشرح عنف الحاضر .. ترى لماذا كل هذا العنف في العراق ؟ سؤال مشروع .. ولكن اجابة كتاب الاجترار تخون السؤال لأنها جاهزة : هذا هو العراق منذ خمسة الاف سنة ، البعض يزايد ويذهب نحو سبعة الاف .. لا باس ماذا بعد .. العراقي بدوي بطبعه ومن هنا عنفه .. طبيعة عراقية عنيفة ازلية .. فعنف ازلي.

والتقيت الحجاج في كلمات بعض الكتاب العرب .. وخصوصا من رهنوا اقلامهم لحجاج يحكم او شيخ يلطم .. التقيته في كلماتهم بهيئة جهل كبير بالتاريخ .. تاريخهم .. وبعض شماتة و تشفي بالعراق المحتضر .. العراق حتى وهو يحتضر يذّكرهم بعارهم .. بخياناتهم اللامتناهية لقضايا العرب ولشعوبهم من اجل حفنة من الدولارات : هولاء العراقيين اهل شقاق ولايحكمهم الا حجاج سفاح.

والتقيت الحجاج عند بعض الكتاب الغربيين قبل ايام .. في كلماتهم كان الحجاج يختفي خلف مفردات القانون والديمقراطية وحقوق الانسان التي ترفض عقوبة الاعدام .. ولكن هذه الكلمات الساطعة لم تستطع اخفاء ملامح الحجاج .. فحوى كلماتهم امام عنف الجلادين الجدد تقول : قضية خاسرة هم العرب .. سيوف وحبال .. والرقاب واحدة.

ليس غريبا ان ترى الحجاج للمرة الالف في كلمات الكثير من الكتاب العراقيين .. فمنهم من لم يخرج بعد من عباءة المُلا .. وهذا الصنف لايعرف من التاريخ غير خطب وخطابة وقوالب كلام جاهزة ومجترة .. ومنهم من لم يذهب في دراسة الماركسية ابعد من شوارب ستالين وقمعيته "المبسطة" للاجساد وللأرواح .. ومنهم من خرج من عباءة الملا فاحتضنته بنيوية المقاهي التي يمنعها دخان السكائر من رؤية التاريخ .. بنيوية المقاهي .. "جينات" ازلية .. وعنف الجينات : من الحجاج الى اليوم العقلية واحدة اذا العنف واحد .. بنيوية المقاهي هي تاريخ ذهب في اجازة طويلة الامد .. تاريخ مستقيل ..عندما لانفهم عالمنا لايبقى امامنا غير خيار الاجترار لمقولات التاريخ او الاستقالة عن الواقع .. وما اكثر استقالاتنا التي وضعت العراق في كف عفريت امريكي وكف عمامة .. وما اكثر الاجترار هذه الايام.

وليس غريبا بعد ذلك ان تجد الحجاج في كلمات بعض الكتاب العرب .. هم صنفان .. صنف "يسوّد" اوراقه وبالتالي الواقع ، بأمر الحاكم الان .. وهولاء لاننتظر منهم معرفة .. فعندما يباع القلم يفقد شرعيته المعرفية .. وصنف اخر تهيمن دكتاتورية عاطفته على بقايا عقله .. وهولاء يبكون في حضرة التاريخ واحداثه .. والتاريخ يحتاج لمن يحلل الظروف التي انتجت احداثه .. لا لباكٍ على الاطلال او لطّام على المواجع.

وانا اخير لااستغرب ازدراء ذلك البعض من الكتاب الغربيين .. كلما اصادف هكذا غباء مزدري .. اتذكر ما قاله برنارد لويس لـ بوش .. عندها لا يدهشني شيء .. برنارد لويس هو مستشرق مقروء جدا في الغرب ومسموع داخل الحلقة التي تخطط لبعثرتنا و لهيكلتنا على شكل امارات تابعة .. هل تعرفون ماذا قالت معرفة برنارد لويس عن العرب لبوش الذي بعث يستشيره بعد احداث 11 ايلول: " برأيي ان احد الاشياء التي يجب ان تقوم بها ضد العرب هو ضربهم بين عيونهم بعصا طويلة .. فهم يحترمون القوة" .. هكذا تكلمت قمة "المعرفة" الاستشراقية .. هل نستغرب غباء القعر!!

عندما تردد على شخص ما قول ما ولفترة طويلة فانك ستنتهي باقناعه بذلك .. المشتغلين في حقل التربية والدعاية يعرفون تلك الحقيقة .. وكثيرون منا قد هزمتهم الحجج المجترة لمقولات التاريخ .. كثيرا ما سمعنا عراقي او عربي يردد وبحتمية مهزوم ان ما يحصل له هو بسبب طبيعة عرقه او ثقافته ، او انها عقوبة الهية .. ومسؤولية المنبر و "كتابنا" في هذا الخصوص كبيرة .. ارهاب فكري ان تردد على انساننا البسيط كل مرة انه خروف قاصر ولا يفيده غير حجاج "يسهر" على الرقاب .. وارهابي ذلك المنبر الذي يُحّمل المستضعفين جريمة حدثت قبل الف وثلاثمائة سنة ( ليس في الاسلام خطيئة كما هو الحال في المسيحية يا عمامة) .. وارهابي ذلك " المفكر" العراقي او العربي المشتغل في "معاهد السلام الامريكية" المُعدّة للحروب ، والذي يبث تصورات تحقيرية لاخيه العراقي او العربي .. ويحمله مسؤولية العنف السائد في العراق او في المنطقة .

لا ، لا .. العنف ليس حصرا على العراقيين ولا على العرب كما يردد علينا بعض كتابنا .. او كما حاولت وتحاول ان تلقنهم العقلية الاستشراقية .. كل الثقافات قتلت تحت ظروف معينة .. لن نذهب الى عصور الظلام الاوربية حيث المحارق الهمجية للنساء .. سنكتفي بالتاريخ المعاصر .. في الحرب العالمية الثانية .. الياباني قد تصرف بهمجية لامثيل لها عند احتلاله للصين .. و الالماني الذي كان قمة الغرب الفكرية ، قد تصرف ايضا ببشاعة تجاه البلدان المحتلة .. امريكا وخلال قرن تأسيسها الاول قد قتلت 20 مليون من سكان امريكا الاصليين .. وهي بذلك قد قتلت في قرن ما قتلناه نحن في قرون .. العنف لا يعرف حدودا ثقافية .. هو ليس انتاج طبيعة ثقافية معينة ... هو نتاج ظروف تاريخية محددة .. وهذا ليس تبريرا للعنف السائد حاليا في العراق او في اماكن اخرى .. ولكنها محاولة فهم وتحييد للصور وللتصورات التي يحاولون لصقها بنا فقط .

منطق القوة يفهمه ويخافه ويحترمه كل البشر .. العنف لغة كونية .. كل دارس لحقل الانثروبولوجيا يعرف ذلك المشترك الكوني بين البشر .. القوة ومنطق العنف الذي تتضمن هو في اساس كل التنظيمات الاجتماعية وهو حاضر في كل الثقافات .. والعراقيون او العرب ليسوا وحدهم من يهاب او يحترم القوة .. وليسوا وحدهم من انصاعوا لجنرالات الحرب او لحجاجيها .. لولا القوة ومنطق العنف الذي تتضمن لما نجح مشروع الدولة في الغرب .. نعم الدولة هي في جوهرها عنف منظم قد نجح وشرعن نفسه .. هكذا تكلم ماكس فيبر وعرّف مفهوم الدولة .. و سكان الجنوب الامريكي هم على حد علمنا ليسوا عربا بل هم اوربيون اريون .. وهم يحترمون "المسدس" اكثر من ابائهم .. وقد تم اخضاعهم وضمهم بالقوة الى الامبراطورية ابان الحرب الاهلية الامريكية .. ويابان الساموراي تحترم القوة و تم اخضاعها بالقوة .. والمانيا الآرية ، التي كونها بسمارك، تحترم القوة وقد تم اخضاعها بالقوة لا بحجج كانط او هيجل الفلسفية.

نحن لا نكرر التاريخ وعنف التاريخ لا ننا ذوي طبيعة عنيفة تجد اصلها في ثقافة عنيفة .. العنف يتكرر لاننا لازلنا نعيش ظروف تاريخية مولدة للعنف .. الانسان في كل مكان وزمان عندما يعيش نفس الظروف القاهرة فهو سينتج نفس السلوك العنيف .. انت لاتتعصب وتقتل لانك بدوي ، عراقي ، عربي ، انت تفعل لانك انتاج ظروف تجعلك تقتل .. بعض جيران العراق من هم اكثر بداوة .. ولكنهم لاينتجون عنفا مماثل .. لماذا لاننا في العراق نقف على صدع ثقافي جيوسياسي (حدود ثقافات عربية ، تركية ، فارسية ) .. نعم ما يفرق بين لا استقرار العراق المزمن وبين "استقرار" سلطنة عُمان .. هو ايضا عامل جغرافي .. ان تكون حدودك بحار وربع خالي .. ليس كما لو كنت بمواجهة سيل من الثقافات والاصول والاعراق كما هو حال العراق على مدى التاريخ.

ثم بعد ذلك .. ان يكون لك ثروات كبيرة فهذا سيزيد الاطماع ومحاولات التدخل الخارجي .. كثير من صراعات الاسلام الاول، والتي انتجت فيما بعد الفوضى في العراق ، بدأت صراعا على بستان قريش، كما كانوا يسمون العراق انذاك ، بين المتنازعين من قريش على السلطة .. واليوم في العراق نفط كثير .. "بستان نفط" هو العراق اليوم .. من هنا التدخلات الخارجية .. ومن هنا الصراع والفوضى والعنف المستشري .. بلدان كالعراق وبتنوعها وغناها ترتقي القمم عندما يتوفر لها الاستقرار.. وهي تسقط سقوط مدوي عندما تعم الفوضى .. ليس بسبب طبيعة عنيفة ازلية .. وانما بسبب تنوع المكونات الداخلية وتنوع المؤثرات الخارجية التي تحيط به و تعدد الرهانات على ثروات العراق .. نجد هنا بعض اسباب الازمة التاريخية والحاضرة في العراق .. ظروف تاريخية متشابهة تنتج ازمات متشابهة ، فوضى متشابهة وعنف لايختلف عن القديم الا بوسائل القتل.

خلاصة القول .. لو شهد بلد ما ما شهده العراق والانسان العراقي خلال الثلاثين سنة الاخيرة .. لخاض ذلك البلد ما يعادل ثلاثون حربا اهلية وليس واحدة فقط .. حتى في ارقى بلد في العالم ، عندما تخلق ذلك الفراغ الامني المخيف فسوف تعم الفوضى .. يكفينا استحضار ما حدث في الجنوب الامريكي بعد مرور الاعصار كاترينا .. غياب الامن لمدة ثلاثة ايام كان كفيلا باعادة بعض مدن الامبراطورية "المتحضرة" الى القرون الوسطى .. والعراق قد صمد امام حصار قاتل لمدة ثلاثة عشر عام ، والعراقيون قد عاشوا ثلاثة حروب مدمرة .. و ما يقرب اربع سنوات الان من غياب تام للسلطة وللامن .. ربما يعتقدون اننا ملائكة !!

لا، لا، لا.. نحن بشر .. نحن اكلوا خبز قبل كل شيء كما يقول فلاسفة اليونان .. ولا نختلف عن الاخرين الا بموقع بلدنا "القائم" على صدع جيوسياسي .. الانسان في كل ثقافة وفي كل دين وفي كل قارة عندما تجوعه ، تحرمه ، تهينه ، تذله .. فسلوكه سيتأثر بهذة الحرمانات لانسانيته .. وهو تحت وطئة تلك الظروف قد يقتل ، ينهب ، يدمر ، يتصرف بهمجية ، يقطع الرقاب ، وينتقم حتى من ذاته .. الآري في القرون الوسطى لم يكن أفضل من العراقي او العربي في نفس الفترة .. وهو حتما ليس افضل منه في العصر الحديث .. في اسبانيا الثلاثينات والمانيا الاربعينات .. كما في يوغسلافيا السلافية التسعينات .. كان هناك قتلة كثر ودماء كثيرة .. في لبنان السبعينات ، في جزائر التسعينات و كما في عراق اليوم .. كانت هناك بنادق وسكاكين تقتل وكانت هناك للأسف دماء كثيرة .. ظروف الفوضى واحدة والقتل واحد رغم اختلاف الامكنة والتاريخ والثقافة.

هناك 3 تعليقات:

  1. الأخ الفاضل ...........كريم

    إنني واثق أن كل هذا العنف وهذه النيران التي تجتاح العراق, سوف تطهره ولن تدمره , وأنا واثق أن كل الشعوب (المتحضرة) مرت بما هو أسوأ بمراحل مما يمر به العراق الآن .....
    يا صديقي ...لقد خان العراق وتآمر عليه بعضا من أهله ...باعوه بثمن بخس .....ثم جميع أشقاؤه وجيرانه بكل النذالة والخسة أخرجوا خناجرهم وراحوا يطعنوه من خلف ظنا منهم أنه أصبح ضعيفا وأن هذا هو وقت تصفية الحسابات قديمها وجدديها.....
    ثم أقوى جيوش العالم وأعتاها تحت قيادة رجل مجنون موتور يملك أكبر قوة عسكرية عرفتها البشرية ينقض بكل شراسة علي العراق المثخن أصلا بجراح حروب ديكتاتوره السابق العبثية والحصار الطويل الظالم الذي فرضته عليه قوى الشر ناهبي ثروات الشعوب....
    يا صديقي أي بلد وأي شعب في العالم يمكن أن يصمد إلي الأبد في مثل هذه الظروف ؟!!!
    لكن ما أنا واثق منه أن بغداد ستعود لتكون حاضرة العالم ..كما كانت ... وأن هارون الرشيد سيعود ليدافع عن العراق ضد قوى الشر عاما ويحج إلى بيت الله عاما....
    والمعتصم سوف يعود ليغيث نساء العراق والمسلمين ويحفظ كرامتهن ....
    سيعود المتنبي والسياب والجواهري والبياتي .... لإلقاء أشعارهم في منتديات بغداد ...
    ويوما سيكتب التاريخ أن بغداد التي أهدت للبشرية حضارتها الحديثة من خلال حفظها تراث البشرية القديم وتطويره على مدى قرون طويلة كان الأوروبيون يتخبطون أثناءها في ظلام قرونهم الوسطى ..... ستعود بغداد ثانية لتطلع بدورها الريادي في حضارة البشر ......
    أنكم يا سيدي أهل حضارة عريقة وستظلون أهلها...هذه حقيقة والحقائق لا يمكن أن يطمسها شئ

    وتقبل تحياتي وشكري على ما تكتب وتوضح لنا من أمور يصمم المغرضون (وهم كثر)أن تصلنا مشوهة بل يريدون أن يبيعوننا خرافة ووهم أن العراقيين والعرب هم شعوب دموية بطبيعتها وكأننا لسنا بشرا أو أتينا من كوكب آخر.....

    ردحذف
  2. اخوية كريم. وداعتك لو اني رئيس تحرير جان نشرت هذا المقال بالصفحة الاولى. و الله انت اسلوبك خرافي. عاشت الايادي

    اما بالنسبة للحجاج, فااخ من الحجاج. تدري عبالك العراق مصيره يبقى يعاني هيج من هالحجاجين اللي يستلموه واحد للاخ. على كولة ابوية الله يذكرة بالخير, "الجلب شيخلف غيرالجلب؟" مو؟

    اما بالنسبة لحجاج الغرب و خصوصا امريكا, مادري تتذكر من جنا نسمع هوسة نكول "صارت تكساس" لانه الغرب كان معروف بكونة متوحش.
    Wild West.

    المهم عيوني, ان شالله العراق يرجع و يتطور ويصير احسن مما جان. لعد احنة المن دنقرة و ندرس و نتعلم؟ متكللي؟ غير حتى نرفع راس العراق؟ لانه رفعة راسنا برفعة راس بلدنا. لو تشوف شكد تغمرني الفرحة لمن يشوفوني الطلاب الامريكان شلون انافسهم و اجيب درجات اعلى منهم. لوتدري شكد فرحانين بيه الاساتذة لانه اتحدى الصعوبة واني جيت من ابعد و اخطر مكان ممكن يتخيلوه. وكل هذا و الحمد لله منين جبتة؟ غير من تربية والدي ووالدتي الي بالعراق و اللي افخر بيهم طول العمر لانه همة اساتذة و خرجو اجيال. ان شالله يجي اليوم اللي نرجع وراسنا عالي.

    ردحذف
  3. ايييييييييييييييييييييه
    والله ماعندي شي اكوله.. بس ردت اسلم عليك واكلك الله يخليك اكتب يوميه. اذا مو يوميه بين يوم ويوم، طبعا اذا عندك مجال

    ردحذف