2007/10/28

"دار دور" الوطن .. تُرى هل اتاك حديث الوطن ؟


وانتم ماذا تريدون ؟ هذا السؤال كان يهيمن على كلماته.."انتم العراقيون ماذا تريدون.. الاحتلال قد فشل وهو سيذهب عاجلا ام اجلا .. ما انتم فاعلون بعراقكم ؟".. التقيته قبل يومين في امسية افتتاح عيادة "صديقي" طبيب الاطفال النفساني.. وهذا الطبيب كان احد المدعوين.. حين عرف بأنني من "بلد العجائب" اقترب مني وبدء النقاش.. برغماتية ونفور مؤدب امام كل كلام عن احتلال.. حسابات جيونفطية.. قواعد عسكرية دائمة.. لا شرعية.. تدخلات اقليمية.. لم نتفق كثيرا.. كل محاولاتي لشرح المعقد العراقي من خلال ربطه بتعقيدات الاقليم كانت تصطدم بسؤال: وانتم ماذا تريدون.. العراقيون ماذا يريدون؟

كيف تشرح لسويسري ما يجري عندنا.. بلد يقتل بتلك البشاعة وكل هذه العقود محيّر للناس.. بلد يهجّر ربع سكانة خلال عقد من الزمن يتحول الى احجية.. هو لا يستطيع ان يفهم كما الاجيال الاوربية الجديدة كيف "يعلس" شعب بعضه بعضا بهذه الطريقة البشعة.. كل ما قلته امام سؤاله المتكرر هو اننا استيقضنا قبل ثمانية عقود.. ومسار بناء الدولة عندنا حديث.. والتراكم البسيط الذي قامت به الاجيال العراقية السابقة قد دُمر لانه من انتاج "دولة طائفية" كما تقول الطائفة "الغير طائفية"!! وها نحن اليوم شيع وطوائف تذبح بعضها بعضا.. في نهاية حوارنا ابتعد نحو طاولة تحمل باناقة ما لذ وطاب.. قضم قطعة "محرمة" بعد ان اخذ جرعة من كأسه وعاد قائلا برمزية ضاحكة "لو كنتم تريدون هذا لما وصلتم الى ما وصلتم اليه".. يريد ان يقول لو كنتم تريدون الحياة.

انتم العراقيون ماذا تريدون؟ سؤال كنت اقرأ تنويعاته في الصحف الامريكية على لسان بعض المسؤولين الأمريكيين من دون اهتمام.. ربما لانني كنت امقت طريقتهم المستنكفة المستحقرة في طرح السؤال.. هم الذين لم يستمعوا في البداية الا لسراق البنوك.. ولكنه اليوم يستوقفني.. عندما نفكر مليا بجملة "انتم العراقيون ماذا تريدون؟" .. نجدنا مضطرين بالاعتراف وبحكم واقع التشرذم الحالي لا بالخطابات "الاخوية" العالسة والمُغيبة لاسئلة الازمة.. نجدنا ملزمين بالاعتراف بأن هناك "عراق ولكن ليس هناك عراقيين".. جملة "عراق بلا عراقيين" هذه تبدو مفارقة مستفزة.. ولكنها تعبر عن واقع لا تستطيع مفردة "عراقيين" شرحه اليوم.. على ارض الواقع هناك سنة وشيعة.. ثم بعد ذلك جروحهم وثارات جروحهم.

"الاخ عراقي ؟ نعم .. تستاهل!!".. تقول النكتة المريرة.. طالما اننا نقتل بأسم احقاد القرون الوسطى فافترض اننا لا نستحق بعد كلمة "عراقيين".. لم نصبح بعد "شعب عراقي" بالمعنى الحديث لمفهوم الشعب او "الامة".. افهم هذا بشكل اوضح اليوم وبعد ان قرأت نص " ما هي الامة ؟".. لا اعتقد ان احدا يستطيع الكلام عن "الشعب" او عن الوطن كمفهوم سياسي حديث من دون المرور بخطاب " ما هي الامة؟ " لـ ارنست رينان (نستطيع ترجمة العنوان هنا بـ "ما هو الوطن؟" تلافيا لاسقاطات الخطاب الاسلاموي على مفردة "امة").. هذا الخطاب هو محاضرة القاها رينان في فرنسا التي خرجت مهزومة امام المانيا في حرب 1870 وكانت عاصمتها باريس مسرحا لحرب اهلية..النص الانكليزي هو ترجمة مختصرة للنص الفرنسي الاكثف.. اضع هنا اهم جملتين في هذا النص اخترتهما بما يتناسب مع مشكلة العراق مع التاريخ وعُقَد الماضي.

To have common glories in the past and to have a common will in the present; to have performed great deeds together, to wish to perform still more - these are the essential conditions for being a people.

"أن تكون هناك أمجاد مشتركة في الماضي وإرادة مشتركة في الحاضر، أن نكون قد صنعنا سوياً مآثر كبيرة، وأن نريد صنع المزيد منها، تلك هي الشروط الأساسية لتكوين شعب".. وهنا يقفز سؤال مهم : ماذا لو كان الماضي عامل فرقة كما هو الحال في العراق؟ .. فرنسا لم تخلوا من هذه المعضلة التاريخية وهنا تاتينا الجملة الاهم بنظري في حالة المجتمعات المتشظية :

For, the essential element of a nation is that all its individuals must have many things in common but it must also have forgotten many things. Every French citizen must have forgotten the night of St. Bartholemew and the massacres in the thirteenth century in the South

"جوهر الوطن يكمن في وجود الكثير من الأشياء المشتركة بين أفراده، وبأن سائر هؤلاء الأفراد قد نسوا العديد من الأشياء.. ينبغي على كل مواطن فرنسي أن يكون قد نسي مجزرة سان- برتلمي بحق البروتستانت والمجازر التي وقعت في الجنوب الفرنسي في القرن الثالث عشر" .

باختصار.."الامة" او الشعب كمفهوم سياسي هو فعل ارادي في هذا الطرح .. وبهذا المعنى يجب ان تكون هناك رغبة مشتركة بالعيش المشترك.. وبخلاف ذلك فليس هناك شعب.. ويجب على الشعب نسيان ثارات القرون الوسطى لكي يخلق سلمه الاجتماعي.. وبخلاف ذلك فليس هناك شعب بالمفهوم الريناني للكلمة.. وهوالمفهوم الذي شيد سلم فرنسا الداخلي وسلم الكثير من المجتمعات الاوربية لان خطاب رينان هذا قد اثر كثيرا في الفلسفة السياسية الاوربية.

تعال الان وقل لي كيف تبني وطننا وتجاذبات صريفة بني ساعدة قد عادت افقا لنخبنا الثقافية.. ثم تعال ارجوك وقل لي كيف تبني وطننا وذلك الاحمر المائل للسواد، اعني "ماركس ابو دشداشة، ما زال يسأل " هل ندم يزيد على قتل الحسين" !! كيف نفهم هذا "الديالكتيك" الاجتراري.. لماذا نلوم المسحوقين على انتظار "غودو" صاحب الزمان و"عالس المكان" وحُمر العراق على هذا المستوى من الضحالة الديالكتيكة.. هلامية "عراقيين" نجدها هنا في استحواذ الخطاب الاخروي الاسكاتولوجي على "النخب العلمانية" الشيعية التي افلست فكريا.. فبأي "عراق" ستؤمن!! عراق ابو عمر البغدادي ام عراق عبد العزيز الحكيم !!

اقول هذا ايضا وانا استحظر مقالة قرأتها قبل ايام "لجامعي" لطمي يعيش في احدى البلدان الاوربية.. وهو يُكفّر ساطع الحصري.. ولماذا ؟؟ لان "معلم العراق الاول" كان يضع في مكان بارز من مكتبته نُصْب نحتى لـلسويسري بيستالوزي .. وهذا اللطمي ينعت واضع "مبادىء القراءة الخلدونية" بفاقد للهوية لانه اتخذ هذا السويسري المؤسس لعلم التربية الحديث قدوة واهمل شخصيات تاريخنا.. صحيح لماذا لم يضع ساطع الحصري "صورة" عمر ابن الخطاب او ابو بكر.. او عثمان!! ولما لا صورة معاوية ابن ابي سفيان ابن حرب ابن امية!! او ليس الحصري سنيا !! غريب.. كيف نسينا هذا السؤال المهم!! في هذا السؤال المتضمن لاجابته نجد الفرق الاهم بين ذاك العراق"الافرنجي" وعراق "عمامة بلا حدود".. نجد فيه ما يفرق بين "طائفية الدولة السنية" وبين "طائفية الدولة الشيعية".. وهو ايضا واحد من اهم اسئلة العراق المعاصر الذي "علسته" ثقافة اللطم تحت شعار "الدولة السنية".. والشجرة تعرف من ثمارها.. ما لا يعرفه هذا اللطمي هو ان وفي نفس الفترة التي كان فيها الحصري يضع "دار، داران ، دور" مستندا الى نظرية بيستالوزي في التعليم كانت مطبعة النجف تطبع كتاب "السيف البتار على الكفار الذين يقولون المطر من البخار"!! تحية ابو خلدون.

التأزم اكبر بكثير مما تصورنا يا عراق.. كيف يمكن الحديث في هذه الحالة عن "شعب" وعن "عراقيين".. وكيف يمكن الحديث بعد ذلك عن وطن!! وهل نستغرب لماذا ما زال" بني امية" و"بني هاشم" يُمعنون قتلا فينا.. ولماذا ما زال
"ابناء البيوتات" يقتلون "اولاد الملحة"..اولاد الملحة الذين لايملكون لا ناقة ولا "بعير" في معارك الجمل.

لصاحبنا اللطمي الذي ينعم بسلم مجتمعات "الافرنجة" ويدافع عن "اصالة هوياتنا" القاتلة والمُبعثرة لمجتمع العراق نقول: اطلبوا العلم، وليس فقط اللجوء، حتى لو كان في "بلاد الافرنجة".. لان سلمهم الذي تحب شيده عِلمُهم الذي تمقت وتُكفّر.. ولـ "ماركس ابو دشداشة" والذي يتأهب لارتداء العمامة نقول: اما عَلِمت ان "الوطن يَجِبُّ ما قبله"، نقلا عن "صحيح" ارنست رينان !!  تُرى .. هل اتاك حديث الوطن!! اقول قولي هذا واستغفر العراق الذي يقتلون لي ولكم.

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف29 أكتوبر, 2007

    This particualr post is a full-battery Secualrism assault on the destructive role played by religeous dogma ( mainly Shiíte here) in demolishing the basic root of the idea of (citizenship) and exchanging (homeland) for the abstentia of Al-Mahdi (Goudo ).Thick ,dark,bitter, sorrowful and of course ,as usual, very thoughtful post.
    Thanks.
    You make my cause stronger and my voice better heared.
    But :
    Secto-demographically ,one should not forget that Al Ramadi sunnis, while more aware of their Iraqi/Arab identity and have more mature political/leadership skills ,have also their vice being the source of the Beduin (Tribal) values .These values have played (and are playing) no less a harmful/damaging role in shaking the grounds under your and my feet as ( Iraqi citizens).I just wanted to remind you that not only Latmia trend ,but rather likewise, the tribal (mainly sunni) trend should be put under focus to come up with a sharper diagnosis. Karim : I know that when you write ,you have the craft and mood of a surgeon and that´s why I wished to remind you of the (other) tumor that should be removed ,lest you forget before you take your pen off the paper and do the stiches !

    Otherwise : I totally agree.

    On a different beat :

    If you like films,then I think you ought to watch Goya´s Ghost.I , for some reasons,thought of you when I watched it yesterday.It has all the motifs that fascinates you and all the concepts that most of your Darboona posts revolve around : corruptive church,imperialstic freedom preacher,restless artist,traitor and opportunistic and above all, it has what you admire the most : Wild Al Melha ولد الملحه

    http://en.wikipedia.org/wiki/Goya's_Ghosts
    (copy and paste).

    Live On !

    ردحذف