لقاء محرر شؤون الشرق الاوسط في الغارديان مع شارلز ترب يستحق القراءة .. تشارلز ترب هو مؤلف كتاب "تاريخ العراق" الصادر عام 2000 .. الشارع العراقي ومنذ السنة الاولى للاحتلال يعرف الجملة التي تضعها الغارديان هنا كعنوان للمقال : "لقد اطحتم بصدام وتركتمونا مع خمسين من مثله".. لسان حال العراقي اليوم يقول : دكتاتور متسلط واحد خير من خمسين على الرقبة .. هل يعلم تشارلز ترب ان الكثيرين في الداخل العراقي يحنون الى سطوة دكتاتور .. حتما .. جملة العنوان تقبل النقاش ولكنني ساركز على ما يبدو لي اهم .. يمكن ايجاز حجة ترب بثلاثة جمل مستقاة من نص الحوار.
"we were trying to say that there was a complex society in Iraq which shouldn't be reduced to the caricature of Saddam Hussein sitting upon the oppressed masses. The oppressed masses have their own agenda - and sometimes they're very nasty indeed."
"If you can't read a society like that, you're doomed, ….. You'll get it wholly wrong"
"There is a strong possibility that newly-won privileges will be entrenched and Iraqis will have good reason to fear subjection once more to a regime that equates power with force and dissent with treason."
احب ان انوه الى ان كلمات ترِب الاخيرة في حوار الغارديان هي ايضا الكلمات الاخيرة لخاتمة كتابه مع تغيّر مفردة واحد هنا
"Newly-won" replaces "existing"
عندما نعرف ذلك نجدنا مدفوعين بالقول "لا جديد تحت شمس" العراق المحرقة جدا .. بعد كل هذه الكوارث والحروب .. وبعد كل هذا القتل والتشريد والتهجير .. بعد كل عقود الحرمانات سنبحث عن دكتاتور للايجار .. ستعود السلطة مرادفا للقوة البطشية وستعود المعارضة بالرأي مرادفا للخيانة .. مرارة .. ولكن اليس افضل من فوضى القتلقراطية ؟؟ من يدري .. الاحتمال وارد .. ولكن احتمالات كثيرة اخرى واردة ليس ابعدها مشروع تقسيم العراق "غير الملزم" الذي اقرته مافيا الامبراطورية قبل ايام .
كيف ولماذا وصلنا الى هذه الحال .. سؤال الكيفية وسؤال السببية تم طرحمها في السابق على طاولة "السياسة" .. وتمت "معالجتهما" بطرق مبتسرة و مؤدلجة على يد تجار السياسة .. النتيجة اجابات جاهزة كالكونكريت الجاهز الذي خنق وشوه المدينة .. الاجابات الجاهزة اكثر تشويها حتى : طائفة مظلومة وطائفة ظالمة .. جلاد وضحية .. خير مطلق وشر مطلق .. الخ من ثنائيات عقلية الضحية الضدية .. وبالنتيجة التي نعرف : وهم كبير وجريمة اكبر .. ورغم كل هذا الفشل الذريع هناك من لازال متشبثا بالتصورات التي قتلت العراق .. يعتقدون ان قرأتهم للتاريخ العراقي هي القراءة الوحيدة .
المثقف اللطمي لايميز ما بين الذاكرة كـ "مروية " لمجموعة معينة تمت صياغتها داخل حقل الصراع على السلطة ومن اجل السلطة .. وبين التاريخ كجامع للروايات المتعددة ومفكك لها من اجل فهم اعمق للماضي .. تشارلز ترب بالذات هو الوحيد ربما ممن طرحوا مشكلة القراءات المتعددة والمتصارعة على التاريخ العراقي وبالتالي على السلطة في العراق .. وهنا قيمة كتابه .. وما اعطى ترب هذه الامكانية هو انه زود ادوات بحثة التاريخية بمكتسبات السوسيولجيا الحديثة .. ومن هنا فرادة طرحه .. وهذا يمكن ملاحظته حتى في عنوان كتابه حيث نجد كلمة تاريخ غير معرفة .. ليس التاريخ وانما تاريخ .. وهذة دلالة لغوية تعلن منهجية نقدية للتاريخ لمن "يحسن" القراءة .. للاسف نحن لانحسن القراءة .. اجترار الكليشات اسهل.
ما يهم المثقف لطميا هي اشياء اقل "تجريدية".. يكفي المثقف لطميا ان " اجاويد الطايفة" يحكمون .. هذة غاية المثقف اللطمي وابعد ما تصل اليه عقليته الضدية .. دكتاتور ام لا.. لايهم .. ديمقراطية ام "لطمقراطية" ..لايهم .. حاول ان تعترض على "العطايا الدريلية" التي "يوزعها " اجاويد الطايفة" ستجد نفسك طائفيا مع سبق الاصرار والترصد .. وكونك عراقي الهوى لن يشفع لك .. كونك ضد الخنادق الطائفية بكل اشكالها لن يشفع لك .. كونك علمانيا لن "يشفع" لك .. كونك معارضا للدكتاتور لن "يشفع" لك .. كونك "مشكل" طائفيا لن يشفع لك .. حتى كونك عراقي شيعي لن يشفع لك .. " الشفاعة" مفهوم "خندقي" في زمن "الحشر الطائفي" الذي نعيش وهذا كفيل بجعلك "ناصبيا" خلال خمس دقائق ونصف من "النقاش" اللطمي ..امام هكذا عمى وامام الاجابات الجاهزة لانملك الا زيادة مفردات السؤال .. كيف ولماذا والى متى ؟؟؟
ساختم مع هذا المقطع المقتطف من خاتمة كتاب تشارلز ترب
The population of Iraq is not condemned to repeat this history, since certain key players and factors will have changed significantly. However , those who are seeking to develop a new narrative for the history of Iraq must recognise the powerful legacies at work in the country if they do not want to succumb to their logic. - Ch. Trrip, A history of Iraq, p. 280
التاريخ العراقي .. صراع "الروايات" الخاصة .. او كيف تقتل الذاكرة المأزومة الوطن ..هذه هي قرأتي وباختصار شديد لتشارلز ترب .. ساعود في مناسبات اخرى لاتحدث عن ذاكرة الوطن المفقودة التي غيبها " تورم" الروايات الخاصة.
حاول ان تعترض على "العطايا الدريلية" التي "يوزعها اجاويد الطايفة ستجد نفسك طائفيا مع سبق الاصرار والترصد .... وكونك عراقي الهوى لن يشفع لك ....كونك ضد الخنادق الطائفية بكل اشكالها لن يشفع لك .... كونك علمانيا لن "يشفع" لك .... كونك معارضا للدكتاتور لن "يشفع" لك.... كونك "مشكل" طائفيا لن يشفع لك
ردحذفعزيزي كريم
هذا ما كنت اعنيه في تعليقي على مقالك السابق
نحن طائفيون حتى لو لم نكن ,, ولكنك لم تكملها بتوقعاتك للمستقبل ,, اليوم طائفي ,, غداً معادي للعراق ... وبعد غدٍ : لست عراقي
الله يسترنا من باجر
تحياتي
عيد سعيد و كل عام و انت بخير
ردحذف