رسائل غرامشي من السجن رائعة .. في واحدة من تلك الرسائل هناك قصة كتبها غرامشي من السجن لابنه الصغير.. غرامشي يكتبها بخطوط عريضة ويترك لزوجته بعد ذلك ان تتصرف بالتفاصيل كما تريد .. الحكاية بسيطة ولكنها هادفة .. اترجم الحكاية هنا من النص الفرنسي وبتصرف ..عملا برغبة غرامشي :
كان يا ما كان .. في قرية إحدى البلدان .. كان هناك طفل يغط في نوم عميق .. وقرب فراشه كان هناك قدح حليب وضعته له أمه لكي يشربه عندما يستيقظ في الصباح .. وقبل ان يستيقظ الطفل ، تظهر فأرة وتشرب الحليب الموجود في القدح .. وعندما يستيقظ الطفل ولا يجد حليبه يبدأ بالبكاء .. فتأتي أمه وتفهم ما حصل فتبدأ بالبكاء هي أيضا .. وعندما تسمع الفارة بكاءهما تخرج من ثقب جدار الغرفة وتراهما على هذا الحال فتبدأ بتأنيب نفسها .. وتحت وطأة إحساسها الكبير بالذنب تبدأ الفارة بضرب رأسها بالحائط .. ولكنها تنتبه بعد لحظات من ان ضرب رأسها بالحائط سوف لن يغير من الأمر شيئا .. فتخرج راكضة الى العنزة لكي تجلب منها حليب للطفل .. ولكن العنزة تطلب من الفأرة عشبا لكي تعطيها الحليب .. فتتوجه الفأرة مسرعة للأرض لتجلب منها عشبا فتجدها قاحلة .. فتطلب الأرض من الفأرة ماءً لكي تعطيها عشبا .. عندها تتجه الفأرة الى الينبوع فتجد ان الحوض الذي يجمع ماءه قد دمرته الحرب مما يتسبب بضياع الماء هدرا.. فتدرك ان ذلك يتطلب عاملا لكي يبني الحوض .. فتذهب الفارة للقاء العامل .. ولكن العامل يطلب من الفارة حجرا لكي يعيد بناء الحوض .. فتذهب الفارة مسرعة الى الجبل لجلب الحجر .. وعندما تصل الفارة الى الجبل ..تجده كالح حزين تمت تعرية جوانبه .. فيشكو الجبل للفارة جشع التجار المضاربين الذين قطعوا جميع أشجاره مما جعله بهذا الحال .. وتحكي الفارة قصتها للجبل وتعده بان الطفل عندما يكبر سوف يزرع اشجار الصنوبر والسنديان والكستناء على جوانبه .. فيقتنع الجبل بوعد الفارة ويعطيها الحجارة .. فيتمكن العامل من بناء حوض الينبوع .. ويجمع حوض الينبوع ماء وفير لسقاية الارض .. وتعطي الارض عشبها .. وتعطي العنزة حليبها .. ويحصل الطفل على حليب كثير .. وينمو الطفل بسرعة ويصبح قويا .. فيزرع الاشجار على سفوح الجبل.. وتزدهر القرية ويعيش الناس عيشة سعيدة.
يقول غرامشي معلقا على تلك الحكاية "ان الفارة وضعت هنا خطة خمسية" !! رائع تعليق غرامشي .. الحكاية تحمل رسالة بسيطة و هادفة .. "فارة غرامشي" تقف موقف ايجابي من الحياة .. اعتقد ان حكاية فارة غرامشي تستحق ان توضع في مناهج أطفال العراق .. لأنها حكاية محفزة على تجاوز الأخطاء ، محفزة على العمل ، على التدبير ، على التخطيط الخ .. باختصار هي حكاية محفزة على الحياة .. وفي بلد تسود فيه ثقافة الموت واللطم .. فأن مثل هكذا حكاية تصبح ضرورة .
العمامة حتما سوف لن تسمح بمرور "فارة غرامشي" في صفوف ومخيلة اطفال العراق .. والسبب، لان مضامين حكاية فارة غرامشي تهدد "قيم" ثقافة اللطم .. فارة غرامشي تحمل رسالة حياة .. والعمامة عملت وتعمل من اجل ثقافة الموت وعبادة الأموات .. او ليست الحياة عندهم أتفه من "عفطة عنز" !! فارة غرامشي تتوقف عن "تطبير" رأسها بالحائط لانه سلوك عبثي لن يرد لها الحليب .. من هنا "خطتها الخمسية" من اجل "كل يوم حليب" .. والعمامة تدعو الى "كل يوم عاشورا" ( مقولة إرهابية بامتياز) .. منطق الثأر هذا يعمل على تغذية ذاكرة تجتر تجاذبات الصريفة وعلى مسرّحة لمشهد الدم .. من هنا الموقف اللطمي التطبيري للذات .. فارة غرامشي يؤنبها ضميرها على شرب قدح حليب ليس لها .. واقتصاد العمامة قائم على "فيل" المهدي الذي اختلقه "وكلاء الغيبة الصغرى" من اجل سرقة خمس الفقراء .. هل هي مصادفة تلك السرقات الفلكية التي جعلت العراق يحتل المركز الاول في قائمة البلدان الاكثر فسادا في العالم !! فاقد الشيء لا يعطيه .
باختصار .. العمامة ستفعل كل ما في وسعها من اجل منع فارة غرامشي " من المرور" في صفوف أطفال العراق .. والسبب : امام براءة ومخيلة أطفال .. فارة غرامشي ستهزم "فيل" المهدي !!
ـ الفيل في العامية العراقية تعني مجازا "كذبة كبيرة".. الكذاب هو من يجعل الفيلة تطير .. من هنا فكل كذبة كبيرة هي فيل.