2008/08/31

فأرة غرامشي


رسائل غرامشي من السجن رائعة .. في واحدة من تلك الرسائل هناك قصة كتبها غرامشي من السجن لابنه الصغير.. غرامشي يكتبها بخطوط عريضة ويترك لزوجته بعد ذلك ان تتصرف بالتفاصيل كما تريد .. الحكاية بسيطة ولكنها هادفة .. اترجم الحكاية هنا من النص الفرنسي وبتصرف ..عملا برغبة غرامشي :

كان يا ما كان .. في قرية إحدى البلدان .. كان هناك طفل يغط في نوم عميق .. وقرب فراشه كان هناك قدح حليب وضعته له أمه لكي يشربه عندما يستيقظ في الصباح .. وقبل ان يستيقظ الطفل ، تظهر فأرة وتشرب الحليب الموجود في القدح .. وعندما يستيقظ الطفل ولا يجد حليبه يبدأ بالبكاء .. فتأتي أمه وتفهم ما حصل فتبدأ بالبكاء هي أيضا .. وعندما تسمع الفارة بكاءهما تخرج من ثقب جدار الغرفة وتراهما على هذا الحال فتبدأ بتأنيب نفسها .. وتحت وطأة إحساسها الكبير بالذنب تبدأ الفارة بضرب رأسها بالحائط .. ولكنها تنتبه بعد لحظات من ان ضرب رأسها بالحائط سوف لن يغير من الأمر شيئا .. فتخرج راكضة الى العنزة لكي تجلب منها حليب للطفل .. ولكن العنزة تطلب من الفأرة عشبا لكي تعطيها الحليب .. فتتوجه الفأرة مسرعة للأرض لتجلب منها عشبا فتجدها قاحلة .. فتطلب الأرض من الفأرة ماءً لكي تعطيها عشبا .. عندها تتجه الفأرة الى الينبوع فتجد ان الحوض الذي يجمع ماءه قد دمرته الحرب مما يتسبب بضياع الماء هدرا.. فتدرك ان ذلك يتطلب عاملا لكي يبني الحوض .. فتذهب الفارة للقاء العامل .. ولكن العامل يطلب من الفارة حجرا لكي يعيد بناء الحوض .. فتذهب الفارة مسرعة الى الجبل لجلب الحجر .. وعندما تصل الفارة الى الجبل ..تجده كالح حزين تمت تعرية جوانبه .. فيشكو الجبل للفارة جشع التجار المضاربين الذين قطعوا جميع أشجاره مما جعله بهذا الحال .. وتحكي الفارة قصتها للجبل وتعده بان الطفل عندما يكبر سوف يزرع اشجار الصنوبر والسنديان والكستناء على جوانبه .. فيقتنع الجبل بوعد الفارة ويعطيها الحجارة .. فيتمكن العامل من بناء حوض الينبوع .. ويجمع حوض الينبوع ماء وفير لسقاية الارض .. وتعطي الارض عشبها .. وتعطي العنزة حليبها .. ويحصل الطفل على حليب كثير .. وينمو الطفل بسرعة ويصبح قويا .. فيزرع الاشجار على سفوح الجبل.. وتزدهر القرية ويعيش الناس عيشة سعيدة.

يقول غرامشي معلقا على تلك الحكاية "ان الفارة وضعت هنا خطة خمسية" !! رائع تعليق غرامشي .. الحكاية تحمل رسالة بسيطة و هادفة .. "فارة غرامشي" تقف موقف ايجابي من الحياة .. اعتقد ان حكاية فارة غرامشي تستحق ان توضع في مناهج أطفال العراق .. لأنها حكاية محفزة على تجاوز الأخطاء ، محفزة على العمل ، على التدبير ، على التخطيط الخ .. باختصار هي حكاية محفزة على الحياة .. وفي بلد تسود فيه ثقافة الموت واللطم .. فأن مثل هكذا حكاية تصبح ضرورة .

العمامة حتما سوف لن تسمح بمرور "فارة غرامشي" في صفوف ومخيلة اطفال العراق .. والسبب، لان مضامين حكاية فارة غرامشي تهدد "قيم" ثقافة اللطم .. فارة غرامشي تحمل رسالة حياة .. والعمامة عملت وتعمل من اجل ثقافة الموت وعبادة الأموات .. او ليست الحياة عندهم  أتفه من "عفطة عنز" !! فارة غرامشي تتوقف عن "تطبير" رأسها بالحائط لانه سلوك عبثي لن يرد لها الحليب .. من هنا "خطتها الخمسية" من اجل "كل يوم حليب" .. والعمامة تدعو الى "كل يوم عاشورا" ( مقولة إرهابية بامتياز) .. منطق الثأر هذا يعمل على تغذية ذاكرة تجتر تجاذبات الصريفة وعلى مسرّحة لمشهد الدم .. من هنا الموقف اللطمي التطبيري للذات .. فارة غرامشي يؤنبها ضميرها على شرب قدح حليب ليس لها .. واقتصاد العمامة قائم على "فيل" المهدي الذي اختلقه "وكلاء الغيبة الصغرى" من اجل سرقة خمس الفقراء .. هل هي مصادفة تلك السرقات الفلكية التي جعلت العراق يحتل المركز الاول في قائمة البلدان الاكثر فسادا في العالم !! فاقد الشيء لا يعطيه .

باختصار .. العمامة ستفعل كل ما في وسعها من اجل منع فارة غرامشي " من المرور" في صفوف أطفال العراق .. والسبب : امام براءة ومخيلة أطفال .. فارة غرامشي ستهزم "فيل" المهدي !!


ـ الفيل في العامية العراقية تعني مجازا "كذبة كبيرة".. الكذاب هو من يجعل الفيلة تطير .. من هنا فكل كذبة كبيرة هي فيل.

2008/08/09

عندما يبرّئ اللون كونكريت الاحتلال





في الغارديان تحقيق مصور عن مشروع "تجميل" جدران الكونكريت الامريكية التي قتلت المدينة العراقية .. نستطيع ان نقول : "ومن اللون ما قتل" !! من شدة القبح طبعا .. الانحدار اللوني في عصر العمامة مخيف .. ارسم لي، اقل لك من انت !! قبح اللون هنا هو من قبح الكونكريت .. قبح الألوان الممولة من قبل المحتل هو من قبح الاحتلال .. إحدى الأبواق الإعلامية الممولة من قبل رأس المال القريب جدا من المخابرات الأمريكية تصف في عددها الاخير تلك الجدران بـ "الأصفاد الملونة" .. قبح اللون يزداد مع قبح تلك الكلمات .

في كتابه "أساطير" يقول رولان بارث عن اللغة الإيديولوجية بأنها لغة "لا تلغي الأشياء، لا بل على العكس فوظيفتها هي التطرق لتلك الأشياء ولكن على طريقتها .. من خلال تشذيب هذه الأشياء .. تبرئتها" .. بمعنى وضعها في إطار لغوي أخر من اجل إعطاءها معنى أخر يحجب معناها الأصلي .. ولغة الصحافة المرتزقة كما الألوان المرتزقة تفعل نفس الشيء هنا .. لأنها "لغة" ايديولوجية .

فكما ان الاحتلال ضمن هذة "اللغة" يصبح "تحرير" .. فان جدران الفصل الطائفي الكونكريتية تسمى "اصفاد ملونة" .. صفة "الملونة" تقوم هنا بتشذيب المعنى الاصلي القبيح لكونكريت المحتل .. انها محاولة تبرئة لجريمة الجدار بحق المدينة والمجتمع .. والألوان المغطية لقبح الكونكريت تقوم بنفس الوظيفة .. اللون يحاول طمس حقيقة الجدار .. اخفاء غايته العملية في ترسانة المحتل .. فالجدار العازل سلاح في ترسانة المحتل .. من هنا فان اللون "الملطوش" على الكونكريت المحتل للمدينة يقوم بالتعتيم على البعد "السياسي" في كونكريت المحتل .. فمن خصائص اللغة الايديولوجية هو ازالتها للبعد السياسي للاشياء .. ليس غريبا اذا ان تقرأ ان من ضمن الشروط التي وضعها الأمريكي "للملوّنين المرتزقة" هو عدم التطرق لمواضيع سياسية في رسومهم كما تقول الغارديان .

عندما تحاول الألوان اخفاء قبح الكونكريت القاتل للمدينة .. فهي تساهم بقتل المدينة من جديد ومن حيث تعتقد انها تجملها .. لان مشروع تلوين كونكريت الاحتلال هو مساهمة في تكريس جدران الاحتلال .. وبالنهاية هي تكريس للاحتلال من خلال تجميل وسائل احتلاله .. أي جعلها مقبولة في عيون الناس .. والامريكي عندما يقوم بتمويل "مشروع الوهم اللوني" فهو يعرف ماذا يفعل .. للفرشاة والبندقية فوهة واحدة !! فوهة امريكية طبعا !!