2019/12/09

ثورة بلا ثوار .. تك تك أم تكتيك حبيبي ؟؟ تشخيص طك بطك

بعض "الثوار" يعترضون على تسمية "مظاهرات" ويطالبون بمفردة "ثورة" .. وبعض الكتاب العراقيون لبّوا النداء وراحوا "يُدبجون" المقالات والقصائد عن الثورة والثوار والوطن الجديد .. وعن الجيل الشاب الواعي الذي سيبني وطنا جديدا وسعيدا الى اخره من التعابير التي تُذَكِّر بلغة "ثوار" الخمسينات والستينات .. اعتقد ان افضل شيء يمكن ان يقدم لـ "ثوار" اليوم هو تشخيص واقعي دقيق.. عذراً يا "سائروووون في كل هوسة" على الازعاج.. عذراً يا "سائروووون في كل ردحية" على الاستفزاز .. العراق لا يحتاج الى شعارات اخرى واوهام اخرى.. العراق اليوم يحتاج الى وضوح وتشخيص دقيق لاسئلة الخراب .. مقابر العراق مليئة بثوار واهمين اعتقدوا في زمانهم انهم سيبنون اوطان جديدة وسعيدة .. بضعة خطوات الى الوراء في "طريق الشعب" لا تضر.

عذرا يا شباب .. انتم لم تخترعوا "العجلة" السياسية كما يحاول ان يقول لكم بعض المطبّلين والحكواتية .. لا لا .. مظاهراتكم اليوم ليست ثورة.. اسقاط حكومة لا يكفي لعمل ثورة .. اسقاط عشر حكومات لا يكفي لعمل ثورة .. الثورة هو ان تنتج تغييرا جوهريا في التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي .. والاهم قبل هذا وذاك تغييرا جوهريا في الفكر السياسي.. وهذا التعريف الاجرائي البسيط اذا ما اتخذناه كمعيار سَيُبَين انكم بعيدين جدا عن الثورة .. وبلغة اقل تجريدية .. عن اي ثورة نتحدث ومن يقود ويوجه ويؤطر المظاهرات الحالية هو تيار مقتدى الصدر.. "تيار صدري" تسبح فيه "حيتان" شاركت في كل الحكومات السابقة .. "حيتان" قتلت وسرقت وتسرق الملايين من غذاء "الاسماك الصغيرة".. هل تعتقدون حقا انكم ستقمون بثورة  ومن يقودها فعليا هو التيار الصدري.. هل تعتقدون حقا انكم ستقمون بثورة وزخمها العددي لا النوعي ينتمي بشكل او بأخر الى تيار مقتدى الصدر.. نحن هنا امام وقائع وليس شعارات.

ثم تعال ارجوك وقل لي كيف تريدني ان اصدق انك ثائر وانت تنتظر كل اسبوع خطبة سماحة الوسيط الذي شرعن ورعى منظومة الفساد التي خربت العراق.. من يريد وطن .. بمعنى انه يريد مدن وشوارع ومدارس ومستشفيات تليق به وباطفاله .. ولكنه بنفس الوقت يأخذ توجيهات من "تيار صدري" فاسد .. مثل هكذا متظاهر هو ليس ثائرا .. بل هو مراهق سياسي يفتقد للوضوح الفكري ولم يتحرر بعد.. هو لا زال في طور العبودية الطوعية.. الحرية قبل الوطن .. نحن هنا امام فيزياء سياسية.. بلا مواطن ليس هناك لا ثورة ولا وطن .. الثائر الذي يطمح لتغيير جوهري في التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لا بد له قبل كل شيء ان يكون انسان حر.. انسان لا يقبل وصاية رجل دين او قائد ملهم.. اين انتم من كل هذا.. اترك لك الوقت الكافي لكي تلتفت من حولك .. وتصغي لمن هم حولك .. ومن يطوق"حولك"، اعني سرايا مقتدى.. ستفهم ما اريد قوله بالوقائع لا بالحماسيات الفارغة.. المسألة لا تحتاج الى اكثر من هذاالمسح السوسيولوجي البسيط

تريدون ثورة .. تعالوا ادلكم على ثائر قلبا وقالبا.. هو منكم ومن بيئتكم .. هو من احزمة الفقر.. هو من هوامش المدن الممتلئة بالقمامة ومستنقعات الماء الآسن التي لا تليق بكم .. هو من اطراف النجف .. هو سيقول لكم معنى الثورة .. هو سيقول لكم سبب خراب العراق .. اسمعوا كلماته .. فهو يتكلم لغة "طك بطك" .. لغة واضحة وجارحة.. وليس لغة "اياك اعني واسمعي يا جارة" .. هي لغة ثائر.. اسمعوها في هذا الفيديو القصير الذي يسجل حوار بين "متظاهرين" وبين رجال دين في النجف .. بالقرب من "ضريح" الحكيم .. حيث قُتل وجُرح الكثير من الشباب برصاص قناصة "الضريح" في الاسبوع الماضي.  


سأسجل هنا كلمات هذا الثائر النجفي لان سنوات التدوين في الدربونة علمتني ان الفيديوهات لا تُعمّر طويلا .. وساتركها باللهجة العراقية الجنوبية : "منريدك روح، منريدكم .. ذوله اهل العمايم ذوله.. يريدون مفاوضات وياهم .. ذوله اهل العمايم شوفوهم.. ما زرب بالعراق غير اهل العمايم" (فعل زرب يعني مجازيا خَرَّب)..الثائر الغاضب يلحق ببقية المعممين ويستمر في تأنيبهم : "هو انتم الي زربتوا بالعراق" .. احد المعممين يضع يده فوق رأسه وينحني من بعيد ليهدئ الثائر .. ولكن نبرة الثائر تزداد غضبا وبصوت صارخ يضيف موجها كلامه للمعمم : انتم اللي زربتوا بالعراق .. امام هذا الغضب ينسحب المعمم خائفا.. احد "المتظاهرين" يرافق المعمم فينهره الصوت الغاضب .. "لا تروح وياه .. ماتت الوادم .. ماتت الوادم كلها".. الصوت الغاضب يستمر موجها غضبه الى المعمم : "يله روح يله ..روح منريد مفاوضات" .. ويستمر : "همه ذوله اللي زربوا بالعراق ..اهل العمايم .. والله العظيم .. ذوله اهل العمايم ..همه ذوله اللي زربوا بالعراق".

نحن هنا امام"خُطْبة" سياسية هائلة .. تشخيص دقيق.. طك بطك.. نحن هنا امام "خطبةهذه الثورة التي لازالت تبحث عن ثوار.. نحن هنا امام لغة ثورية .. وليس لغة " اخوان سنة وشيعة..." التي باعت الوطن لقاسم سليماني.. الملايين من اخوانكم في الوطن كانوا ولا زالوا ينتظرون منكم هذه اللغة الواضحة .. لغة الوطن الذي تريدون ونريد.. وطن بلا اصنام ولغة اصنام مبهمة .. وطن بلا التباسات لغة "زوال الحكم وذهابه الى الاخريييييييييين".. وطن  بلا ابهام لغة "اياك اعني واسمعي يا جارة".. لان "الجارة" ايران قد احتلت البيت .. وقاسم سليماني اليوم هو الذي يعين لكم القائد العام للقوات "المشلحة" .. كل ذلك بسبب العمايم .. هم الذين خربوا العراق.. همه اللي زربوا بالعراق".. عندما كنا نقول ذلك كنا نُتّهم بالطائفية .. الثائر النجفي اليوم "يفزع إلنه".

"خطبة" الثورة هذه ارعبت الكثيرين في العراق وفي ايران.. كان لهذا الصوت الثائر ان ينتج فعلا ثوريا في الاسبوع الماضي.. ولكن سرايا مقتدى "حيدت" هذا الصوت الثائر.. بعد يوم واحد من هذا المشهد الثوري نزلت سرايا مقتدى بتوجيه من "السيد القائد" المعتكف في ايران .. وتم تحيده.. الدور الذي قامت فيه سرايا مقتدى امام ضريح الحكيم اثبت بشكل قاطع ان وظيفتها هو تطويق "الثورة" بدعوى "حماية الثوار" .. مهمة شقاوات مقتدى هي مماشاتكم وتطويق "ثورتكم" لكي لا تخرج عن السيطرة وتتحول الى تسونامي سياسي.. وهم قد قاموا بمهمتهم على خير وجه حتى الان.. وهذه هي المهمة التي اسندها "الرهبر" لمقتدى .. هم اوضح منكم استراتيجيا..  لانهم يعرفون ماذا يريدون : الابقاء على سلطة "العمايم" .. اما انتم فلا تعرفون ماذا تريدون بالتحديد .. لا تملكون اولويات .. تريدون وطن .. وبنفس الوقت تريدون مرجعية .. تريدون ايران برة برة .. وقائدكم يجلس مع سليماني في ايران.. الثائر النجفي اوضح منكم.. هو يملك اولويات لانه شخّص مشكلة العراق بوضوح .. لهذا السبب تم "تحيده".. كما "حيدوا" المواطن العراقي الذي كتب في نفق ساحة التحرير "لا مقتدى ولا هادي" في الاسبوع الاول من المظاهرات .. هل تذكرون.. كان بامكانكم ان تغيروا خارطة الشرق الاوسط سياسيا في الاسبوعين الماضيين لو كنتم حقا ثوار .. ولكن مزامير المرجعية حيدتكم بلغتها المبهمة.. أخافتكم بسعلوة "زوال الحكم وانتقاله الى الاخريييييييييين".. داعبتكم في "المناطق الحساسة".. واغتصبتكم فكريا.. كما اغتصبت ابائكم فكريا قبل ستة عشر عام.  

"ما زرب بالعراق غير اهل العمايم".. جملة هذا الثائر النجفي التاريخية ستبقى حاضرة معنا..  تحية لمثل هذا الثائر الفطن .. اتمنى من كل قلبي ان يكون بخير .. هولاء هم امل العراق في المستقبل .. هم اليوم قلة .. ولكنهم سيزدادون غداة الغد .. العمامة فشلت سياسيا وهي تحتضر .. وهذه حقيقة ساطعة لا ولن يحجبها غربال ولغة الوسيط الروحي.. ولكن العراق بانتظار جيل اذكى.. الوطن بانتظار جيل اكثر فطنة من جيل ابو "التك تك" الذي لم يفهم بعد ان فقره هو بسبب  فساد شركة "آل البيت" اللامحدودة لاستعباد الفقراء.. جيل لا زال يصغي الى رطانة "تكتيك حبيبي" .. جيل لا يميز بين تك تك و تك تيك.. جيل لا يفهم ان "ثورة" يقودها مقتدى ويوجهها سماحة الوسيط.. هي اعادة "تدوير" للعمامة .. تجريب للمجرب.. هي انتكاسة.. لهذا السبب فقط لا تستحقون بعد تسمية "ثوار" ولا تسمية "ثورة".

 ومع ذلك .. وبما انكم تواجهون اليوم سكاكين وسرسرية قاسم سليماني.. فواجبنا الوطني يحتم علينا "دعمكم".. رغم اننا لا نتفق معكم في التشخيص.. لأنكم تضربون "الذيل" وتتركون "الرأس" .. وهذا سيكلفكم الكثير مستقبلا.. قلوبنا معكم.. وعقولنا ضد "أصنامكم".. والصديق من صَدَقَك لا مَن داعبك واغتصبك فكريا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق