اعتقد ان "خطاب حول العبودية الطوعية" لـ ايتيان دولابويسي هو اروع ما انتجه الادب الانساني عن ثيمة الحرية والعبودية.. في هذا الخطاب يروي دولابويسي حكاية حدثت في مدينة اسبارطة اليونانية.. احد مشرّعي تلك المدينة يقوم بتربية كلبين صغيرين من نفس الام ..اخوة .. يربي احدهما في بيته ويترك الاخر في البرية.. في احد الايام يقوم هذا المشرّع الاسبارطي بجمع الناس في ساحة عامة.. يجلب الكلبين ويضع امامهما صحن حساء وارنب.. وما ان يطلقهما حتى ينطلق الكلب الذي عاش في البرية بسرعة خلف الارنب.. اما الكلب الذي عاش في البيت فيتوقف امام صحن الحساء.. هذا المشرّع الاسبارطي اراد ان يبيّن لسكان مدينته ان التربية وليست الجينات الوراثية هي المسؤولة عن السلوكيات.. بمعنى اخر، ان الثقافة وليست الطبيعة هي من تحدد سلوكيات البشر.. وان العبودية او الحرية هما تربية قبل كل شيء.. لماذا اروي هذه الحكاية؟
هاشم العقابي نشر قبل ايام مقال عن قيمة الحرية عند العراقيين.. يقول فيه ان "حب العراقيين للحرية لم يأت مصادفة، بل توارثوه في جيناتهم عبر آلاف السنين من ايام حضاراتهم الاولى".. وهو لكي يدعم هذه الحجة يقول انه سمع "في محاضرة للباحث الدكتور علي الشوك في ديوانية الكوفة بلندن في نهاية التسعينيات ، ان السومريين اذا نصبّوا ملكا جديدا ياتون به الى ساحة عامة وينادون على مواطن من اقل الدرجات الاجتماعية، وقد يكون شحاذا، ليصفع الملك الجديد. هذه الطريقة فسرها الشوك بانها رسالة للملك ليتعلم الاذعان لشعبه". انتهى
ساترك جانبا المغالطة التاريخية النائمة في جملة هاشم العقابي الاولى بخصوص مفردة العراقيين العابرة للقرون.. وساتحاشى "سالفة" الجينات المتوارثة عبر الاف السنين لان حكاية كلاب اسبارطة كفيلة بتفنيدها.. ولكنني ساتوقف عند "حزورة" ان السومرين اذا نصبوا ملكا ينادون بشحاذ ليصفعه !! العقابي يقول انه سمع هذه الحكاية في التسعينات.. وان الدكتور علي الشوك "كشفها" .. ترى الا يوجد بعد كل هذه السنوات كتابا يسجل هذا الكشف ؟؟ يبدو ان المصادر هي اخر هموم ثقافة القيل والقال الحكواتية.
اولا، المعلومات التي نملكها عن تاريخ ما بين النهرين القديم وعلى قلتها تقول لنا ان عقلية ذلك الزمان تعتبر الملك "نصف اله".. فهل يُضرب نصف اله !! ثانيا من قال ان ملوك سومر كانوا ينصبون من قبل الشعب.. العرش كان وراثيا وفي احيان كثيرة كان يتم الاستيلاء على السلطة بالقوة.. ميكانزمات السلطة هي هي لم تتغير منذ القدم.. السلطة تستند دائما على هيبة صاحب السلطة.. وبلا هيبة ليس هناك سلطة.. وعلم الاجتماع االسياسي يعلمنا ان كل طقوس ومراسم السلطة تهدف الى خلق انطباع القوة والعظمة في نفوس الناس.. غاية البروتوكول والمراسم هو خلق مسافة مادية وبالتالي رمزية بين الحاكم والمحكوم.. لن اتوقف امام بطش ملوك ذلك الزمان فوحشيتهم معروفة.. يكفي ان نعرف مثلا ان الملوك الاشوريين نادرا ما كانوا يظهرون علنا.. من اجل ان يخلقوا انطباعا عند الناس بانهم يمتلكون شيء فوق بشري.. شبه الهي .. اما في اور السومرية فقد بلغت سطوة الملوك مستوى مخيف بحيث ان طقوس دفن الملك يرافقها قتل جميع حاشيته ودفنهم معه لكي يسلوه في رحلته الى العالم الاخر.. والقيثارات السومرية التي نراها اليوم في المتاحف هي لمغنين دفنوا مع الملوك السومريين.. وهاشم العقابي يقول لنا ان شحاذاً كان يضرب الملك السومري عند تنصيبه !!
قلت سابقا رأيي في الثقافة العراقية السائدة اليوم.. ويوم بعد اخر اصل الى قناعة اثق بها: نعم هناك اسباب كثيرة اوصلتنا الى الخراب الحالي.. ولكن فشل الثقافة العراقية في انتاج نخب فكرية رصينة هو احد هذه الاسباب..غياب حقل اكاديمي رصين كرس الحكواتية والشعراء نموذجا للثقافة.. وضحالة هولاء، استداراتهم، سلوكيات المرتزقة التي يمارسون.. دفع الناس الى عدم احترامهم.. وبالتالي فقدت الثقافة دورها التنويري.. وهذا ما اوصلنا الى ان دجال كـ محمد صادق الصدر يقول للناس في الفيديو المرفق هنا ان "امريكا اسست قوات التدخل السريع تحسبا لظهور المهدي وانها افتعلت حرب الخليح لاجل ان تملىء الخليج بالبوارج الحربية تحسبا لظهور المهدي.. وان للمهدي ملف كامل في البنتاغون ولكنهم لايملكون الصورة الشخصية له".. وهذا الدجال يقدسه الملايين من الشيعة العراقيين.. والحكواتية ما زالوا يتحدثون عن حب العراقيين للحرية الذي توارثوه في جيناتهم عبر آلاف السنين.. لا اعرف عن اي عراقيين يتحدثون؟ نحن في القرن ٢١ بعد الميلاد وفي العراق ملايين ممن يمتلكون هذه النظرة السحرية الغيبية.. فما بالك بمن كانوا يعيشون في القرن ٣٠ قبل الميلاد !!
باختصار.. النظرة السحرية وبالتالي ثقافة العبيد سادت العراق القديم وتسود العراق اليوم.. والخروج من النظرة السحرية يقتضي مواجهه الحقائق كما هي ماضيا وحاضرا.. وكل طرح اسطوري للتاريخ او للعالم هو مساهمة في ادامة النظرة السحرية وبالتالي في ادامة ثقاقة العبيد.. من هنا فكل حديث عن طبيعة عراقية (علي الوردي انموذجا) او جينات عراقية او عراقي عابر للقرون هو طرح ثقافوي واسطوري يساهم في ادامة ثقافة العبيد.. كلاب اسبارطة فهمت ذلك منذ قرون.. فمتى سيفهم "مثقفوا" العراق ؟
متى تتعلمون ايها العراقيون ان تنقدوا الاخر دون تجريح
ردحذفسبحان الله ايها الاخ كاتب المقال اقول لك اخي كاتب المقال ان صحة النظرية التي قالها العقابي بخصوص الجينات باينة من قتلكم لبعض لمجرد يختلف عنك بالرأي او الدين
الاخ كريم
ردحذفلاحظت شي بمقالاتك انها كلها ردود افعال ورد على مقالات وليست مقالات لتوصيف او تحليل شأن او حدث ما .
هل نحن ازاء ظاهرة انتقدوهم وانتم جالسون ؟
اي ثقافة تنادي بها هل هي ثقافة اهانة الأخرين كم الذين أهنتهم في شخابيطك هذه
ردحذفايتها النكرة الحقيرة
اتفوه على كل القباحات التي تحملها ياعنصري ياطائفي
من مثل امثالك من يدمرون الثقافة
ما هذا الحقد الذي تحمله
رد علي ان استطعت
عبد الرحمن عبد العظيم
هولاء الذين تنتقدهم لااجد افضل من كلمة ملاية او قرجات المحلة تنطبق عليهم.سلمت مقالتك رائعة
ردحذف