قبل أربعة ايام دعا قائد ميليشيا "حزب الله" السعودية إلى "فتح صفحة جديدة" وتنحية الخلافات وإنشاء جبهة موحدة في وجه إسرائيل.. ودعا أيضا الى "حوار يجمد الخلافات التي مرت في الماضي على الأقل في هذه المرحلة الاستثنائية".. نعيم قاسم زادنا في الاستغفال السياسي بيت.. حين أضاف: "نؤكد لكم أن سلاح المقاومة وجهته العدو الإسرائيلي، وليس لبنان ولا السعودية ولا أي مكان ولا أي جهة في العالم".
من كان يتصور حتى الأسبوع الماضي ان "حزب الله".. الذي كانت جرائده وكتابه يصفون دول الخليج "بالأنظمة الرجعيّة".. يدعو نفس هذه "الأنظمة الرجعيّة" اليوم للتحالف!! من كان يتصور حتى الأسبوع الماضي ان بيادق إيران الذين كانوا حتى وقت قريب يتوعدون "بتحرير مكة والمدينة من رجس ال سعود العميل"!! يدعون اليوم ال سعود للتحالف!!
متغيرات كثيرة حتمت هذا التحول في الخطاب الشيعي!! هزائم كثيرة حدثت منذ شعار "منصورة يا شيعة حيدر" الذي جاء مع الدبابات الامريكية التي احتلت العراق.. "اصنام" كثيرة سقطت في حملة الدفاع عن "السيدة زينب" التي قتلت وهجرت الملايين من السوريين.. بيجرات كثيرة تفجرت بوجوه من ذهبوا في طريق القدس الذي مر بحلب!! الجغرافية الجيوشيعية تضاءلت كثيرا منذ ذلك الوقت.. ومعها تضاءلت الطموحات الإيرانية.. الحاجة الى حليف تزداد بازدياد شعور الخطر.. نحن هنا في ابجديات السياسة الدولية.. نظام الملالي الذي كان حتى الامس القريب يتباهى بالسيطرة على اربع عواصم عربية.. يلجأ اليوم للعرب بحثا عن حلفاء للوقوف بوجه إسرائيل.
المقولة الشهيرة تقول ان "الإمعات لا تستدير وانما الريح هي من تغير اتجاهها".. وريح السياسة الإقليمية قد تغيرت بشكل كبير مؤخرا.. والغزل السياسي الشيعي للسعودية هو نتيجة لتقلبات المناخ السياسي الإقليمي الذي سببه تذبذب "الضغط الجوي" الإسرائيلي!! واستدارة نعيم قاسم في هذا "الجو العاصف" الذي يسود منطقتنا لا تختلف جوهريا عن استدارة "رئيس هيئة الحشد" فالح الفياض الذي قال مؤخرا ان: "الحشد الشعبي يأتمر حصراً بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، وهو غير معني بالرد على أي دولة خارجية".. والفياض ذهب في الغزل السياسي للعم سام الى درجة انه قال في ختام هذا التصريح أن "الحشد معني بالدفاع عن أي جهة، متى ما كُلِّف بذلك رسمياً، ومستعد لفعل ذلك حتى لو كانت السفارة الأمريكية"!!
من الدفاع عن "السيدة" زينب الى الدفاع عن السفارة الامريكية!!!!!! اما قبل الضربة الإسرائيلية لإيران فقد كان حشد السرسرية يستهزئ بالدولة العراقية بمقولة: "الحشد جاء بفتوى ولا يُحل الا بفتوى".. "الطفرة الجينية" في خطاب حشد السرسرية.. هي نتاج طفرة تكنولوجية في اسلحة المعركة.. البيجرات مرت من هنا!!
وعود على بدء.. الملايين من السوريين الذين قتلهم وهجرهم سلاح حزب الله بدعوى الدفاع عن "السيدة" زينب.. سيضحكون من قلة حياء نعيم قاسم الذي يقول اليوم بكل صلافة: "نؤكد لكم أن سلاح المقاومة وجهته العدو الإسرائيلي".. عذرا يا سوريين.. حزب الله كان لا يمتلك آنذاك خرائط المنطقة!! وكان يعتقد ان طريق القدس يمر بحلب!!
ونعيم قاسم الذي يدعو اليوم لتحالف يقف بوجه إسرائيل.. يعتقد اننا نمتلك ذاكرة اسماك.. وبالتالي فأننا نسينا خطاب قائد الباسيج الذي قال ذات يوم ان: "سوريا هي محافظتنا الثانية والثلاثين وهي الأهم استراتيجيا. وإذا ما هاجمنا العدو وحاول الاستيلاء على سوريا والاحواز، فان اولويتنا هو الحفاظ على سوريا والتخلي عن الاحواز. لأننا اذا ما استطعنا الحفاظ على سوريا فأننا سنكون قادرين على استرجاع الاحواز. ولكننا اذا ما فقدنا سوريا فأننا لن نستطيع الحفاظ على طهران"!!
ولكن الادهى من هذا وذاك.. هو ان نعيم قاسم يدعوا السعودية الى "حوار يجمد الخلافات التي مرت في الماضي على الأقل في هذه المرحلة الاستثنائية".. بمعنى انه يريد هدنة مؤقته لوضع تجاذبات صريفة بني ساعدة جانبا.. ثم وبعد ان يتم "تحرير القدس" بسرايا الكبتاغون.. نعود للحرب الطائفية.. فاصل "وفاق" ونعود الى صريفة بني ساعدة!! تحالف موقت في "هذا الظرف الاستثنائي".. ونعود الى شعار "كل ارض كربلاء وكل يوم عاشورا"!!
نعيم قاسم لا يفهم حتى الان ان ما يسميه "خلافات" (تصغيرا للحرب الطائفية).. هي اكبر كارثة جيوسياسية حلت بالمنطقة منذ هولاكو.. فهذه "الخلافات" التي أدت الى تدمير العراق وسوريا واحتلالهما من قبل ايران.. هذه "الخلافات الاخوية" التي قتلت وشردت الملايين.. هذه "الخلافات" القرووسطوية هي من دفعت الملايين من ضحاياها في المشرق العربي بوضع ايران قبل إسرائيل في سلم العداوة.. مما سهّل في نهاية المطاف من مهمة إسرائيل باستباحة المنطقة.. من هنا .. فان شعار "كل ارض كربلاء وكل يوم عاشورا" الذي قسم منطقتنا الى احفاد الحسين واحفاد يزيد.. هذا الشعار المفخخ بالضغينة هو من مكّن إسرائيل من استباحة منطقتنا بهذا الشكل المهين.. وبهذا المعنى.. فان "الحسين" ونتانياهو هما فوهة واحدة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق