2006/10/17

الفيدرالية الان


حزب آل حكيم يطالب بفيدرالية جنوب ووسط العراق .. لا بأس.. ولكن ما هي حجتهم ؟ يقولون انها تمنع الدكتاتورية.. كيف استطاعوا تمرير هذا الخلط القسري للمعاني على هذا البعض من العراقيين الشيعة؟ اعتقد ان الاجابة على هذا السؤال لا تحتاج الى جهد كبير في زمن التأزم .. ولكن من اين جاءوا بهذه الحجة الواهية : الفيدرالية كنقيض للحكم الدكتاتوري؟ لا اظن ان صاحب عقل وفطنة يستطيع ان يقول لنا ان اقليم كردستان الفيدرالي ( وهو نموذج يطمح اليه آل حكيم ) والذي يتنازعة جلال ومسعود هو بديل للدكتاتورية.. طالما ان اهالي حلبجة وهم "رمز المعاناة الكردية" يتعرضون لنار "شرطة" اقليم كردستان بسبب من خروجهم بمظاهرة تعري مستخدمي الجرح ، فاننا امام دليل عراقي حي من ان اقليم كردستان الفيدرالي ليس مرادفا لغياب التعسف الدكتاتوري.. ففي كردستان الدكتاتورية الكبيرة قد فرخت دكتاتوريتان صغيرتان .. ترى كم دكتاتورية سيولد اقليم الوسط والجنوب "شيعستان" ؟ اترك لمخيلتكم الجواب.

لو ان عصابة آل الحكيم قالوا لنا بصراحة ان فيدرالية اقليم الوسط والجنوب سوف تساعد على توزيع "الهريسة" بشكل اكثر فعالية كنت سأكون من اول المدافعين عن مطلبهم بفيدرالية.. ذلك انه سيكون من الصعب اخلاقيا الوقوف بوجه دمقرطة الهريسة .. ولو قالوا لنا انهم يطالبون بفيدرالية الوسط والجنوب وفاءً لنضال " ارستقراطيات" النجف وكربلاء في خمسينيات القرن الماضي، لتعاطفنا مع امانتهم التاريخية .. اما وانهم ، هم الذين كانوا في سنوات الاسر الايراني يعذبون اسرى الجيش العراقي من الشيعة لكي يجندونهم ضمن فيلق بدر ، يطالبون بفيدرالية من اجل محاربة الدكتاتورية.. فهذا يدفعنا على اقل تقدير لطرح اسئلة بخصوص طريقة ادارتهم للفيدرالية المبتغاة.. اتذكر تعليق المجرم صولاغ "وزير الداخلية" السابق (وهوعضو في عصابة آل الحكيم) عندما اكتشفت اقبية تعذيب في وزارته : "لا عدد المعذبين لم يكن بالمئات وانما بالعشرات" !! عذر اقبح من ذنب.. هل فيدرالية يديرها مثل هولاء تستطيع تجنب ويلات الدكتاتورية.. شخصيا لااظن .. لانني اعتقد ان النظم السياسية هي اطارات اما من يفّعل محتوياتها فهم البشرالذين يتحركون في داخلها.

الفيدرالية نظام سياسي راقي، ولكنها كفكرة ، كتقنية حكم مجردة ليس حلا سحريا كما تدعي الخطابات التعميمية.. وفي المجتمعات التي لم تتوافر لها لا الإمكانيات ولا الوقت الكافي ولا الظروف الملائمة ، فأن الفيدرالية هي جزء من استراتيجة معقدة تتطلب شروط اخرى لاحلال السلم بين مكونات هذة المجتمعات.. واول ما يقتضيه هذا النموذج ، من بين الشروط الكثيرة الممكنة لتفعيله ، هو نخب سياسية تتحمل مسوؤلية فن التوافق او على الاقل ان تعرف كيف تتكلم (وهذا غير متوفر لا عند العمامة التي تقود التيار المطالب بفيدرالية الجنوب والوسط ولاعند اغلب الساسة العراقيين.

ان هذا ليس تهجما على حق الادارة الذاتية المشروع لكل مكونات الشعب العراقي بما تراه مناسبا لتحسين اماكن وظروف عيشها بدء من الدربونة ، المحلة ، المدينة ، المحافظة الخ .. ولكنها محاولة لمواجهة الحق الذي يراد به باطلا.. فعندما يقول لك مختار محلة انه يريد ان يستقل بمحلته لان حاكم المدينة جائر/ دكتاتوري .. وانت تعرف ان مختار المحلة (و الشقاوات التي تدور حوله) يعذب ابناء المحلة او سبق له ان عذبهم قبل مطالبته بالاستقلال او هو غير قادر حتى على تنظيف ازقة المحلة ، فأقل ما يمكن عمله هو تعرية هذه الكذبة.. العراقيين الشيعة لا يصلحوا ان يكونوا حقل تجارب بعد كل الذي عانوه .. وهم بحاجة الى حكماء يطببون جراحاتهم الكثيرة.. اثبتوا لهم انكم قادرون على ادارة مدينة ثم تعالوا وخذوا محافظة .. اثبتوا لهم انكم قادرون على ادارة محافظة ثم تعالوا وخذوا اقليما .. اثبتوا لنا انكم قادرون على ادارة الاقليم .. عندها تعالوا واحكموا العراق.. ولكن لنا هنا ملاحظة .. الحكم ليس معناه ثقب الرؤوس بالدريل ، ومن لايفرق بين الاثنين لن يؤخذ طلبه بالحكم بنظر الاعتبار وسيرمى في سلة المهملات.

الفيدرالية في جوهرها هي نزعة ضد الادارة المركزية وطموح مشروع بالادارة الذاتية.. وهي في المجتمعات المتنوعة ضرورة لاقامة سلم اجتماعي وثقة سياسية من اجل تفعيل المجتمع .. ولكن الفيدرالية اذا ما جندت بطريقة ضدية تكتيكيا (على المدى القصير) من اجل اقامة دويلة صغيرة فهي على المدى الطويل لن تكون رادعا امام قيام دكتاتورية صغيرة.. من يريدها حربا على الدكتاتورية في العراق فعليه بفيدرالية المحافظات .. لان فيدرالية الاقاليم لن تشكل ابدا عقبة امام الدكتاتورية.. من هنا فأن تصوير فيدرالية الاقاليم كمانع امام الدكتاتورية هو خلط قسري لمصطلحين هدفه التعويم والتعميم من اجل التنويم .. لنتذكر ان مثل هكذا خطاب تعميمي هو اسلوب حكم الانظمة الدكتاتورية كبيرة كانت ام صغيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق